لم تتأخر الإدارة العامة للأمن الوطني في تحريك آلتها الأمنية لمواجهة الانفلات الأمني الذي تعيشه الأحياء الشعبية لمدينة فاس، والتي جعلت العشرات من المواطنين يخرجون في احتجاجات بعد صلاة الجمعة الماضية في مسجد التجمعتي ب«جنان الورد»، أحد أكبر الأحياء الهامشية بالمدينة. وقد باشرت الإدارة العامة للأمن الوطني ، بتنسيق مع الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، وعناصر متخصصة في محاربة الجريمة تابعة لهذه الفرقة، مهامها مساء نفس اليوم، مما أفضى إلى اعتقال العشرات من عتاة المجرمين الذين أصبحوا يروعون المدينة، ويجعلون من مغادرة المنازل في الصباح الباكر أو العودة إليها في وقت متأخر أمرا خطيرا على سلامة المواطنين الذين يكدون من أجل توفير القوت اليومي لأسرهم. وذكرت المصادر بأن عدد الموقوفين في الليلة نفسها من قبل عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بلغ أكثر من 60 مجرما، أغلبهم له باع طويل في عالم الاعتداءات، ويتحرك ومعه أنواع شتى من الأسلحة البيضاء، وإلى جانبهم مساعدون في ارتكاب هذه العمليات. وفي صباح يوم السبت (اليوم الموالي من الحملة) قامت عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتنفيذ عملية مداهمة أطاحت بصاحب وكر غير مرخص للعب القمار. وقالت المصادر إن العملية أسفرت عن إيقاف 13 «قمارا» في هذه الشقة بوسط المدينة، وتبين من خلال التحريات الأولية أن صاحب هذه الشقة «التاريخية» له سوابق في عالم الاتجار في المخدرات، ويبلغ من العمر حوالي 64 سنة. وتقود عناصر ولاية أمن فاس بعض الحملات لمواجهة الجريمة والاعتداءات المتفشية، لكن هذه الحملات تظل قاصرة في نظر ساكنة الأحياء المعنية، ولا تفضي إلى اعتقال رؤوس الإجرام. وسبق لعناصر الشرطة أن قامت في الأسبوع الماضي بحملة في حي عوينات الحجاج الشعبي، لكن الأوضاع سرعان ما عادت إلى سابق عهدها، يقول مواطنون في الحي. كما نظمت الشرطة حملات ضد أوكار القمار، ومقاهي الشيشة، لكن هذه الحملات ظلت محدودة وموسمية. وعادت جل مقاهي الشيشة وأوكار القمار إلى فتح أبوابها بشكل شبه عادي. ويشير المواطنون إلى أن هذه الأماكن تتحول إلى أوكار للدعارة والإجرام واستغلال القاصرات وترويج المخدرات. في الوقفة الاحتجاجية التي نظمت يوم الجمعة أمام المسجد التجمعتي بحي سيدي بوجيدة ردد المتظاهرون بأن حياة المواطن في خطر، وطالبوا بتدخل أمني فعال لمواجهة الجريمة التي لم يعد يسلم منها حتى «أعيان» هذه الأحياء الشعبية. إذ تعرض عون سلطة في الملحقة الإدارية سيدي ابراهيم، وهو برتبة شيخ، لسرقة هاتفه النقال ومبلغ مالي بالقرب من المستشفى الإقليمي الغساني، وفي مقاطعة جنان الورد تعرض مستشار جماعي لاعتداء، وأصيبت سيارته بأضرار بالغة. وسبق للعشرات من المواطنين في الحي الشعبي لابيطا أن توجهوا إلى ولاية الأمن للمطالبة بالتدخل لمواجهة مجرمين يعتدون على المواطنين في واضحة النهار وفي أماكن عمومية لسلبهم ما بحوزتهم من أموال وأمتعة. وقالت المصادر إن الوضع الأمني مرشح للتدهور، في حال تقاعس الشرطة عن مواجهة المجرمين والمنحرفين، وفي حال عدم حزم النيابة العامة في التعامل مع ملفات المتهمين بالوقوف وراء هذه الاعتداءات، خصوصا أن عددا منهم تتم متابعته بعد تقديمه في حالة اعتقال، بالسراح المؤقت، أو يودع السجن لبضعة أشهر ويعود إلى مزاولة «عمله» المفضل. الفرقة الوطنية للشرطة القضائية سبق لها أن أرسلت عناصرها إلى المدينة، مباشرة بعد تولي الرميل الإدارة العامة للأمن الوطني، وباشرت حملات للقضاء على المجرمين، واعتقلت في ظرف لم يتجاوز الشهر ما يقرب من 2000 متهم بارتكاب اعتداءات، منهم عدد كبير من المبحوث عنهم. وتم تقديم المتابعين في حالة اعتقال للمحكمة، لكن الأرقام أظهرت أن ما يقرب من 200 شخص متابع في هذه الملفات تم تحويلهم إلى الاعتقال الاحتياطي بالسجن المحلي عين قادوس. الحملة أعادت أجواء من الهدوء إلى المدينة، لكن الوضع سرعان ما عاد إلى سابق عهده بعد رحيل هذه العناصر عن المدينة، ومغادرة المجرمين مخافر الشرطة.