يؤكد علي شعباني، الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، في هذا الحوار أن نظرة المجتمع المغربي قاسية وما زالت ترتكز على أن انتقال المرض يتم عن طريق الاتصال الجنسي، وأنه قد نجد، أيضا، من «يتشفَّون» في المريض، لأنه « قلّب عْلى المرضْ».. كما نقول بالدارجة، فالعديد من الناس يعتبرون أن الإصابة بالمرض «عقاب إلهيّ» لارتكاب المريض فاحشة وإتيانه عملا يُحرّمه الدين وينبذه المجتمع ويخالف القواعد الأخلاقية التي تبناها. - كيف يمكن تفسير التطور الكبير لداء فقدان المناعة المكتسب (السيدا) في المغرب؟ بداية ينبغي الإشارة إلى عدم توفر إحصائيات مضبوطة لأعداد مرضى السيدا إلى حد الآن، لذا فالتطور الحقيقي لهذا الداء ما يزال مجهولا، فالأرقام المتوفرة هي تقريبية، لأن الواقع ينبئ أن هناك حالات أكثر مما هو مسجَّل في الإحصائيات الرسمية. لكن الأعداد لا تهمّ بقدْر ما تهم الأسباب التي تؤدي إلى تضاعف أعداد المرضى. فمن المعلوم أن هناك ظروفا موضوعية، إذ إن هناك نزعات، يسميها البعض «حداثية»، تشجع الشباب على الاختلاط والممارسات الجنسية دون اتخاذ الاحتياطات اللازمة. ورغم كون الثقافة المغربية محافِظة والمجتمع المغربي محافظا، فإن الأمراض المتنقلة جنسيا كانت معروفة في مجتمعنا، حيث إن المغاربة، بصفة عامة، لا يأخذون حذرهم ولا يحتاطون ولا يتخذون التدابير الوقائية اللازمة في مثل هذه الحالات.. فعادة ما تكون هذه الممارسات سرية، لكونها تحتال على العادات والتقاليد وعلى المجتمع بكامله، لذلك لا تكون لممارِسها الفرصة أو الحافز في اتخاذ الاحتياطات اللازمة. فالعادات والتقاليد المغربية تنبني على الاخفاء والسرية وعلى التهرب من مواجهة الواقع. إذن، فالممارسون يدركون هذه الممارسات غير الشرعية، ويمكن أن تسبب لهم مواجهات مع محيطهم، إما من خلال المتابعات القضائية أو الفضائح في المجتمع. - بماذا تفسر نظرة المجتمع المغربي إلى مرضى السيدا؟ -ينظر المجتمع لهذا المرض نظرة المجتمعات المحافظة. فهناك نوع من الاحتقار والخوف بل وحتى نوع من الإنكار، لذلك فالمجتمع المغربي، أو معظمه، لم ينضج بدرجة كافية لمواجهة داء السيدا. فالجمعيات العاملة في هذا الميدان تحاول نشر التوعية في هذا المضمار باستعمال الوسائل التي تبتعد عن إثارة بعض الأمور الأخلاقية، التي قد تستفز المجتمع، لمراعاة خصوصياته وطبيعته المحافظة.. لذلك، أقول إن ثقافة المجتمع والعادات التي تهيمن على الإنسان المغربي هي التي تجعله يتحفظ، نوعا ما، أو يتهرب من هذا المرض وينكره ولا يريد الحديث عنه، خاصة أنه مرض مميت.. ونحن نعرف أنه في بداية الحديث عن السيدا (وإلى حد الآن في بعض الأوساط) كان المغاربة يتجنّبون معاشرة المريض أو الاقتراب منه أو مشاركته الأكل أو الحديث.. لترَسّخ عدم الاعتياد على مواجهة الأمراض الخطيرة في المجتمع المغربي. إن نظرة المجتمع المغربي ما زالت متركزة على أن انتقال المرض يتم عن طريق الاتصال الجنسي.. وقد نجد، أيضا، من يتشفَّون في المريض، لأنه هو «اللّي قلّبْ عْلى المرضْ»، كما نقول بالدارجة، فالعديد من الناس يعتبرون أن الإصابة بالمرض عقاب إلهي لإتيانِ المريض فاحشة وقيامه بعمل يُحرّمه الدين وينبذه المجتمع، ويخالف القواعد الأخلاقية التي تبناها. - ما هي الوسائل التي يمكن من خلالها دعم المريض بالسيدا ومساعدته على تجاوز الإحساس بالنقص والنبذ؟ من الصعب جعل المصاب بالسيدا يتجاوز معاناته النفسية وإحساسه بالنبذ، فهو يعاني صراعا على جبهتين. فمن جهة، يواجه توتّرات على المستوى النفسي الداخلي لمعاناته مع المرض ومضاعفاته، خصوصا لعلمه أن المرض مميت، فيحس منذ اكتشافه المرضَ أن أيّامه أصبحت معدودة، لذلك يعيش على وقع هذا الهاجس. ومن جهة أخرى، يجابه المريض صراعا مع المجتمع، الذي «ينبذه»، لأنه حامل للفيروس وصار خارج دائرة الإنسان العادي السوي، الذي يمكن أن يشارك في العمل والأنشطة المجتمعية.. لذلك إذا أردنا مساعدة المريض على التغلب على ذلك، يجب أن نعمل على هاتين الواجهتين، بمساعدته على التغلب على هواجسه الداخلية ومعاناته الذاتية وفتح أبواب الآمال أمامه بجعله يحس بالثقة في ما يمكن أن يقوم به في حياته، حتى ولو كانت حالته متقدمة وأيام حياته معدودة.. ومن ثم العمل على الواجهة المجتمعية، حيث يجب توعية المجتمع بأن كل إنسان معرَّض للإصابة بهذا المرض أو بمرض آخر، لذلك لا يجب أن ننبذ المريض، بل أن نأخذ بيده وندعمه، باتباع منهج المصاحبة.. والأهم من ذلك: يجب أن ننشر ثقافة مواجهة الأمراض في المجتمع المغربي، وهي ثقافة غائبة إلى حد الآن.