كشفت بوصلة محمد الوفا، وزير التربية الوطنية، التي صوّبها نحو المؤسسات الخصوصية الوجه الآخر لهذا النوع من الاستثمار المفروض أن يكون تربويا صرفا. وعرّى قراره المؤقت الخاص بمنع أطره التربوية من العمل داخل المؤسسات الخصوصية واقعَ ما تعيشه الأسر التي اختارت، عن رضا أو غصب، أن تجعلها أحضانا تربوية وتعليمية لأبنائها وبناتها. ففي الوقت الذي بدأت وزارة التربية الوطنية (وفي إطار تكافؤ فرص البيع لدى أصحاب المكتبات) تشارَك أصحاب المكتبات على مستوى النيابات التعليبمية في عملية بيع الكتب التي تدخل في إطار المبادرة الملكية «مليون محفظة» للمؤسسات العمومية. وتمنحهم فرصة الربح، خصوصا أن العملية المجانية تشمل نسبة كبيرة من التلاميذ المتحدرين من أسر معوزة.. نرى أن بعض أصحاب المؤسسات الخصوصية حوّلوا حجرات للدراسة وفضاءات داخلية إلى مكتبات.. وأرغموا تلاميذهم على اقتناء الكتب من داخل تلك المؤسسات بأسعار جد مرتفعة، تحت مبرر أن تلك الكتب لا توجد في الأسواق المغربية، علما أن تلك الكتب هي، في غالبيتها، مُستورَدة من فرنسا أو كندا أو لبنان أو بعض الدول الأجنبية الأخرى التي تتناقض تقاليدها وثقافتها مع التقاليد والثقافة المغربية.. كما أنها غير محددة الثمن ويسهل التلاعب في سعرها، إضافة إلى الغموض الذي يلفّ طريقة استيراد بعضها، وما إن كانت تخضع للرسوم الجمركية أم يتم تهريبها إلى الداخل. كما أنها لا تخضع للمراقبة والتفتيش التربوي الدقيق قبل اعتمادها كمناهج دراسية.. كما أن بعض المؤسسات بدأت تعقد شراكات شفهية سرية مع مكتبات دون غيرها من أجل توجيه تلاميذتها إلى تلك المكتبات وفرض أثمنة خاصة بها. وبدأت أخرى تقتني أجهزة تربوية مستوردة وتُرغم الآباء والأمهات على شرائها من داخل المؤسسات أو المكتبات الموالية لأصحابها، بأثمنة جد مرتفعة مقارنة مع مثيلاتها في الأسواق المغربية.. أكثر من هذا فإن بعض المؤسسات الخصوصية نصبت، طيلة الموسم الدراسي، محلات وأكشاكا لبيع المواد الغذائية. وأبانت عن وجه ثانِ للاستثمار تحت الغطاء التربوي.. بلغ إلى حد توفير الأرباح في كل ما يخص التلاميذ من أدوات وتغذية ورحلات وغيرها.. وإذا كانت بعض الجمعيات (جمعية أمال فضالة للكتبيين وأصحاب الوراقات في مدينة المحمدية نموذجا) قد نددت بهذه السلوكات «الشاذة» لبعض المؤسسات الحرة في النيابة التابعة لها، والتي أصبحت، منذ سنوات، تحترف بيعَ الكتب المدرسية ومستلزماتها للتلاميذ خلال بداية الموسم الدراسي تحت ذريعة أن المكتبات لا توفّر هذا النوع من المقررات الدراسية، فإن العديدَ من أصحاب المحلات التجارية المتضررة من قربها من هذه المؤسسات، يعانون في صمت وينتظرون إنصافهم. فالمؤسسات الخصوصية التي انتقلت من الاستثمار في التربية والتعليم إلى التجارة، تضرب عرض الحائط كل المنظومة التربوية، التي تؤكد أن المدارس هي فضاءات للتربية والتعليم فقط.. وقد بلغ الاستياء أقصاه لدى شريحة عريضة من الأسر التي ترغم على تدريس أطفالها داخل المؤسسات الخصوصية، التي توفر النقل والحماية الأمنية، عكس المدارس العمومية التي باتت محيطاتُها أشبهَ بمعاقل للفساد والانحراف، بكل أنواعه. وتساءل بعضهم عن سبب عدم الاستثمار في القطاع التربويّ الصرف والعمل على توفير ملاعب رياضية ومرافق حيوية للأنشطة الموازية وقاعات (الأساتذة، المداومة، العروض) وتجهيز القاعات العلمية والمختبرات بكل الأجهزة والعتاد التربوي اللازم وتمكين التلاميذ من حافلات للنقل المدرسي، مريحة وكافية، عوض «تكديس» أبنائهم وبناتهم داخل الحافلات وتركهم يواجهون ضيق التنفس والحرارة والروائح الكريهة. ويذكر أن محمد الوفا، وزير التربية الوطنية، انتقل من مرحلة إصدار القرارات، أبرزها قراره المؤقت، إلى مرحلة الوقوف على مدى استجابة الأطر التربوية والإدارية وأصحاب هذه المؤسسات إلى قراره الذي ما يزال يؤكد أنْ لا رجعة فيه. فقد انطلق أمس الاثنين عمل فرق من المفتشين التربويين، التي طلب منها، وفق بلاغ صادر من وزارته، زيارة وتفقد المؤسسات التعليمية، لتتبع مدى تنزيل القرارات. واعتبر البلاغ، الصادر يوم السبت المنصرم٬ أن هذه الزيارات الميدانية تتوخى الوقوف على مدى تطبيق التوقيت الجديد، الذي تم إقراره في المدارس الابتدائية وعلى السير العام للدراسة، كما ستطّلع فرق التفتيش خلال هذه الزيارات٬ حسب البلاغ٬ على لوائح الأساتذة المُرخَّص لهم القيام بساعات إضافية في مؤسسات التعليم الخصوصي. ويتساءل الآباء والأمهات هل سينجح الوفا في تخطي عقبة المؤسسات الخصوصية، التي صنع بعض أصحابها «مغربا خاصا بهم».. لا يعي اهتماما قوانينه ومنظومته التعليمية. وإذا كان قراره المؤقت قد أزعج وعرّى الواقع السلبيّ لبعض هذه المؤسسات، فما سيقرر بخصوص المدرسين والمدرسات في القطاع العمومي الذين هم زاهدون في أجور وساعات المؤسسات الخصوصية، ويعملون لحسابهم الخاص. فمعاناة الآباء والأمهات مع أجور المدرسين والمدرسات المتخصصين في الدروس الخصوصية أقوى وأشد، وهي دروس يجريها المدرس داخل مؤسسة أو روض أو داخل منزل أو منزل التلميذ المستفيد..ويتقاضى بعض المدرسين أمولا طائلة مقابل دروس نادرا ما تكون مجدية، إضافة إلى أن بعض المدرّسين لا يترددون في إنجاز دروس خصوصية لتلاميذ يدرسون عندهم في التعليم العمومي أو الخصوصي.