إن الحديث عن الإخفاقات والنكسات التي عرفتها وتعرفها الرياضة المغربية، وكان آخرها المشاركة المُخيبة في الألعاب الأولمبية بلندن، ليدق ناقوس الخطر منبها إلى أن الرياضة الوطنية أصبحت عليلة وتعاني من أمراض مزمنة صعُب تشخيصها، فعند كل إخفاق نسمع مسؤولي الجامعات الملكية للرياضات والوزارة الوصية على الرياضة يرددون: إننا سنشخص أسباب هذا الإخفاق وسنحاسب من يقفون وراء هذه النتائج. ونحن كمتتبعين للشأن الرياضي نتساءل دائما عن آليات هذا التشخيص وعن المعايير المعتمدة في هذا التشخيص، وعن المنهجية التي تتم وفقها قراءة المعطيات المستخلصة للوقوف على الأسباب الحقيقية لهذا الإخفاق، وكيف يتم وضع رؤى مستقبلية كحل إجرائي للخروج بحلول عملية من أزمة النتائج. إن المتأمل للشأن الرياضي سيقف على حقيقة مفادها أن تعامل المسؤولين مع هذه الإخفاقات لا يتجاوز منطق الأرقام والنتائج والأحكام دون الوقوف على ما وراء الأرقام والنتائج. ومن هنا سنميز بين طريقتين في قراءة النتائج الرياضية: النوع الأول ينهج مسلك القراءة التاريخية التي لا تتجاوز منطق الوصف والحكم، أي استعراض الأرقام والنتائج وإصدار الأحكام حولها؛ وأما النوع الثاني فهو منهاج القراءة التاريخانية حسب تعبير المؤرخ المغربي عبد الله العروي، وهي القراءة التي تقف على ما وراء الإنجازات أو الإخفاقات الرياضية؛ فهو يهتم بدراسة أسباب وقوانين الإخفاق والإنجاز معا، وهنا نستحضر تاريخنا الرياضي ليس بهدف جرد الأرقام والألقاب بقدر ما نفعل ذلك من أجل معرفة الظروف والأسباب التي أنتجت هذه الأرقام والألقاب. وإذا عدنا إلى النصوص والمراجع التي تُوثق تاريخنا الرياضي فإننا لن نخرج عن لغة الأرقام والأوصاف دون معرفة أسباب هذا الإخفاق أو ذاك الإنجاز. والمُلاحظ في هذه القراءة أنها قراءة سردية ووصفية ويغيب فيها النهج التحليلي العلمي. من هنا كان لزاما على من يشخص أو يوثق الرياضة الوطنية أن يتسلح بآليات التشخيص والتوثيق العلمي، وعلى رأسها المنهج التحليلي البنيوي، وليس المنهج الفينومينولوجي الظاهراتي الذي يقف على ظاهر الحدث الرياضي دون الغوص في أعماقه، فقد آن الأوان، كي نرتقي برياضتنا، لتشخيصها بالمناهج العلمية الحديثة حتى نتمكن من الوقوف على الظروف والبيئة الحقيقية التي هي بمثابة قوانين تُنتج بشكل حتمي الإخفاقات أو الإنجازات الرياضية، فالتحليل البنيوي ينطلق من ظاهر الحدث ونتيجته للوصول إلى الأسباب والعوامل الذاتية والظرفية المُنتجة له، وهو بذلك يمكِّن الدارس للإخفاق الرياضي من تفكيك وتحليل دقيق لمعطيات هذا الإخفاق بهدف استخلاص الأسباب الحقيقية التي هي بمثابة قوانين تتحكم بشكل حتمي في إنتاج الإخفاق الرياضي، فإن عُدلت هذه القوانين بقوانين الإنجاز الرياضي فستختلف النتائج والأرقام ونكون بذلك قد وضعنا أيدينا على موطن الداء، فإذا سلكنا هذا النهج العلمي في قراءتنا للرياضة المغربية فإننا سنفضي حتما إلى مجموعة من الوقائع نتخطى بها أسباب الإخفاق الرياضي، منها على سبيل المثال لا الحصر: 1 - رؤية وطنية في صناعة المدربين والأطر، وذلك حتى نُساير التطور العلمي في تأهيل المختصين الرياضيين، كل حسب تخصصه؛ 2 - انفتاح رياضتنا الوطنية على تخصصات جديدة أثبتت التجارب دورها الإضافي في صناعة الإنجاز الرياضي، ومنها علم النفس الرياضي وعلم الاجتماع الرياضي وعلم المرافقة الشخصية للرياضيين.. 3 - وضع استراتيجية وطنية في تكوين الناشئة بهدف التنقيب عن المواهب في مختلف الرياضات، ثم متابعتها وفق برامج علمية تحترم الخصائص العمرية لكل فئة على حدة «فئة البراعم، فئة الصغار، فئة الفتيان، فئة الشبان»، بهدف تأهيل الموهبة من مستوى الهواية إلى مستوى الاحتراف؛ 4 - وضع قوانين تحمي مستقبل الرياضيين، ابتداء بعقود اللاعبين والعدائين مرورا بالتغطية الصحية، التقاعد.. ومجمل القول أن الخروج من أزمة النتائج الرياضية لا يكون إلا وفق تشخيص علمي وموضوعي يعتمد بالأساس على آليات تحليلية وبنيوية بُغية الوقوف على حقيقة الإخفاق حتى نتمكن من صياغة رؤية موضوعية تبلورت بالأساس من تشخيص دقيق ومن قراءة تاريخانية لنتائج هذا التشخيص. إن الوقوف على الأرقام والنتائج دون معرفة الشروط الذاتية والموضوعية المُنتجة لهذه الأرقام والنتائج لن يُقدم حلولا علمية للخروج من نكسة الإخفاق إلى فرحة الإنجاز، فالحل قائم ابتداء بقراءة هذه النتائج قراءة تاريخانية حتى نقف على أسباب وقوانين الإخفاق الرياضي بهدف تفاديها أثناء الإعداد للاستحقاقات الرياضية المقبلة. أستاذ باحث