تجري منذ سنوات اجتماعات برلمانية على المستوى الإفريقي بمشاركة مغربية لبحث سبل تنزيل توصيات البرنامج المشترك للأمم المتحدة حول السيدا. وقد أعدت الهياكل المعنية في الأممالمتحدة بتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي دليلا عمليا موجها إلى المشرّعين (البرلمانيين) حول التشريع وحقوق الإنسان وعلاقتهما بوباء السيدا، ينص على إجراءات ضد الآثار المدمرة للسيدا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، وهو دليل جاء في مقدمته أنه يأتي على قاعدة التوجيهات والواجبات التي تطوق أعناق الدول الأطراف طبقا للالتزامات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، حيث التمس إعلان وينهوك من البرنامج المشترك للأمم المتحدة بالتعاون مع الكتابة العامة للاتحاد البرلماني الدولي إنجاز وتعميم هذا الدليل ليصبح مرجعا لاعتماد النماذج التشريعية المقدمة فيه، وقد نوقشت نسخة أولية من هذا الدليل من لدن فريق عمل يتكون من برلمانيين من 12 بلدا اجتمعوا في فبراير .1999 ويُذَكّر ما يشير إليه الدليل من اعتماد الالتزامات والمعاهدات الدولية بالضغط الدولي الذي مورس على عدة بلدان منها المغرب للاجتهاد في تطبيق التوصيات والإعلانات الدولية في موضوع المرأة، وربط التمويلات والمساعدات الدولية بمدى التقدم ودرجة الاجتهاد في تطبيق ما نصت عليه ملتقيات دولية مثل مؤتمر بيكين، وهو ما يخشى أن يتكرر في بلدنا مع موضوع محاربة السيدا، خصوصا وأن المغرب يعتمد في قسط كبير من سياسته الصحية على التمويلات الدولية، وقد حصل في الأسبوع الماضي على قرض بقيمة مليون أورو لتعزيز بنياته الصحية، وإذا انخرط البرلمانيون المغاربة في ما يرسمه دليل الأممالمتحدة المذكور حول الوقاية من السيدا، وهذا مازال مستبعدا حسب مصادر برلمانية لكنه لن يكون مستحيلا إذا تزايدت الضغوط الدولية فربما سنجد أنفسنا أمام مقترحات قوانين تفرض علينا رغم أنها غريبة عن بيئتنا الثقافية ومرجعيتنا الدينية، خاصة إذا علمنا أنه لتطبيق هذا البرنامج ينص الدليل على أنه يجب استعمال الضغط على الحكومات والإعلام وممثلي الحكومات والتحالفات. دعوة إلى تقنين الدعارة والشذوذ الجنسي يهدف الدليل المذكور حسب ما ينص عليه تقديمه إلى مساعدة البرلمانيين على صياغة وتعديل تشريعات فعالة ومُبَاشَرَة إصلاح تشريعي خاص لمحاربة السيدا، سواء بالنص في القوانين على تجريم التمييز ضد المصابين بالسيدا أو ضد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالسيدا، وكذا بشرعنة حق الأطفال المتمدرسين في تعلم طرق الوقاية من السيدا ليستعملوها فيما بعد، كما يعطي هذا الدليل أمثلة من المقاربات التشريعية النموذجية، ويقدم أيضا إجراءات ملموسة يمكن للمشرع أن يتخذها لحماية حقوق الإنسان وتطوير قطاع الصحة العمومية وتشجيعه في إطار التصدي لهذا الداء، ولا يفتأ الدليل نفسه يُذكر بأنه ثمرة تعاون مطرد بين الاتحاد البرلماني الدولي والبرنامج المشترك للأمم المتحدة لمحاربة السيدا. ويتحدث دليل المشرعين عما سماه الفئات الأكثر عرضة للإصابة، وعَرّفها بكونها تلك الفئات التي مازالت حقوقها الأساسية غير محترمة. ويتأسف الدليل نفسه على أن العلاقات الجنسية الخاصة مثل الدعارة والعلاقات المثلية (الشذوذ الجنسي) تعتبر ممنوعة في عدة بلدان بهدف حماية الأخلاق والآداب العامة، مؤكدا أنه من وجهة نظر الصحة العمومية يمكن إلغاء هذه التشريعات التي تجبر أصحاب هذه السلوكات الجنسية على التستر والسرية، وأنه يمكن بلوغ أهداف الصحة العمومية بشكل أكثر أمانا عبر تقنين تجارة الجنس (الدعارة) بصفتها صناعة تقدم خدمات خاصة، مع فرض احترام الاحتياطات العامة (العوازل الطبية)، ويقدم الدليل مثالا على ما يدعو إليه بما يوجد في حي سوناغاشي في مدينة كلكوتة بالهند. وفي موضع آخر يحث الدليل على ضرورة توزيع العوازل الطبية على السجناء مثل ما يقع في البرازيل. وينص دليل البرنامج المشترك للأمم المتحدة حول السيدا الموجه إلى البرلمانيين على أنه يمكن للتشريع أن يكون مصدر تمييز ضد النساء أو الشباب أو الرجال الذين يرتبطون بعلاقات جنسية مع رجال آخرين، وذلك بعدم حمايتهم من الاعتداءات الجنسية، وكذلك بالنصوص القانونية غير المنصفة في ما يخص ملكية الجسد، أو بعدم الاعتراف بالأزواج المثليين...، ويحث الدليل القائمين على أمر التشريع بالسعي نحو اقتراح نصوص قانونية تحمي المتعاطين للدعارة والشواذ وتكفل لهم الحق في الانتظام في جمعيات تدافع عنهم، إذ جاء فيه ما يلي: في بعض الأحيان تجد المنظمات المدنية، وخصوصا تلك التي تمثل المجموعات الأكثر عرضة للإصابة بالسيدا (المثليون، محترفو صناعة الجنس ومستهلكو المخدرات عن طريق الحقن) تجد هذه المنظمات أن حريتها في التجمع والتنظيم محاصرة من لدن التشريع، حيث تشهر السلطات في مثل هذه الحالات الطبيعة المحرمة والممنوعة لسلوكات هذه المجموعات. ويقول الدليل كذلك إن نصف الأشخاص الحاملين لفيروس السيدا أصيبوا به قبل سن الخامسة والعشرين، ويتوقع برنامج الأممالمتحدة أن يبلغ عدد اليتامى الذين سيخلفهم وباء السيدا سنة 2010 حوالي 40 مليونا، وأرجع أسباب ذلك إلى عدة عوامل منها الفقر والعنف وقلة التأهيل، بالإضافة إلى بعض العادات الاجتماعية التي تنظر إلى العلاقات الجنسية نظرة سيئة. وينتقد الدليل عدم تمكين ممارسي الدعارة من حماية قانونية، مدعيا أن ذلك من شأنه أن يدفعهم إلى السرية، ومن ثم ستكون هناك حالات من السيدا غير مكشوفة وغير معروفة، مما يهدد المجتمع بانتشار هذا الوباء. يا شواذ العالم اتحدوا الدليل الموجه إلى البرلمانيين يطالب صراحة بالسماح لممارسي الدعارة وللشواذ الجنسيين بتكوين جمعيات قانونية تمثلهم وتدافع عن مصالحهم، مضيفا أن استمرار وضعية منع هذه السلوكات الجنسية من شأنه أن يعرض ممارسيها للعقاب وربما لاستعمال تعسفي للقانون في حقهم، وهو ما اعتبره الدليل تمييزا ضدهم، مؤكدا أنه يمكن أن تقف التشريعات التي تحرم العلاقات الجنسية الخاصة بين البالغين القابلين بها مثل الدعارة والشذوذ الجنسي والسحاق وكل العلاقات الجنسية التي تعتبر غير طبيعية اعتمادا على مرجعيات اجتماعية أو أخلاقية، من شأن هذه التشريعات أن تعرقل الجهود المبذولة لمحاربة داء السيدا والوقاية منه. ونوه الدليل على كون العديد من الدول ألغت مثل هذه التشريعات لأنها غير فعالة ومتجاوزة، وضرب مثالا على ذلك بفدرالية روسيا التي تخلت سنة 1992عن قانون يحرم الشذوذ الجنسي تم العمل به أزيد من 70 سنة، كما استشهد في هذا المجال بموقف لمنظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية، والتي اعتبرت أن القوانين التي تمنع العلاقات الجنسية الخاصة بين البالغين الموافقين عليها هي تشريعات تعاكس الحق في حياة خاصة، وقالت المنظمة إن المنع الجنائي للممارسات الجنسية المثلية لا يمكن اعتباره وسيلة معقولة أو إجراء يسير في اتجاه بلوغ هدف الوقاية من انتشار فيروس السيدا، وذلك لأن هذه التشريعات تجبر عددا من الأشخاص على التستر والممارسة في الخفاء، مما يعرض الكثير من الأشخاص للإصابة. ويرى الدليل الذي يراد للبرلمانيين أن يعتمدوا عليه في تشريعاتهم أن بعض الدول ترفض الاعتراف بالممارسات الجنسية المثلية وتعتبرها طابوهات أو تقول إن هذه السلوكات هي ممارسات غربية مستوردة، وهذا رغم الدراسات التي تبين العدد الهام من الرجال الذين لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين. غير أن المنع الجنائي لمثل هذه العلاقات يجبر أصحابها على أن يعيشوا حياة مزدوجة لكي يتمكنوا من إخفاء مثليتهم، وهو ما يزيد من تعقيد مهمة وصولهم إلى برامج تربوية ووقائية في الموضوع، وذلك بسبب تخوف الناشطين في مجال مكافحة السيدا من اتهامهم بالتواطؤ مع أصحاب هذه العلاقات المحرمة وتشجيعهم، في حين أن دورهم ينحصر في تقديم نصائح تساعد هؤلاء المثليين على أن يمارسوا علاقاتهم الجنسية بطرق آمنة ولا تشكل خطرا عليهم وعلى شركائهم. ويزيد الدليل أنه في الدول المصنعة على الخصوص، تم الاستغناء عن التشريعات التي تمنع الرجال من أن تكون لهم علاقات جنسية مع رجال آخرين، لأن التشريعات كانت تشكل عقبة في وجه البرامج التربوية وتدفع إلى السرية أشخاصا مهددين بالإصابة بالسيدا، ووجد في جنوب إفريقيا مثالا يحتذى في العالم الثالث، إذ تم في جوهانسبورغ الاعتراف في الدستور منذ سنة 1996 بحقوق ما سماه الدليل الأقليات الجنسية، وهو يقصد بهذا التعبير الشواذ الجنسيين وممارسي الدعارة. وعن هذا المجال الأخير (الدعارة)، يقول الدليل إن التشريعات الجنائية تعرقل عملية توفير وسائل وتعليم طرق الوقاية من السيدا، كما تعرقل عملية علاج المصابين بهذا الداء، مشيرا إلى أنه من اللائق مراجعة هذه التشريعات في اتجاه عدم تجريم تجارة الجنس، وكذا في اتجاه فرض تقنين صحي وأمني لهذه الظاهرة لحماية محترفيها وزبنائهم، وذلك لأن هذا التجريم حسب الدليل نفسه دائما يكون معززا أحيانا بإجراءات قانونية أخرى مثل تخفيف العقوبة على مغتصبي البغايا، كما أن الحقوق الأساسية لمحترفي الدعارة لا تحترم في العديد من الدول، حيث يتم مثلا إيداعهم ضدا على رغبتهم في مراكز لإعادة الإدماج أو إخضاعهم لبرامج طبية، وفرض الإقامة الإجبارية عليهم والحراسة المشددة على أماكن عملهم وإجبارهم على السكن والعمل في نواحي ومناطق مفروضة لا خيار لهم معها، بالإضافة إلى استحالة تزوجهم... . هل يحمي القانون الدعارة في بلدكم؟ ويلاحظ الدليل الأممي أن أغلب النصوص القانونية التي لها علاقة بالدعارة تستند على مفاهيم أخلاقية تعود إلى القرن التاسع عشر، وهي نصوص لم تستطع القضاء على هذه الظاهرة لأنها تمثل سوقا فيها طلب وعرض، ويوصي بأن التعامل مع الدعارة كخدمة جنسية غير مجرّمة، مثل باقي الخدمات، من شأنه أن يتيح فرصا كبيرة ويبعث الأمل في بلوغ أهداف الصحة العمومية في هذا المجال، ومن أجل بلوغ وقاية فعالة ضد السيدا يضيف الدليل فإنه يجب إلغاء الخوف من العقوبة لدى العاملين في تجارة الجنس، وهكذا سيتم خلق مناخ أكثر تشجيعا لتداول المعلومات حول الظاهرة، وسيسهل على محترفي تجارة الجنس السعي وراء التوعية الصحية والممارسة السليمة من الأخطار، كما سيسهل على المربين الصحيين العاملين في مجال محاربة السيدا الالتقاء بمحترفي تجارة الجنس لأن هؤلاء سيصبحون غير محرجين وستخف عليهم النظرة السيئة من المجتمع. ويتبنى الدليل الدعوة إلى تشريع خاص حول شروط الممارسة الجنسية عند البغايا (مثلا توفير دليل عملي) كما يجب أن يفرض على مسيري دور الدعارة توفير العوازل الطبية مجانا ووسائل الوقاية الطبية والصحة الجنسية، مؤكدا أنه يجب اعتبار محترفي الدعارة موظفين وليسوا مستثمرين مستقلين، مما سيمكنهم من الحصول على التعويضات العائلية والاجتماعية المناسبة مثل العطل ورخص المرض والتقاعد والتأمين على حوادث الشغل، وبالمقابل تفرض عليهم ضرائب. ويضع الدليل عددا من الأسئلة الموجهة والمساعدة التي من شأن الإجابة عليها أن تقود النواب العاملين به إلى تشخيص الحالة التي توجد عليها تشريعات بلدانهم ومدى حاجتها إلى التعديل، ومن بين هذه الأسئلة مثلا: هل يسمح القانون (في بلدكم) بتنظيم برامج لتبادل الإبر والحقن (في إشارة إلى حقن المخدرات)؟ هل يسمح القانون (في بلدكم) بالعلاقات الجنسية التالية عندما يمارسها بشكل خاص أشخاص بالغون وبموافقتهم: العلاقات الجنسية المثلية الدعارة تجارة الجنس في الشارع تجارة الجنس في بيت معد لذلك؟ هل يحمي القانون (في بلدكم) محترفي الجنس بمن فيهم الأطفال من العلاقات المفروضة والتهريب؟ هل تهدف هذه الحماية إلى انتشال محترفي الصناعة الجنسية ومساعدتهم عوض تجريم سلوكهم؟ حرب على الزواج المبكر والختان وتغسيل الموتى ومن جهة أخرى يعتبر دليل الأممالمتحدة والاتحاد البرلماني الدولي الزواج المبكر أحد الأسباب التي يمكن أن تساهم في انتشار السيدا، ودعا إلى سن تشريعات تحد من هذا الزواج، كما أكد على ضرورة منع ما سماه التشويهات الجنسية، في إشارة إلى عملية الختان التي تعتبر سنة في الشريعة الإسلامية، مدعيا أنها بدورها قد تساهم في الإصابة بداء فقدان المناعة المكتسبة، ومن أغرب ما يراه الدليل من الأسباب التي قد تؤدي إلى انتشار السيدا سنة تغسيل الموتى التي كرم بها الله تعالى المسلمين، وكذلك تعدد الزوجات، باعتبار أن هذا النوع من الزواج يسمح للرجل بممارسة الجنس مع أكثر من شريك جنسي واحد، مما يزيد من فرص الإصابة بالسيدا. ويؤكد الدليل أيضا أنه على الدولة أن تقوم بمعية المجتمع وعبره لخلق محيط يضمن حقوق المجموعات التي يعتبرها الدليل هي الأكثر عرضة للسيدا، وهي النساء والأطفال وممارسو الدعارة والشواذ الجنسيون، وينادي بحماية قانونية لهذه المجموعات، مضيفا أن القوانين لا تكفي، بل يجب إعطاء مصداقية لها عبر سلوكات ومواقف عمومية لشخصيات بارزة، وعبر حملات إعلامية ممولة من السلطات العمومية.