سواء كنت مسلما أو مسيحيا أو من أتباع أي دين، فمن حقك أن تمارس شعائر دينك، ويجب أن يحترم الآخرون عقيدتك الدينية، فلا يسخر أحد من معتقداتك أو يحقرها. من حق المسلمين، إذن، أن يغضبوا عندما يشاهدون فيلما ركيكا ورديئا يقدم نبي المسلمين بصورة سيئة وكاذبة ومستفزة؛ كان المسلمون على حق أيضا عندما غضبوا من الرسوم المسيئة إلى النبي التي نشرت في الدنمارك من سنوات؛ وكانوا أيضا على حق عندما غضبوا من فيلم «فتنة» الذي أنتجه المتعصب الهولندي خيرت فيلدرز عام 2006 ليسيء إلى الدين الإسلامي ويعتبره أصل الإرهاب في العالم. في كل هذه الوقائع كان المسلمون على حق في غضبهم، وكانت أمامهم معركة مشروعة من أجل إقناع الرأي العام في العالم بأن من حقهم كبشر أن يتمتعوا باحترام كامل لمقدساتهم الدينية. لكن للأسف، فإن المسلمين في كل هذه المعارك خسروا حقهم وساهموا بأنفسهم في تشويه صورة الإسلام والمسلمين. السبب أنهم تركوا العنان لمشاعر الغضب وفاتتهم الحقائق التالية: طبيعة حرية التعبير
الناس في المجتمعات الغربية تخلوا منذ عقود عن فكرة قداسة الدين، وبالتالي هم يعتبرون نقد الأديان مباحا من باب حرية التعبير. أمام كل فيلم يسيء إلى الإسلام في الغرب هناك عشرة أفلام تسيء إلى المسيحية يتم إنتاجها وعرضها، ويغضب المتدينون المسيحيون ويدعون إلى مقاطعتها ويرفعون القضايا من أجل إيقاف عرضها، وغالبا ما يفشلون في ذلك. وفي الغرب ملحدون يتحدثون في وسائل الإعلام فيصفون السيد المسيح بأنه وَهْم، ويهزؤون من فكرة أن يكون الله قد أرسل أنبياء أساسا، ويهاجمون الكنيسة بضراوة باعتبارها مؤسسة رأسمالية فاسدة. يحدث كل ذلك هناك فلا يستوقف أحدا ولا يغضب أحدا لأن كل إنسان من حقه أن يعتقد ما يشاء في حدود القانون الذي لا يجرم نقد الأديان وإنما يجرم التحريض على الكراهية.. لا عقوبة في الغرب لمن يكفر بالدين أو ينكر الأنبياء، لكن العقوبة تقع على من يحرض الناس على كراهية أتباع دين معين؛ وهذه التهمة لا بد من إثباتها أمام المحاكم... ولو أن المسلمين أدركوا طبيعة المجتمع الغربي لكانوا استفادوا من حرية التعبير في الغرب وأنتجوا أفلاما جيدة تقدم حقيقة الإسلام إلى الجمهور الغربي الذي يتوق إلى المعرفة؛ ولو أن المسلمين فهموا طبيعة الغرب لخاضوا معركة قانونية ولجؤوا إلى أكبر المحامين هناك لمقاضاة صانعي الأفلام المسيئة إلى الإسلام لأنها تحرض على احتقار المسلمين وكراهيتهم، إذ تصورهم باعتبارهم همجا متوحشين يسفكون الدماء على أهون سبب. لكن المسلمين لم يفعلوا ذلك واستسلموا إلى الغضب بلا تفكير، مما دفعهم إلى تصرفات خاطئة، وأحيانا إلى جرائم أكدت، للأسف، الصورة السلبية التي تريد الأفلام المسيئة إلصاقها بالمسلمين. كيف نقنع العالم بأن الفيلم المسيء إلى الرسول كذب وافتراء، وقد قام المسلمون في ليبيا بقتل أربعة دبلوماسيين أمريكيين، بينهم السفير الأمريكي الذي نشرت وكالات الأنباء صورة جثته والصبية الليبيون يسحلونها ويعبثون بها؟! هل من الإسلام أن نقتل رجالا أبرياء كانوا يمثلون بلادهم في ليبيا ولا علاقة لهم، من قريب أو بعيد، بالفيلم الذي أثار غضبنا. طبيعة السلطة في الغرب نعيش نحن العرب في مجتمع الاستبداد، حيث يستطيع صاحب السلطة أن يفعل ما يشاء. إذا تشاجرت في مصر مع بواب منزلك فسوف تتصل بأحد معارفك من الضباط لكي يتولى تأديبه، وإذا تشاجرت مع الضابط فسوف تبحث عمن يعرف مدير الأمن ليؤدب الضابط. أما رئيس الجمهورية أو الملك أو شيخ الإمارة فله السلطة كاملة غير منقوصة، يستطيع أن يغلق القنوات التلفزيونية والصحف ويلقى بالمواطنين في السجون ويلفق لهم ما شاء من التهم. في ظل هذه السلطة المطلقة، يكون كل ما يبث في وسائل الإعلام أو ينتج في السينما بالتأكيد من مسؤولية الحاكم لأنه لو لم يكن راضيا عنه لأوقفه. عندما تشن وسيلة إعلامية عربية حملة ضد المسؤولين في بلد عربي آخر، فإن المسؤولين المتضررين عادة ما يشتكون إلى حاكم البلد الذي يهاجمهم الإعلام فيه، عندئذ يستطيع الحاكم أن يوقف الحملة ضدهم بإشارة من إصبعه وربما (إذا أراد إكرامهم) يأمر بإغلاق القناة أو الصحيفة التي تطاولت عليهم.. للأسف، فإن مسلمين كثيرين يعتقدون أن المجتمع الغربي يسير على طريقتنا، وبالتالي فهم يحملون الحكومات الغربية مسؤولية كل ما ينتج من أفلام ويكتب من مقالات في الغرب. هذا التصور الساذج عن النظام السياسي الغربي يدفع الكثيرين إلى تصرفات خاطئة. المجتمع الغربي ديمقراطي، وبالتالي فإن كل مسؤول في الدولة له سلطات محددة لا يمكن أن يتخطاها وإلا تم عزله من منصبه وحوكم. رئيس الجمهورية في الغرب لا يملك أن يتدخل في محتوى ما ينشر في وسائل الإعلام، وهو لا يستطيع أن يغلق جريدة أو قناة تلفزيونية وإنما الصحافة هي التي تستطيع عزل الرئيس إذا أقنعت الناخبين بأنه لا يصلح لمنصبه. لا تستطيع أي حكومة غربية أن تمنع عرض أي فيلم وإلا تعرضت لفضيحة سياسية قد تؤدى إلى سقوطها. هذه حقيقة لا يدركها مسلمون كثيرون، وبالتالي يقتحمون السفارات الغربية ويحرقونها ويقتلون الدبلوماسيين الأبرياء ظنا منهم أنهم بذلك يضغطون على الحكومات لكي توقف عرض الفيلم المسيء إلى الإسلام. تكون النتيجة أن تتأكد الصورة السلبية عن المسلمين باعتبارهم همجا وإرهابيين. ازدواج المعايير لا يمكن أن ننادي باحترام المبادئ بينما نحن أول من يخالفها. عندما يصدر فيلم يسيء إلى الإسلام أو يتعرض المسلمون في الغرب إلى تمييز ضدهم، فنحن نغضب هنا وننادي باحترام حق المسلمين في الغرب في ممارسة دينهم.. لكننا في بلادنا العربية، للأسف، لا نحترم حقوق مواطنينا الذين ينتمون إلى أديان مختلفة. هل من حق الحكومة السعودية أن تعترض على منع النقاب في فرنسا وتنادي باحترام الأقليات بينما هي تضطهد الشيعة في بلادها وقد أرسلت قواتها لتقتل المواطنين الشيعة في البحرين لمجرد أنهم تظاهروا وطالبوا حقوقهم..؟ هل من حق السلفيين المصريين أن يطالبوا باحترام حقوق المسلمين في الغرب بينما هم في بلادهم يعتبرون الأقباط مواطنين من الدرجة الثانية لا يجوز لهم تولي رئاسة الجمهورية ولا قيادة الجيش ويعتبرون البهائيين كفارا مرتدين تجب استتابتهم، فإن لم يتوبوا وجب قتلهم...؟ في مصر الآن مواطن حوكم وألقى به في السجن لمجرد أنه شيعي.. في مصر ترفض الدولة أن تعترف بحق المواطنين البهائيين في تسجيل ديانتهم. كم مرة اعتدى المتطرفون المسلمون على الأقباط لأنهم أرادوا بناء كنيسة..؟! كم مرة خرج مشايخ متطرفون ليحقروا من عقيدة الأقباط ويعتبروهم كفارا لا يجوز الترحم على موتاهم وحرام على المسلمين تهنئتهم بأعيادهم..؟! في مصر تهمة اسمها «ازدراء الأديان» لا تطبق إلا على من يتطاول على الإسلام، أما الذين يطعنون في عقائد الأقباط أو الشيعة أو البهائيين فهؤلاء آمنون لا تتم محاسبتهم أبدا.. منذ أيام وضع شاب مصري قبطي اسمه «ألبير صابر» الفيلم المسيء إلى الرسول على صفحته الشخصية في موقع «فيس بوك» فتجمع أهالي المنطقة التي يسكن فيها لكي يقتحموا بيته ويعتدوا عليه، وعندما استغاثت والدته برجال الشرطة جاؤوا، وبدلا من أن يحموا المواطن ألبير من الاعتداء قبضوا عليه وقدموه للمحاكمة بتهمة ازدراء الأديان، وأوعز الضابط إلى السجناء فظلوا يضربون ألبير حتى أصيب بجرح قطعي خطير في عنقه.. ما الجريمة التي ارتكبها ألبير صابر؟! أنه تفرج على الفيلم المسيء ووضعه على صفحته الشخصية؟ ملايين المصريين شاهدوا الفيلم المسيء وتناقلوه على «فيس بوك» فلم يقبض عليهم أحد بل إن الشيخ خالد عبد الله أول من عرض هذا الفيلم في قناة «الناس» على ملايين المتفرجين.. لكن ألبير قبطي يجوز التنكيل به على أهون سبب، أما الشيخ خالد عبد الله فهو شيخ إسلامي له أن يفعل ما يشاء بغير حساب. هل هذا هو العدل الذي يأمرنا به الإسلام..؟ لقد خرجت المظاهرات في مصر احتجاجا على الفيلم المسيء إلى الرسول فاشترك فيها الأقباط والمسلمون، كما أصدرت الكنيسة المصرية والجمعيات القبطية بيانات إدانة للفيلم، في إشارة رائعة إلى توحد المصريين دفاعا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن ماذا فعل المتطرفون..؟ حملوا لافتات تحقر من الأقباط وتصفهم ب»عبدة الصليب»، وقال الشيخ وجدي غنيم إن القساوسة شواذ ووصف أقباط المهجر جميعا بأنهم «مومسات»..؟! هل هذا هو السلوك الإسلامي الذي نقدمه إلى العالم...؟! أحد المشايخ اسمه أبو إسلام قام بحرق الإنجيل وتمزيقه علنا أمام الكاميرات، وقال إنه في المرة القادمة سوف يتبول عليه.. هل يحق لنا بعد ذلك أن نطالب باحترام مقدساتنا إذا كنا نفعل ذلك بمقدسات الآخرين الدينية؟.. في النهاية، فإن معركتنا لوقف الإساءة إلى الإسلام مشروعة، نستطيع أن نكسبها إذا اتبعنا الوسائل الآتية: 1 - يجب أن يعطي المسلمون نموذجا حضاريا (يحض عليه الإسلام فعلا) في احترام عقيدة الآخرين وحقوقهم. يجب أن نمنح المواطنين في بلادنا حرية الاعتقاد فيؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر ويختار كل مواطن الدين الذي يشاء وتظل الدولة، في كل الأحوال، ضامنة وراعية لحقوق المواطنين جميعا بغض النظر عن أديانهم. عندما نحترم نحن مقدسات الآخرين الدينية سيكون من حقنا الدفاع عن مقدساتنا وسيقنع موقفنا الأخلاقي المتماسك الرأي العام في العالم لكي ينضم إلينا في منع الإساءة إلى الإسلام؛ 2 - يجب أن نقدم إلى الرأي العام الغربي حقيقة الإسلام. الأموال العربية التي تتراكم من عائد النفط أتمنى أن نوجه جزءا يسيرا منها من أجل إنتاج أفلام عالمية تقدم حقيقة الرسول، صلى الله عليه وسلم، حتى يعرف العالم الجوهر الإنساني للإسلام؛ 3 - يجب أن نكشف بالضبط من يقف وراء إنتاج الأفلام المسيئة إلى الإسلام ونستعين بالجالية المسلمة في الغرب من أجل مقاطعة منتجات أي شركة أو مؤسسة تمول الأفلام المسيئة؛ 4 - يجب أن نلجأ إلى مكاتب قانونية متخصصة في الغرب لمقاضاة صانعي الأفلام المسيئة إلى الإسلام لأنهم ارتكبوا جريمة التحريض على كراهية المسلمين التي تجرمها القوانين الغربية جميعا. مهما بلغ بنا الغضب يجب أن ندافع عن النبي بطريقة متحضرة وعاقلة تعكس حضارة الإسلام التي علّمت الدنيا التسامح والعدل والحرية. الديمقراطية هي الحل.