دق الملك محمد السادس ناقوس الخطر بشأن واقع التعليم بالمغرب من خلال خطابه الملكي الذي وجهه إلى الشعب المغربي أول أمس الاثنين بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، في تزامن مع عيد الشباب. ودعا الملك حكومة عبد الإله بنكيران إلى التركيز على ضرورة النهوض بالمدرسة العمومية، إلى جانب تأهيل التعليم الخاص، في إطار من التفاعل والتكامل. وتساءل الملك عن مدى قدرة المنظومة التربوية على تكوين الأجيال الصاعدة، وإعدادها للاندماج الكامل في المسار التنموي الديمقراطي للمجتمع، مؤكدا على أن منظومة التعليم موضوعة في صدارة الأسبقيات الوطنية. وأضاف الملك قائلا إن «هذه المنظومة تسائلنا اليوم، إذ لا ينبغي أن تضمن فقط حق الولوج العادل والمنصف، القائم على المساواة، إلى المدرسة والجامعة لجميع أبنائنا. وإنما يتعين أن تخولهم أيضا الحق في الاستفادة من تعليم موفور الجدوى والجاذبية، وملائم للحياة التي تنتظرهم». ودعا الملك إلى إعادة النظر في المقاربة الخاصة بملف التعليم وفي الطرق المتبعة في المدرسة، للانتقال من منطق تربوي يرتكز على المدرس وأدائه، ويقتصر على تلقين المعارف للمتعلمين إلى منطق آخر يقوم على تفاعل هؤلاء المتعلمين، وتنمية قدراتهم الذاتية، وإتاحة الفرص أمامهم في الإبداع والابتكار، فضلا عن تمكينهم من اكتساب المهارات، والتشبع بقواعد التعايش مع الآخرين، في التزام بقيم الحرية والمساواة، واحترام التنوع والاختلاف. وفي تحليله للخطاب الملكي، أكد خالد الصمدي، رئيس المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي، أن الخطاب الملكي أعاد ملف التعليم إلى المربع الأول بعد توقف ميثاق التربوية والتكوين في منتصف التقرير وظهور بوادر فشل البرنامج الاستعجالي، مؤكدا، في تصريح ل»المساء»، أن هذا الخطاب جاء بعدما دق مختلف الفاعلين في المجتمع من جمعيات ونقابات ناقوس الخطر بخصوص واقع التعليم الذي لا يعتبر قضية جزئية، بل يجب أن ينظر إليها بأنها مخطط استراتيجي لا يقل عن 20 سنة كما هو معمول به في مختلف الدول الديمقراطية التي تخطط لملفات لا تتأثر بالتدبير الحكومي ولا بالتمويل ولا بمختلف المحطات. وأكد الصمدي أن تدبير ملف التعليم ينبغي أن يكون بعيد المدى ويكون دور الحكومة هو تدبير الملف وليس اتخاذ قرارات، معبرا عن أسفه من أن المغرب لم يستطع وضع مخطط استراتيجي لقضية التعليم وفصله عن التدبير الحكومي. وأضاف الصمدي أن «المطلوب هو فتح حوار وطني من أجل وضع استراتيجية وطنية حول منظومة التعليم، لأن الملك أول مرة يتحدث عن منظومة في خطابه، وهذا تحول على اعتبار أن المنظومة مرتبطة بمختلف القطاعات ذات الصلة بالمجال التربوي، لأن الملف غير مرتبط بوزارة واحدة، بل يتعين أن تنخرط مختلف السياسات العمومية في استراتيجية المنظومة التربوية. وحول أهم الرسائل التي وجهها الملك إلى الحكومة، أوضح رئيس المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي أنها تتجلى في الإسراع بإخراج المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في صيغته الجديدة من أجل ممارسة مهامه الدستورية ووضع استراتيجية وطنية لإصلاح منظومة التعليم، خاصة يضيف الصمدي، أن لجنة ميثاق التربوية والتكوين لم تكن مؤسسة دستورية وظلت محط توافق وتنزيل متذبذب. ومن بين الرسائل الموجهة إلى الحكومة أيضا، حسب الصمدي، إعادة الاعتبار للمدرسة العمومية، وخاصة ما يتعلق بالتربية على القيم، علما أن مجموعة من المؤسسات لم تعد تتوفر فيها الشروط المناسبة للتعليم، إضافة إلى تأكيد الملك محمد السادس في خطابه على عدم الانشغال بالملفات الجزئية، وهو ما عبر عنه بالقول: «إن الأمر لا يتعلق إذن٬ في سياق الإصلاح المنشود٬ بتغيير البرامج٬ أو إضافة مواد أو حذف أخرى٬ وإنما المطلوب هو التغيير الذي يمس نسق التكوين وأهدافه». ويرى رئيس المنتدى الوطني للتعليم العالي والبحث العلمي أن مراجعة البرامج والمناهج تتطلب رؤية مندمجة بعيدة المدى من أجل النهوض بالقطاع التربوي والتعليمي. من جهة أخرى، شدد الملك محمد السادس على ضرورة بلورة استراتيجية شاملة٬ من شأنها وضع حد لتشتت الخدمات القطاعية المقدمة للشباب٬ باعتماد سياسة تجمع٬ بشكل متناغم ومنسجم٬ مختلف هذه الخدمات. وتطرق الملك إلى أن المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي٬ المنصوص عليه في الدستور الجديد٬ يتعين عليه أن يساهم٬ بعد إنشائه٬ في وضع المحاور الاستراتيجية٬ بمشاركة هؤلاء الشباب٬ لاعتماد سياسة تأخذ بعين الاعتبار تجسيد المواطنة الكاملة للشباب. ووجه الملك رسالة إلى المغاربة المقيمين بالخارج يؤكد فيها أنه سيستمر في نهج سياسة الحفاظ على هويتهم٬ وتوفير الحماية لحقوقهم ومصالحهم٬ خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية بأوروبا، إلى جانب الحرص على التفعيل الكامل لمقتضيات الدستور٬ التي تكفل لهم المشاركة٬ على أوسع نطاق ممكن٬ في بناء مغرب المستقبل٬ والتي سوف تخول لهم الحضور الفاعل في الهيئات المسيرة لمؤسسات جديدة