يحتفل مهرجان مراكش السينمائي الدولي بمرور خمسين سنة على أول فيلم مغربي طويل أنتجه المخرج المغربي العصامي محمد عصفور، وكان الفيلم يحمل عنوان «الابن العاق»، لكن يبدو أن هذا العقوق صفة ملازمة للسينما المغربية، التي مرت خلال هذه الفترة القصيرة من مخاضات كبيرة في محاولة للخروج من دهشة البدايات. هناك اليوم في حصيلة السينما المغربية مئات الأفلام ما بين طويل وقصير، وتحول الإنتاج من فيلم واحد في السنة أو فليمين إلى 15 فيلما في السنة، وبين هذا الرقم وذاك هناك خلل مركب لم تستطع السينما المغربية أو من يقف خلفها أن يبصره، سواء على مستوى فيلموغرافيا المخرج الواحد أو الإنتاج السينمائي المغربي برمته. ولنقل على سبيل التأريخ أنه في سنة 1958، وبفضل عصامية وتمرس محمد عصفور على مختلف المهن السينمائية جراء مشاركاته في الإنتاجات السينمائية الدولية التي حطت الرحال بالمغرب، تمكن محمد عصفور من تحقيق حلمه: أن يقدم للجمهور المغربي الذي يرتاد قاعات السينما الشعبية بالدار البيضاء، أول أفلامه الطويلة «الابن العاق» كأول تجربة خصوصية أنجزها بعد مجموعة من الأفلام القصيرة التي صور من خلالها بسخرية أكبر الأنواع السينمائية. مبادرة سيتم الاحتفاء بها هذه السنة باعتبارها نقطة انطلاق لفيلموغرافيا مغربية بلغت سنتها الخمسين (1958 – 2008)، مع التمييز بين تاريخ السينما المغربية وتاريخ السينما بالمغرب، إذ عرفت البلاد مبكرا تجربة احتضان تصوير الأفلام الدولية وحضورا قويا للعروض السينمائية. إن احتفال الفيلموغرافيا المغربية بذكراها الذهبية هذه السنة يأتي في سياق خاص تطبعه ديناميكية كبيرة تميز مجموع المهن السينمائية، وهو تتويج لمسار طويل من التحري والبحث الأشبه ما يكون بعبور للصحاري، وثمرة نضج مكنها من تملك آليات واستراتيجيات وظفت لخدمة إنتاج سينمائي وطني يتجلى أكثر فأكثر، يتطور بوتيرة منتظمة ويشهد له بالاعتراف والتثمين في كل أرجاء العالم. أنجز عصفور أول أفلامه بغابة سيدي عبد الرحمان، وعرضها في كراج في بوشنتوف، وكان في تلك الفترة واقعا تحت تأثير موجة أفلام طرازان، قبل أن يخرج عمله السينمائي المتكامل «الكنز الجهنمي». تجربة عصفور الجنينية سوف تصقل مع احتكاكه بالعديد من المخرجين الأجانب الذين كانوا يأتون إلى المغرب لتصوير أفلامهم، ومنهم على وجه الخصوص بازوليني. وشحه الملك الراحل الحسن الثاني بوسام، وكان معجبا بموهبته العصامية التي قادته إلى تجريب دهشة الكاميرا.