كشف القرار المؤقت لمحمد الوفا بخصوص منع الأطر التربوية العمومية من مزاولة حصص إضافية داخل المؤسسات الخصوصية عن الوجه الخفيّ والمظلم لواقع التربية والتعليم الخاص في بلادنا، والذي أميط عنه اللثام مع الدخول المدرسي الجاري، حيث تبيّن عجز معظم هذه المؤسسات المستثمرة في أهم قطاع حيويّ، لا من حيث البنية التحتية ولا من الموارد البشرية اللازمة. واتّضح أن معظمها مؤسسات خصوصية بأغطية عمومية. تعتمد في منظومتها التربية على سياسة «الترقيع» و»التحفيز اللا شرعي»، من أجل استقطاب التلاميذ. فبمجرد ما صدر القرار بدأت بعض المؤسسات الثانوية تستعد لإغلاق أبوابها، وهاتفت الآباء من أجل استرجاع مصاريف التسجيل والتأمين والدراسة. فيما حاول آخرون ليّ ذراع الوزارة بالتهديد بسنة بيضاء أو تنظيم مسيرات أو وقفات مُندِّدة بالقرار. فمن خلال جولة سريعة لتفقد أحوال الدخول المدرسي الخصوصي، يتضح جليا أن المدرسين العموميين الذين اعتادوا العمل لدى الخواص، والمؤسسات الخصوصية لم تُعِر اهتماما لقرار الوفا. وأنهم يعتبرونه قراره المؤقت، الذي قد يتم إلغاؤه في أي لحظة، حيث تم استقبال التلاميذ من طرف مدرّسين عموميين، لم يلتحق بعضهم بعدُ بمقرات عملهم داخل الثانويات العمومية. وأكد العديد من أصحاب هذه المؤسسات أن عدم الالتزام بالقرار الوزاريّ لا يدخل في إطار عدم احترامه أو في تحدٍّ له. ولكنّ واقع هذه المؤسسات يرغمها على التجاوزات أو الإغلاق، موضحين أن قلة قليلة من المؤسسات الخصوصية في التعليم الثانوي الإعدادي والتأهيلي يمكنها تدبير مواردها البشرية في إطار مدونة الشغل، مبرزين أن واقع فئة كبيرة من العاملين في القطاع الخاص يعانون من الأجور الهزيلة ومن غياب التأمين الصحي والضمان الاجتماعي ومن عدم احترام مشغليهم -الذين هم في غالبيتهم مستثمرون لا علاقة لهم بالتربية والتكوين- لساعات العمل القانونية، إضافة إلى أن بعضهم يعملون بدون عقود عمل ومُهدَّدون بالطرد في كل وقت.. وإذا كان الآباء يُحبّذون تعليم أطفالهم في التعليمين الأولي والابتدائي الخصوصي، فإن معظمهم يكونون مدفوعين إلى هذا الاختيار الصعب وغالي الثمن، إما من أجل أن يستوعب أطفالهم اللغات الحية أو خوفا من أخطار الاعتداءات والعنف الذي بات يلاحق تلاميذ التعليم العمومي في محيط وداخل المؤسسات التعليمية العمومية. ويرى البعض أن عمل الأطر التربوية داخل المؤسسات الخصوصية ليس عيبا ولا تجاوزا، ولكنْ يجب تقنين هذه العمل وفق شراكات واضحة وألا يؤثر عمل هذه الأطر على عطائها التربوي داخل مؤسسات التعليم العمومي وأن تتم وفق عقود عمل واضحة.. لكنها ترى أن الصحيح والأصح هو أن تبادر تلك المؤسسات إلى تكوين أطر تربوية خاصة بها، بشراكة مع الوزارة الوصية، التي لها إمكانيات توفير الأطر القادرة على التربية والتكوين وتتوفر على المراكز الخاصة بهذه التكوينات. واقترح البعض العودة إلى فكرة أن تكون المراكز الجهوية للتربية والتكوين، المُحدَثة مع بداية الموسم الجاري، فضاءات للتكوين، تتخرج منها أفواجٌ عديدة من الأطر التربوية، التي تعمل مستقبلا إما في القطاع الخاص، بعد خوض امتحانات خاصة، أو البحث عن فرص عمل داخل المؤسسات الخصوصية، على أساس أن يتم وضع حد أدنى للأجور وضمان حقوقهم في القطاع الخاص توازي امتيازات نظرائهم في القطاع العام، وأن يتم التعامل معهم داخل المنظومة التربوية بنفس الثقة، مع إشراكهم في المبادرات والإجراءات التربوية. ويستغرب المتتبعون التجاذبَ الدائر بين الوزارة الوصية وممثلي التعليم الخصوصي كيف أن الوزير يطلق قرارا مؤقتا في وقت لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن يمَكّن هذه المؤسسات الخصوصية من تدبير موارد بشرية بديلة ويُصرّ على عدم التراجع عنه، بينما ينشر موقع وزارته مطبوعا خاصا يضعه رهن إشارة المؤسسات الخصوصية التي ترغب في الحصول على تراخيص عمل لأطر تربوية عمومية في التعليم الخصوصي.. بإرسال لائحة الأطر المعنية ومعلومات عنها عبر البريد الإلكتروني إلى الوزارة. وما يزيد من استغراب المهتمين والفاعلين في قطاع التعليم الصمتُ الذي لازم معظم الهيئات النقابية والحزبية بخصوص هذا الملف، حيث انحصر التفاوض والصراع بين الوزارة وممثلي القطاع الخاص، وظل موضوعَ حديث مختلف وسائل الإعلام، وهو ما اعتبرته مصادر «المساء» حيادا سلبيا باعتبار أن القرار موضوع النقاش كان من الضروري أن تعطى له أهمية كبيرة لأنه يشغل شريحة كبيرة من الآباء والأمهات والمُدرّسين، ويضر مباشرة بمسار تلاميذ القطاع الخاص، كما يؤثر على التعليم العمومي.. فمعظم النقابات التعليمية أصدرت بلاغات عن الدخول المدرسي خالية من أي إشارة إلى هذا القرار. ولم يُعرَف تأويل صمتها: هل هو بمثابة «رضا عن القرار» أم تجنب للدخول في صراع أطرافه متداخلة وذات نفوذ راسخ في مختلف القطاعات والهيئات الحزبية والنقابية.. وهو النفوذ الذي يلمسه الشارع المغربي من خلال السكوت على تجاوزات مجموعة من المؤسسات الخصوصية، والمتمثلة أساسا في تسجيل تلاميذ راسبين أو مطرودين من التعليم العمومي على أساس أنهم ناجحون.. والتحكم في نقط المراقبة، التي من المفروض أن يكون مدرس المادة هو الذي يُحدّدها، وانعدام الملاعب الرياضية والمختبرات العلمية.. وقد سبق لحكومة الشباب الموازية أن دعت، في بداية شهر غشت المنصرم، إلى عدم احتساب نقط المراقبة المستمرة في المعدل العام لنيل شهادة الباكلوريا، بالنظر إلى النقط المرتفعة التي يحصل عليها بعض التلاميذ، وخصوصا في التعليم الخصوصي، والتي تكون غيرَ متوازية مع معدَّلَي الامتحانين الوطني والجهوي وترفع من معدلاتهم العامة. وأعلنت الحكومة تضامنها المطلق مع الطلبة المحتجين في إطار ما أسموه «اتحاد الطلاب لتغيير النظام التعليمي»، والذين سبق أن تظاهروا في شوارع المدن يوم سادس غشت المنصرم.