«المغرب في مراتب متأخرة مقارنة مع دول عربية وإفريقية عديدة».. «تلاميذ المغرب الأقل إحساسا بالأمن في العالم العربي»..»المغرب ضمن الرتب ألأخيرة إلى جانب الجزائر من حيث ضعف المؤهلات الجامعية لأساتذة الرياضيات».. «سجل المغرب إلى جانب اليمن مرتبة جد متقدمة من حيث نسبة الاكتظاظ في القاعات الدراسية» هذه المؤشرات وغيرها حول وضع التعليم بالمغرب بالمقارنة ما باقي الدول العربية، كشف عنها تقريران ل«اليونسكو» للإحصائيات، ولمؤسسة «كارنيجي» الأمريكية حول «البيئة المدرسية مهارات المواطنة». قد تختلف قراءة الخبراء المغاربة للأرقام والمؤشرات ودلالاتها، لكن الكل يجمع على دق ناقوس الخطر، ويؤكد أن جزءا من هذه المؤشرات يفضح الوضع المقلق للتعليم بالمغرب، «التجديد» تستقرأ آراء متخصصين ومهتمين بالشأن التربوي والتعليمي بالمغرب، وملاحظاتهم على المعطيات الواردة في الدراستين. خالد الصمدي،رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية:فانا من الحلول الترقيعية يرى خالد الصمدي رئيس المركز المغربي للدراسات والأبحاث التربوية، أن قراءة قضايا التعليم بالأرقام لا تعكس بصفة دائمة ومستمرة وضعية التعليم في أي البلد، إنما قد تكون مؤشرات قابلة للمزيد من التدقيق، واعتبر الصمدي في تصريح ل"التجديد" أنه "إذا ما قارنا مسألة التدريس بالمغرب مقارنة مع الدول الإفريقية التي تضع المغرب في مراتب متأخرة جدا بالمقارنة مع عدد من الدول الإفريقية، "يجب استحضار كون التمدرس في عدد من الدول الإفريقية مرتبطة بشكل كبير بالمساعدات الدولية، والتقارير المرتبطة بشأنها مرتبطة بالكم أكثر من الكيف"، وشدد المتحدث أنه من المفروض "قراءة أرقام التعليم مع أرقام الصحة والشغل والاقتصاد قراءة شمولية"، ليخلص إلى أن "الأرقام وحدها لا يمكن أن تكون مؤشرا للحكم على المنظومة التربوية"، يضيف قائلا، "لكن نحن لا نقلل من أهمية المؤشرات نقول أنها غير كافية لكنها دالة وتكشف عن واقع حقيقي ويجب أخذها بعين الاعتبار للارتقاء بالمنظومة التعليمية". وتعليقا على الأرقام والمؤشرات الواردة في الدراستين التي نعرضهما في هذا الملف بخصوص وضع التعليم بالمغرب بالمقارنة ما باقي الدول العربية، يقول الصمدي، "معروف أن المغرب بذل مجهودات كبيرة جدا منذ انطلاق الميثاق الوطني للتربية والتكوين خاصة على مستوى تعميم التمدرس والتخفيف من الهدر المدرسي والنسب التي وصلنا لها الآن معقولة وتطورت في شكل متدرج"، إلا أن أنه "على مستوى جودة التكوينات والبنية التحتية والتجهيزات خاصة في العالم القروي الأمر يحتاج إلى مجهودات أكبر، والمطلوب نوع من التوازن على مستوى الأرقام المتعلقة بالالتحاق بالمؤسسات التعليمية وجودة التكوين". أما بخصوص الالتحاق بالتعليم الثانوني، يرى الصمدي أن "المغرب متخلف بالمقارنة مع عدد من الدول العربية الأخرى، إذ تصل النسبة إلى 34.5 بالمائة حسب تقرير اليونسكو، وهذا له عدة أسباب على المستوى الوطني، منها أن المغرب راهن لمدة سنوات طويلة على التمدرس على مستوى التعليم الأساسي -الابتدائي والإعدادي، وكان رهانا كبيرا وبالتالي نلاحظ انخفاض نسبة الهدر المدرسي في نهاية التعليم الابتدائي والإعدادي، لكنها ترتفع بعد ذلك، ثم النقطة الثانية تتمثل في كون التعليم الثانوي لازال متمركزا في الحواضر والمدن الكبرى، والمطلوب مجهودات أكبر لتقريب التعليم الثانوي من البوادي والقرى أو على الأقل من الحواضر شبه القروية"، يقول الصمدي. أما بخصوص الحلول المقترحة من طرف خالد الصمدي، فيقول أن هناك نداءات كثيرة نادت بإرساء عشرية جديدة لإصلاح التعليم، وقال "كفانا من الحلول الترقيعية من برنامج استعجالي وبيداغوجيات، ويبدو لي أن التمويل الضخم للمخطط الاستعجالي كان يكفي لوضع مخطط واقعي لإصلاح التعليم، لابد في تقديري أن نعقد مناظرة وطنية لإصلاح التعليم لكي تضع مخططا جديدا في أفق 2020، وهذا المخطط لا يجب أن ينظر إلى قطاع التعليم كإشكالات جزئية، متعلقة بالأطر الإدارية والتربوية أو المناهج أو التجهيزات، لكن المطلوب مقاربة شمولية. التعليم ليس من مسؤولية قطاع التعليم فقط، آن الأوان لكي تفكر الدولة في إدماج الجماعات المحلية في المجهود الوطني لدعم التمدرس"، بالإضافة إلى "قطاع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الذي يمكنه أن يقوم بدور مهم في هذا المجال، وهنا أتحدث عن قطاع الأوقاف كمورد مهم جدا للمساعدة الدولة في تمويل مشاريع تعليمية مهمة، ودعم البنيات التحتية". وجدد الصمدي أخيرا تأكيده على "الحاجة إلى مناظرة وطنية تجمع مختلف القطاعات الفاعلة والمرتبطة بقطاع التربية والتكوين من أجل وضع ميثاق ثاني في أفق 2020". عبد الإله دحمان،مدير المركز المغربي للأبحاث حول المدرسة: الدراسة لم تأت بجديد في تشخيص الأزمة بداية إن خلاصات هاته الدراسات لم تأت بجديد على مستوى تشخيص الأزمة التربوية بالمغرب، وقياس أداء النظام التربوي ومدى نجاعته وفعالية مكوناته، اذ سبق وأن أكدت تقارير واختبارات وطنية ودولية هذه الخلاصات سواء ما قام به البنك الدولي في تقريره برسم سنة 2008، وكانت الخلاصات المرتبطة بالنظام التربوي بالمغرب لها أكثر من دلالة تصنيفا وترتيبا وهي الوضعية أيضا التي زكاها تقرير المجلس الاعلى الذي صدر سنة 2008 ، كما يمكن أن نذكر بهذا الخصوص بتقرير الخمسينينة الذي شخص اختلالات المنظومة التربوية في خمس عناوين كبرى تمنع النظام التربوي من أداء وظيفته، وأظن أنه على مستوى تشخيص واقع التعليم بالمغرب لم يعد هناك إشكال، حيث الإجماع حول هشاشة مردودية النظام التربوي رغم الإنجازات التي راكمتها جهود الإصلاح لكنها ظلت أسيرة الرؤية الأحادية ولم تنفذ الى جوهر الإشكالات، حيث طغى عليها منطق التجريب والمقاربة التقنية مما أسقط الرؤية والمقاربة في التجزيئ. ولعل الحقائق المتحدث عنها في الدراستين تسائل النظام التربوي، فرغم ما يمكن تسجيله من تقدم نسبي على مستوى المبادئ الأربعة التي لازالت تؤطر المقاربة الإصلاحية خصوصا في مجال تعميم التعليم وتوحيده ومغربته وتعريبه بشكل متفاوت، بحيث لم تخرج مخططات الإصلاح التربوي منذ سنة 1957 إلى سنة 2009 تاريخ اعتماد البرنامج الاستعجالي عن هذه المبادئ، وظلت في صلب النقاش حول إصلاح التعليم بالمغرب. ويمكن أن نؤكد بخصوص هذه الوضعية المأزومة أن دينامية إصلاح التعليم كانت الأسرع والأكثر اطرادا بالمقارنة مع بعض الدول العربية التي استطاعت أن تتجاوز منظومتها التربوية بعض المشاكل الثانوية من قبيل الاكتظاظ وتأهيل المدرسين والمدرسات ونسب التكرار ونسب التسرب.. وغيرها من مظاهر القصور، سيما في ظل تكريس ضعف المردودية الخارجية للنظام التربوي في علاقته بمحيطه (السوسيو اقتصادي). فالتعليم دائما كان على طاولة المساءلة العامة لكن من حيث مخرجات الإصلاحات المعتمدة لم يتم تجاوز الأعطاب البنيوية والهيكلية، مما يجعل المدرسة المغربية بعيدة كل البعد عن بناء النموذج التعليمي الوطني القادر على الفعل في مسارات التنمية. وعموما يمكن التأكيد من أن الخلاصات الواردة في هذه التقارير، وإن كانت من ناحية منهجية المقاربة تقتضي الحذر، لكنها تبقى منسجمة مع الخلاصات المتوصل إليها وطنيا بل ومن جهات رسمية، وهو واقع يفرض على كل المتدخلين في المنظومة التربوية في إطار المسؤولية الجماعية تكثيف الجهود والتشاور من أجل إعادة الاعتبار للمدرسة المغربية. ميلود بلقاضي،أستاذ تحليل الخطاب السياسي بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء ومهتم بالشأن التربوي التعليمي:المطلوب مقاربة للإصلاح ومساءلة فشل التجارب السابقة ● إن المهتم بمنظومة التربية والتعليم بالمغرب لن يفاجئ بنتائج هذه الدراسات، لأن الواقع التعليمي يؤكد نتائجها لأسباب متعددة، منها ما هو تاريخي ومنها ما هو سياسي تدبيري ومنها ما هو بشري. وهنا يجب أن نؤكد حقيقة وهي أن الأزمنة والحكومات والوزراء والأحزاب تتغير، ولكن الواقع التعليمي يبقى ثابتا وإذا تغير فإنه نحو التراجع. ● فيما يخص موضوع عدم إحساس تلاميذ المغرب بالأمن مقارنة بتلاميذ باقي الدول، فهذا لا يمكن مقاربته سوسيولوجيا، حيث أن عدم إحساس التلاميذ المغاربة بالأمن هو جزء من إحساس جل المغاربة بغياب الأمن حيث تفاقمت ظواهر الانحراف والإجرام والعنف وتعاطي المخدرات في المرافق العمومية، وبالتالي فالفضاء التربوي يعكس الفضاء العام الذي يعاني من اختلالات أمنية خطيرة واحتلال المغرب هذه المرتبة في ما يخص إحساس التلاميذ المغاربة بغياب الأمن، هو معطى صحيح يجب على المسؤولين أخذه بعين الاعتبار قبل وقوع انفلاتات أمنية بالفضاءات التربوية. ● إشكالية ضعف المؤهلات الجامعية لأساتذة الرياضيات الذين يدرسون التلاميذ ترتبط بإشكالية أعم، وهي وضعية تلقين العلوم الدقيقة بالمغرب، وعلى رأسها الرياضيات حيث تراجع المغرب في السنوات الأخيرة إلى مراتب متخلفة بالنسبة للطلبة المغاربة في المباريات الدولية بالنسبة للرياضيات، إضافة إلى ضعف المؤهلات الجامعية لأساتذة الرياضيات دون ذكر مسألة تعريب هذه المادة إلى مستوى الباكالوريا وفي الجامعة تدرس بالفرنسية. إن وضعية العلوم الدقيقة بالمغرب عموما، والرياضيات منها على الخصوص في بعدها البشري والمنهجي، في وضعية غير مطمئنة خصوصا وأن المغرب يراهن أن يتحول إلى مغرب المعرفة. ● الوضع عادي بالنسبة لسياسة التعليم بالمغرب، بخصوص نسبة التلاميذ الذين يدرسون في مؤسسات يتوفر مدرسوها على ما بين 76 إلى بالمائة إلى 100 بالمائة من الأساتذة الذين لهم تأهيل مهني في تحسين مهارات التدريس، وهذا ما يدعوا صناع القرار أن يعيدوا النظر جوهريا في العنصر البشري كأساس لتحسين مهارات التدريس. ● لا يختلف اثنان أن توفر البنيات التحتية أصبح من الأساسيات في المنظومة التربوية، وبالنسبة للمغرب، فتقارير المجلس الأعلى للتعليم تؤكد أن من بين المشكلات العويصة التي تواجه المنظومة التربوية هي غياب البنيات التحتية وعدم توفرها بكيفية منصفة بكل مؤسسات المملكة. صحيح أن البرنامج الاستعجالي بذل مجهودات هامة لتأهيل البنيات التحتية وتوفير شروط العمل الأستاذ لكن هذه الجهود لم تظهر بشكل كبير في ظل الهشاشة البنيوية التي تعاني منها جل المؤسسات وغياب المحاسبة. ● إن جل آليات التدريس والتلقين بالمدارس والثانويات والجامعات بالمغرب في كل الأسلاك يهيمن عليها التدريس النظري والتقليداني، بل حتى إجراء الامتحانات ما زالت تتبع الطرق البيزنطية والرومانية المعتمدة على الحفظ وهذه إحدى الاختلالات التي تعاني منها المنظومة التربوية. ● ظاهرة حضور أو غياب التلاميذ تتحكم فيها عدة عوامل، من بينها طريقة التلقين وفقدان الفضاء التربوي آليات الجاذبية والتشويق فجل مناهجها كلاسيكية مملة تشجع على الهروب من الدراسة وليس التشبث بها، وهنا تلعب مسألة الموارد البشرية دورا أساسيا في هذا الوضع. ● ظاهرة الاكتظاظ بالمدارس العمومية بالمغرب هي ظاهرة نسبية وهي معقدة خصوصا في غياب سياسة انتشار استراتيجية للمدارس بالمجال القروي . وما يقال عن الاكتظاظ بالمدارس يقع بالكليات أيضا، خصوصا كليات الحقوق وهذا هو ما يفرغ الإصلاح الجامعي من محتواه الحقيقي حيث انه في الوقت الذي ارتفعت فيه نسبة النجاح في الباكالويا بشكل كبير، تراجع عدد المناصب المالية لأساتذة التعليم العالي دون الحديث عن عبثية المغادرة الطوعية التي مست عدد كبير من الأساتذة الباحثين. وكل هذه المشاكل هي مؤشرات عن فشل سياسة الحكومات المغربية في ميدان التعليم. وهنا نتساءل هل يمكن تحقيق جودة التعليم في ظل ظاهرة الاكتظاظ؟. * احتلال المغرب مراتب متأخرة في التقارير الدولية يفسره أكثر من عامل، ومن أهمها عوامل ضعف القراءة أو أزمة القراءة، فالمغرب معروف دوليا بضعف القراءة، ونادرا ما نرى المواطن يصرف قسطا من ماله على الكتاب وهناك العديد من الأبحاث الميدانية واستطلاعات الرأي تؤكد أزمة وضع القراءة بالمغرب. ونشير بالمناسبة أنه إذا كانت الأمية، إلى حد قريب، تعني عدم إجادة القراءة والكتابة، ثم أصبحت مرادفة لمن لا يتقن إلا لغة واحدة. فإنها أصبحت في الألفية الثالثة تعني من لا يتقن استعمال الحاسوب والولوج إلى الإنترنيت. وهذا ما جعل الفجوة الرقمية تتعمق بين الفئات الاجتماعية والجهات والأسرة الواحدة، وتحكم على فئات عريضة وضمنهم نسبة كبيرة من المتعلمين بالتهميش والإقصاء لعدم توفرهم على مؤهلات تقنية للاستفادة من الثورة وعلى هذا الأساس نقول لصناع القرار بالمغرب، إذا فشلتم في محاربة بناء مغرب دون أمية فكيف ستنجحون في تشييد مغرب المعرفة والاقتصاد؟. ● بصفة عامة، أرقام هذه التقارير هي استمرار لمعطيات تقارير دولية أخرى حول تراجع المنظومة التربوية بالمغرب ونذكر هنا بالتقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس حول التنافسية الشاملة للاقتصاد 2009 – 2010 الذي أكد التراجع الكبير في مجال جودة النظام التربوي بالمغرب، إذ احتل الرتبة 112 من أصل 133 دولة، وكان المغرب احتل في تقرير السنة الماضية الرتبة 100 على مستوى جودة النظام التعليمي. وقد كان تقرير البنك الدولي عن التعليم ببلدان شمال إفريقيا والشرق الأوسط صدر سنة 2009، صنف المغرب في المرتبة 11 من بين 14 دولة متأخرا عن كل الدول العربية، بما في ذلك قطاع غزة الذي يعيش تحت وطأة الحصار والاحتلال. وبالمناسبة نتمنى من حكومة بنكيران محاسبة المسؤولين عن هذا التراجع ونتمنى أيضا من الوزيرين الجديدين في قطاع التعليم أن يمتلكا الجرأة السياسية بقبول هذه المعطيات والعمل على تغييرها عوض الاختباء وراء اتهام معطيات وأرقام هذه التقارير الدولية، وعلى المسؤولين بالقطاع أن يقدموا معطيات موضوعية عن التعليم بكل أسلاكه عوض تقديم معطيات ترضي الوزير، والوزير يقدمها مزيفة لإرضاء رئيس الحكومة ورئيس الحكومة يقدمها مزيفة إلى ملك البلاد. وعليه نقول المطلوب مقاربة الإصلاح التعليمي بالمغرب، ومساءلة فشل التجارب وتحديد المسؤوليات ومقاربة النجاحات المعلنة والاختلالات البنيوية وفق ما تقره التقارير الوطنية «المجلس الأعلى للتعليم»، والتقارير الدولية «اليونسكو والأمم المتحدة والبنك العالمي»، وهذه التقارير والتي أجمعت على تردي أوضاع المنظومة التربوية المغربية وطالبت بتدخلات استعجالية لاستدراك النقائص وتقويم الاختلالات وإيقاف النزيف.