تتواصل أنشطة الدورة الثامنة للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش و من أبرزها العروض السينمائية التي تدخل في إطار المسابقة الرسمية حيث يكتشف الجمهور مختلف أنواع الأساليب السينمائية من مختلف البلدان و من مختلف المواضيع ، وقد استمتع خلال الأيام الثلاثة الأولى بالبعض منها مثل الفيلم البولوني الجيد « موعد الوفاة « بالأبيض و الأسود و الذي يحكي بالصورة السينمائية و بدون موسيقى تصويرية قصة امرأة عجوزتعيش وحيدة مع كلبتها الوفية و الذكية في منزل عتيق و رحب بضواحي فارسوفيا تسترجع فيه ذكرياتها ، و تقاوم فيه أطماع الطامعين في انتظار مغادرة هذا العالم. الفيلم الدانماركي «فلام و سيترون» المأخوذ عن قصة واقعية تدور أحداثها بكوبنهاغن في عهد الاحتلال النازي (1944) تميز هو أيضا بجودته السينمائية و يتجلى ذلك في عناصر الإثارة الموظفة فيه، و في كيفية تناول الموضوع و التصوير و التشخيص كأنه فيلم وثائقي فعلا. و تميزت أفلام أخرى عن غيرها مثل الفيلم الأرجنتيني «العش الفارغ» و الفيليبيني «100» و الصيني «البئر».و تم يوم أمس في إطار الأنشطة الموازية الاحتفاء بالسينما المغربية في سنها الخمسين بعرض فيلم «الابن العاق» باعتباره هو أول فيلم مغربي تم إنجازه في سنة 1958 من طرف المخرج الراحل محمد عصفور، و باعتباره نقطة انطلاق الفيلموغرافية المغربية التي وصلت الآن حوالي 200 فيلم طويل. لا يمكن التحدث عن ميلاد السينما ببلادنا دون الإشارة إلى الإنجازات السينمائية التي قام بها محمد عصفور في مدينة الدارالبيضاء انطلاقا من بداية الأربعينيات في ظروف صعبة إبان الاستعمار الفرنسي، هذا الرجل العصامي الذي عشق السينما منذ طفولته حينما كان بائعا للصحف بالعاصمة الاقتصادية حيث تمكن بالرغم من الفقر من توفير بعض المال لشراء أول كاميرا في سنة 1941 و هو في الرابعة عشرة من عمره. و استمر بعد ذلك في اقتناء ما يحتاج إليه من مواد و أدوات سينمائية أنجز بواسطتها مجموعة من الأفلام القصيرة التي كان يعرضها في البداية ببعض المقاهي و بأماكن أخرى في أحياء شعبية بالدارالبيضاء، من بينها درب غلف. كان محمد عصفور يقوم بكل المهام في إنجاز أفلامه، أي أنه كان يقوم بالإنتاج و التصوير و الإخراج و التمثيل بمشاركة زوجته أحيانا، فأنجز أفلاما طويلة تفوق مدة عرضها ستين دقيقة مثل الفيلم الروائي «الإبن العاق» الذي عرض لأول مرة بسينما الملكي بالدار البيضاء سنة 1958 و هو من حجم 16 مم، و فيلم «الكنز المرصود» الذي أنجزه في سنة 1970 من حجم 35 مم. كان حبه القوي للسينما و ضعف إمكانياته المادية و تجربته في الميكانيك تدفع به إلى إحداث تغييرات تقنية في بعض آلاته و أجهزته السينمائية ، إذ كان يطورها بإضافة أو حذف بعض التوابع (الأكسسوارات) كي تصبح ملائمة و مستجيبة للوظيفة المتوخاة منها، بل كان يصنع بعض الأدوات بطريقة تقليدية. شارك محمد عصفور كمساعد في العديد من الأفلام الأجنبية التي صورت ببلادنا من أشهرها فيلم «عطيل» للمبدع الأمريكي أورسون ويلز، و قد سبق له في سنة 1987 أن نال وسام العرش من درجة فارس أنعم به عليه الملك المرحوم الحسن الثاني.