سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الحسابات الأمريكية.. تسويق النموذج التركي و«شيطنة» النموذج الإيراني بينما كانت أمريكا تسعى إلى إنجاح «مشروعها الديمقراطي» في العالم العربي فتحت قنوات للحوار مع الإسلاميين
أثار وصول الإسلاميين إلى السلطة في عدة مناطق من العالم العربي، بعد ما سمي الربيع العربي، ويثير أسئلة عدة حول قضايا السلطة والحكم والمسألة الدينية والتعددية داخل الحقل الإسلامي نفسه. الكتاب الذي تنشره «المساء» على حلقات يفتح ملف الإسلاميين بين الدين والسلطة ويحاول تقديم إجابات عن العديد من الأسئلة التي طرحها الإسلاميون منذ ظهورهم إلى اليوم: كيف تعامل الإسلاميون مع قضية الخلافة؟ وكيف تم الانتقال من التنظير للخلافة إلى التنظير للدولة الوطنية؟ ولماذا تأخر الاعتراف بالديمقراطية كثيرا لصالح الشورى؟ وما علاقة ممارسة الحكم بالنص؟ وهل يشكل وصول الإسلاميين إلى السلطة نهاية الرحلة أم مجرد بداية لتفجير قضايا جديدة؟.. بعد تفجيرات 11 شتنبر 2001، أدركت الولاياتالمتحدةالأمريكية والغرب أن الإسلام أصبح يسعى إلى أن يكون لاعبا رئيسيا في الساحة الدولية. ورغم أن العملية الإرهابية أدينت من قِبل العالم كله تقريبا، فإنها مع ذلك كانت مؤشرا على أن هناك شيئا ما يحدث في العالم العربي والإسلامي بسبب حالة الاختناق الشاملة التي يعيشها المواطن الذي لم يتذوق طعمَ المواطنة. وكان من نتيجة ذلك أنّ الولاياتالمتحدة اهتدت إلى وضع خطة لنشر الديمقراطية في العالم العربي من أجل التقليل من حالة الاختناق تلك، بعدما أصبحت تؤثر على مصالحها هي، متجاوزة حدود الدولة العربية، حيث تنتشر تلك الحالة. وجاءت مبادرة الشراكة الشرق أوسطية -الأمريكية التي تحدث عنها وزير الخارجية الأمريكي آنذاك كولن باول في دجنبر 2002، ورصد لها مبلغ 29 مليون دولار كدفعة أولى، ثم توالت المشاريع والمؤتمرات الأمريكية ذ، التي كان من بينها مؤتمر الرباط، تحت اسم «منتدى المستقبل»، في دجنبر 2004، الذي حضره كولن باول. غير أن هذا المشروع الأمريكي لم يحقق أي تقدم ملحوظ، بسبب رفض الأنظمة العربية له، فقد بدأت بعض الدول تبدي تبرّما من الخطط الأمريكية لنشر الديمقراطية، معتبرة أنها تمثل تدخلا في شؤونها الخاصة، ووظفت بعض الأنظمة لوبياتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية من أجل إفشال الخطط الأمريكية، مثل المملكة العربية السعودية، بينما لجأ نظام حسني مبارك في مصر إلى لعبة الابتزاز في الصراع الفلسطيني -الإسرائيلي لدفع الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن تلك المخططات، ووقع، نتيجة مناورات هذين النظامين النافذين في العالم العربي، شبهُ إجماع بين الدول العربية على رفض التعامل مع اقتراحات واشنطن، رغم أن هذه الأخيرة حاولت التلويح بوقف المساعدات الموجهة لبعض الدول العربية كوسيلة لحثّ أنظمتها على تغيير أساليب الحكم، كما أظهر ذلك مشروع أعدته الإدارة الأمريكية عام 2008 عن الشرق الأوسط الجديد، الذي أشرف عليه بوب بلاكويل، مساعد كوندوليزا رايس، مستشارة الرئيس الأمريكي السابق في شؤون الأمن القومي. وقد كان واضحا أن الأنظمة العربية انخرطت كلية في خدمة الأجندة الأمريكية حول محاربة الإرهاب منذ 2001، بل فتحت بعض الأنظمة سجونها لإيواء معتقلي المخابرات الأمريكية أو تعذيبهم، إلى درجة أنها غامرت باستقرارها ثمنا لهذا التعاون غير المشروط، مما أدى إلى حصول تفجيرات إرهابية فوق أراضيها كرد فعل انتقامي من التيارات الدينية المتشددة. وقد كان هذا التعاون مقصودا به إرضاء الإدارة الأمريكية مقابل عدم الضغط على هذه الأنظمة لإدخال جرعات من الديمقراطية فيها، أي أن الانخراط الكامل في الإستراتيجية الأمريكية ضد الإرهاب كان مقابل السكوت عن الاستبداد. وفي الوقت الذي كانت الإدارة الأمريكية تعمل على إنجاح مشروعها الديمقراطي في العالم العربي، وفق مقاساتها بالطبع، كانت تفتح قنوات -سرية أو علنية للحوار مع الإسلاميين، محاولة إقناعهم بأن واشنطن ليست حاجزا أمام وصول الحركات الإسلامية إلى السلطة، شرط أن تعلن قبولها الديمقراطية والتعددية وتداول السلطة وحقوق الإنسان (مع شرط خفي وهو القبول بوجود إسرائيل). كان هاجس الولاياتالمتحدة لدى انفتاحها على الفاعل الإسلامي في العالم العربي هو البحث عن النموذج الذي يمكن تسويقه دوليا وإقناع الحركات الإسلامية به، ولم يكن هذا النموذج غير حزب العدالة والتنمية في تركيا، الذي كان قد وصل إلى الحكم في 2002. وربما لم تكن مصادفة أن يتزامن وصول هذا الحزب إلى السلطة مع وضع المشروع الأمريكي الأول لنشر الديمقراطية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.. وفي تواز مع تسويق النموذج التركي، كانت الآلة الأمريكية تعمل على «شيطنة» إيران في العالم العربي، وتبع ذلك إعادة إحياء الخلافات السنية -الشيعية، خاصة بين إيران ودول الخليج، وخلق اضطرابات في المملكة العربية السعودية، التي أصبح فيها الشيعة، لأول مرة، قادرين على التعبير عن أنفسهم والجهر بمطالبهم.. كما ظهر إلى السطح، بعد الغزو الأمريكي للعراق، الخلاف العرقي بين العرب والفرس والصراع على الخليج العربي، الذي تطلق عليه إيران «الخليج الفارسي».. منذ نجاح الثورة الإسلامية في إيران، في عام 1979، وهي تشكل نموذجا لجميع الحركات الإسلامية في العالم العربي، وربما خارجه أيضا. فقد امتدح الخميني العديد من زعماء الحركات الإسلامية، من بينهم عبد السلام ياسين في المغرب وراشد الغنوشي في تونس، الذي خصص للثورة الإيرانية مقالات كثيرة في ثمانينيات القرن الفائت، ولم يكن من المستغرب أن نجد جميع الكتابات الصادرة عن هذه الحركات، خاصة في المغرب العربي، تعتبر تلك الثورة «نموذجا» لها، بل إن مصطفى بويعلى، الضابط في الجيش الجزائري، قام، في نفس السنة التي نفذ فيها الخميني ثورته ضد الشاه، بإنشاء أول حركة إسلامية مسلحة في الجزائر، كان علي بلحاج -الرجل الثاني في جبهة الإنقاذ عضوا فيها، حسب ما يتبيّن من محاكمته في عام 1987. لكن النموذج الإيراني ليس نموذجا مقبولا بالنسبة إلى واشنطن والغرب، لعدة اعتبارات: فهو أولا انطلق على أساس قطيعة مع الغرب وأمريكا، التي أطلقت عليها الثورة الإيرانية تسمية «الشيطان الأكبر» ويرتكز، ثانيا، على الانقلاب على النظام القائم، ويعتمد، ثالثا، على سلطة العلماء أو رجال الدين خريجي الحوزات، وهذا يُشكّل خطرا على الغرب في حال استنساخه في العالم العربي، لأنه يعني عودة العلماء والفقهاء إلى النفوذ.. والحال أن هذه الطبقة تمت إزاحتها تماما منذ بداية الدولة الوطنية، التي أكملت المشروع الذي بدأه الاستعمار الأجنبي، أي تحييد العلماء ووضع مثقفين ليبراليين مكانهم في الواجهة والقضاء على التعليم الديني تدريجيا ونقل القانون المدني الأوربي بدل الفقه الإسلامي، الذي لم يعد يحكم سوى نطاق الحياة الزوجية وقضايا الأسرة.. رغم الجهود التي بُذلت في مشروع تدوين الفقه في بدايات الاستقلال.