جلالة الملك يصدر عفوه السامي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال    لقطة تلفزيونية تفضح طفلا هرب من المدرسة لحضور مباراة نيوكاسل    بعثة نهضة بركان تصل إلى أنغولا استعداداً لمواجهة لواندا سول    الدار البيضاء.. فتح تحقيق قضائي للاشتباه في تعنيف أم لطفلها القاصر    السجناء يساعدون في مواجهة الحرائق المستعرة في ولاية كاليفورنيا الأميركية    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    خابا يعزز غلة الأهداف في الكويت    وفاة وفقدان 56 مهاجرا سريا ابحرو من سواحل الريف خلال 2024    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    كيوسك السبت | المغرب يستحوذ على خمس واردات إسبانيا من الخضر والفواكه    إحباط عملية تهريب مخدرات عبر "درون" وتوقيف مغربي وجزائري    بطولة ألمانيا.. بايرن ميونيخ يستعيد خدمات نوير    توقعات أحوال الطقس ليوم السبت    الصين: تسجيل 1211 هزة ارتدادية بعد زلزال شيتسانغ    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    حادثة سير خطيرة بطنجة تسفر عن إصابة شابين بجروح بليغة    مأساة غرق بشاطئ مرتيل: وفاة تلميذ ونجاة آخر في ظروف غامضة    عفو ملكي على 1304 أشخاص بمناسبة ذكرى 11 يناير    اطلاق ثلاث خطوط جوية جديدة تربط الصويرة بباريس وليون ونانت ابتداء من أبريل المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    المنتخب المغربي يودع دوري الملوك    تهنئة السيد حميد أبرشان بمناسبة الذكرى ال81 لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    وزير الخارجية الفرنسي "يحذر" الجزائر    إيكال مهمة التحصيل الضريبي للقطاع البنكي: نجاح مرحلي، ولكن بأي ثمن؟    هذا ماقالته الحكومة عن إمكانية إلغاء عيد الأضحى    مدن مغربية تندد بالصمت الدولي والعربي على "الإبادة الجماعية" في غزة    مؤسسة طنجة الكبرى في زيارة دبلوماسية لسفارة جمهورية هنغاريا بالمغرب    المناورات الجزائرية ضد تركيا.. تبون وشنقريحة يلعبان بالنار من الاستفزاز إلى التآمر ضد أنقرة    الملك محمد السادس يهنئ العماد جوزيف عون بمناسبة انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية    اللجان الإدارية المكلفة بمراجعة اللوائح الانتخابية العامة تعقد اجتماعاتها برسم سنة 2025    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    أسعار النفط تتجاوز 80 دولارا إثر تكهنات بفرض عقوبات أميركية على روسيا    الضريبة السنوية على المركبات.. مديرية الضرائب تؤكد مجانية الآداء عبر الإنترنت    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    القِرْد سيِّدُ المَشْهد !    "الأحرار" يشيد بالدبلوماسية الملكية ويؤكد انخراطه في التواصل حول مدونة الأسرة    وفاة صانعة محتوى أثناء ولادة قيصرية    حوار بوتين وترامب.. الكرملين يعلن استعدادا روسيا بدون شروط مسبقة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    "بوحمرون.. بالتلقيح نقدروا نحاربوه".. حملة تحسيسية للحد من انتشار الحصبة    بوحمرون يواصل الزحف في سجون المملكة والحصيلة ترتفع    عصبة الأبطال الافريقية (المجموعة 2 / الجولة 5).. الجيش الملكي من أجل حسم التأهل والرجاء الرياضي للحفاظ على حظوظه    صابرينا أزولاي المديرة السابقة في "قناة فوكس إنترناشيونال" و"كانال+" تؤسس وكالة للتواصل في الصويرة    "جائزة الإعلام العربي" تختار المدير العام لهيسبريس لعضوية مجلس إدارتها    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    السعودية تستعد لموسم حج 2025 في ظل تحديات الحر الشديد    الحكومة البريطانية تتدخل لفرض سقف لأسعار بيع تذاكر الحفلات    مقتل 7 عناصر من تنظيم "داعش" بضربة جوية شمال العراق    اتحاد طنجة يعلن رحيل حارسه بنعاشور    النظام الجزائري يخرق المادة 49 من الدستور ويمنع المؤثر الجزائري بوعلام من دخول البلاد ويعيده الى فرنسا    الكأس الممتازة الاسبانية: ريال مدريد يفوز على مايوركا ويضرب موعدا مع برشلونة في النهائي    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدين والسياسة.. من دعوى الوصل إلى التمييز مكان «الفصل»
لجأ بعض المفكرين والباحثين إلى استعمال مصطلح «التمييز» مخافة السقوط في «العلمانية»
نشر في المساء يوم 19 - 08 - 2012

أثار وصول الإسلاميين إلى السلطة في عدة مناطق من العالم العربي، بعد ما سمي الربيع العربي، ويثير أسئلة عدة حول قضايا السلطة والحكم والمسألة الدينية والتعددية
داخل الحقل الإسلامي نفسه. الكتاب الذي تنشره «المساء» على حلقات يفتح ملف الإسلاميين بين الدين والسلطة ويحاول تقديم إجابات عن العديد من الأسئلة التي طرحها الإسلاميون منذ ظهورهم إلى اليوم: كيف تعامل الإسلاميون مع قضية الخلافة؟ وكيف تم الانتقال من التنظير للخلافة إلى التنظير للدولة الوطنية؟ ولماذا تأخر الاعتراف بالديمقراطية كثيرا لصالح الشورى؟ وما علاقة ممارسة الحكم بالنص؟ وهل يشكل وصول الإسلاميين إلى السلطة نهاية الرحلة أم مجرد بداية لتفجير قضايا جديدة؟.٫
يمكن القول إن مسألة الفصل بين الدين والسياسة، كما نظر لها المصلحون الأوائل بطريقة مخصوصة، قد حيّرت بعض المفكرين والباحثين في الفترة المعاصرة، بعدما أظهرت بعض التجارب الحديثة في الحكم في بعض الدول العربية التي رفعت شعار «الدولة الإسلامية» أو «تطبيق الشريعة» -كما وقع في بعض بلدان الخليج أو في باكستان على عهد ضياء الحق أو السودان على عهد جعفر نميري- مقدار الضرر الذي يمكن أن يلحق الإسلام من جراء ذلك الربط بين الدين والسياسة في ممارستها، إضافة إلى ما ظهر في التجربة الإيرانية بعد ثورة الخميني من مشاكل برزت بسبب تولي رجال الدين الحكم باسم «ولاية الفقيه»، وهو ما جعل الفكر السني يحاول أن يعيد قراءة مسألة الفصل بين السياسة والدين.
غير أنه لم يكن من الممكن القيام بإعادة القراءة هذه من منطلق يشير من قريب إلى أنها متأثرة بالتجربة الغربية في هذا المجال، أي العلمانية، لذلك جرى البحث عن صيغة جديدة لمقاربة الموضوع بما لا يشير إلى ذلك التأثر. وهنا نلاحظ أن الأهمية أعطيت لإبعاد مثل هذا التلميح إلى التجربة الغربية، أكثر مما أعطيت لقراءة الدين الإسلامي نفسه، أي أن «الخوف» من الاقتراب من النموذج العلماني الغربي كان أكثرَ حضورا من «الرغبة» في الاقتراب من النموذج الإسلامي، مع أن لتجربة العلمانية في الغرب خصوصيتها، وكانت ترتبط بالصراع بين الدولة والكنيسة حول الحكم، بمعنى أن الدولة كانت تسعى إلى التخلص من السلطة الدينية للكنيسة ومن أي مشروعية دينية.. بينما نلاحظ في تاريخ الإسلام أن الدولة هي التي كانت تبحث عن التقرب من الدين وتبحث، باستمرار، عن إيجاد المشروعية الدينية.. علاوة على خصوصية الإسلام مقارنة بالمسيحية، ذلك أن الإسلام دين يهمّ حياة الفرد في عبادته وفي حياته العامة، كما أنه ليست فيه سلطة دينية بالمعنى الحصري الذي تعنيه الكنيسة في المسيحية، زد على ذلك أن عالم الدين في الإسلام لا يحتاج إلى مؤسسة تزكّيه لكي يصبح مالكا لتلك الصفة، والنص فيه مفتوح لمن يريد أن يقرأه ويعيد تفسيره.. بينما يحتاج هذا الأمر في المسيحية إلى تزكية الكنيسة، والنص الديني فيها مغلق إلا أمام رجال الدين الذين يتوفرون على هذه التزكية. ولا تبرر مخالفة الرأي السائد في الدين في الإسلام إخراج صاحبه من الملة، بينما هي في المسيحية تدخله في مجال الهرطقة، التي تخرجه عن ديانة المسيح، حسب موقف الكنيسة. أما مصطلح «البدعة» فقد ظل مصطلحا فضفاضا لدى الفقهاء وكان يتم اللجوء إليه في الغالب لمحاربة المواقف المخالفة للسلطة أو للمناخ الثقافي السائد، وكانت كثير من الاجتهادات بدعة في زمانها بسبب رفض السلطة لها أو تصدي العلماء لأصحابها، ثم أصبحت في ما بعدُ أمرا شائعا ومقبولا، وهو مفهوم لا يمكن مقارنته بقضية الهرطقة في المسيحية.
ورغم الوعي بهذه الاختلافات بين الإسلام والمسيحية، فإن أيَّ حديث عن الفصل بين المستوى الديني والمستوى السياسي في الإسلام كان يثير الرهبة بسبب إحالته على التجربة المسيحية في الغرب، وهو ما جعل الكثير من الإسلاميين، سواء القدامى أو المحدثين منهم، يناصبون العلمانية العداء، مستحضرين تجربة المسيحية وليس تجربة الإسلام في التاريخ، ومتوهمين أن العلمانية إذا طُبِّقت في العالم الإسلامي فإنها لا يمكن أن تؤدي إلا إلى مثال شبيه بما وقع في الغرب، علما أنهم لا يفتؤون يُكرّرون الحديث عن خصوصية كل من الإسلام والمسيحية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك أعلاه، مما يُشكّل تناقضا صارخا بين التحليل والاستنتاج.
ولمحاولة الحسم في هذه القضية الشائكة، لكنْ دون السقوط في ما يُتوهم معه التأثر بالعلمانية الغربية، لجأ بعض المفكرين والباحثين إلى استخدام مصطلح «التمييز»، بدل الفصل بين الدين والدولة، أو بين الدين والسياسة. ومن بين هؤلاء محمد عمارة، في كتابه «الدولة الإسلامية بين العلمانية والسلطة الدينية»، فبعد أن قرر أن «الفصل بين الدين والسياسة غير متصور ولا قابل للتحقيق»، خلص إلى القول «ومن هنا فإن الصياغة التي نفضل استخدامها، والتي نراها التعبيرَ الأدقّ عن موقف الإسلام من هذه القضية، هي أن نقول: إن الإسلام ينكر أن تكون طبيعة السلطة السياسية الحاكمة دينية خالصة، أي ينكر «وحدة» السلطتين الدينية والزمنية، ولكنه لا «يفصل» بينهما، وإنما «يميّز» بينهما. فالتمييز، لا الفصل، بين الدين والدولة هو موقف الإسلام».
أما توفيق الشاوي فقد ذهب نفس المذهب، في معرض حديثه عن الشورى في الأمور التي تهُمّ الفقه والتشريع وفي الأمور التي تهمّ الحكم والسلطة، للتمييز بين من تعطيهم الأمة حق تمثيلها في السياسة ومن تعطيهم حق تمثيلها في الاجتهاد. لكنه يستخدم كلمة الفصل بدل التمييز، بين السلطتين الدينية والسياسية، إذ يقول: «إن الفصل بين تطبيق الشورى في مجال الفقه ومجال الحكم يجب أن يراعي أن المبادئ الأصولية التي تحكم الشورى في الحالتين واحدة، وهي المبادئ التي سبق أن ذكرناها، وأهمها الحرية الكاملة للأمة في اختيار من يمثلونها، وحرية من يمثلونها في المناقشة وإبداء الرأي، وعدم تعرضهم لأي ضغط أو إغراء من جانب من يمارسون السلطة، لأنهم يمثلون الأمة ولا يمثلون الحاكم أو الحكومة أو السلطة، فضلا على الامتناع عن الغش والتزوير والرشوة وأساليب الدعاية الغوغائية المضللة».
وفي نفس الاتجاه يسير سعد الدين العثماني، الذي تطرق إلى الموضوع انطلاقا من تمييز الفقهاء بين التصرفات النبوية عندما ميّزوا بين التصرفات ذات الطبيعة الدينية والتصرفات ذات الطبيعة الدنيوية أو السياسية، حيث يقول: «وفي رأينا أن العلاقة الأوفق بين الدين والسياسة في الإسلام ليس هو الفصل القاطع وليس هو الفصل والدمج التامّان، بل هو وصلٌ مع تمييز وتمايز».. وفي الوقت الذي نلاحظ عدم الوضوح الكافي لدى عمارة والشاوي في قضية التمييز، حيث يبقىّ هذا الأخير لديهما نظريا فحسب، نلاحظ أن العثماني يجترح طريقا ثالثا أكثر واقعية، عندما يقرّر أن الممارسة السياسية يجب أن تستصحب القيّم الدينية فيها، إذ يقول «إن تبني التمييز بين الدين والسياسة، لا الفصل التام ولا الوصل إلى حد التماهي، هو الذي سيمنع من التنكر للإنجازات التي حققتها البشرية في الفكر السياسي ويمكّن من الاستفادة من تطوراته ويفسح المجال في نفس الوقت، ليكون الدين معيناَ للقيّم الأخلاقية والفكرية، حيث يتم استصحاب هذه القيّم في الممارسة السياسية استصحابا يثريها بالمعاني الإنسانية السامية، كما يمكن أن يبقى الدين -كما كان باستمرار طيلة تاريخنا القديم والحديث- محفزا للإصلاح السياسي ومعالجة الظواهر السلبية في الحياة الإنسانية».
ورغم الحرص الشديد على استخدام كلمة التمييز بدل الفصل، فإن حيرة الفكر الإسلامي الحديث ظلت قائمة في ما يتعلق بقضية العلاقة بين الدين والسياسة. وقد أشرنا، في بداية هذا القسم، إلى أن إعادة التفكير في هذه القضية نشأت بسبب بعض التجارب الحديثة للدولة المعاصرة، ومنها الدولة الإيرانية مع حكم رجال الدين، أي أن التجربة العملية هي التي أملت إعادة النظر تلك، وهذا معناه أن التجارب العملية الجديدة سوف تسمح بالعديد من الأطروحات في هذا الاتجاه.. فقد لاحظنا أن راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، يُحدث تحولا في تفكيره بالنسبة إلى العلمانية نفسها، فقد أكد في محاضرة له في تونس أن «العلمانية ليست إلحادا، بل ترتيبات إجرائية لضمان الحرية». كما دعا إلى ضرورة التمييز بين الدين والسياسة وعدم الفصل بينهما. ويمثل الغنوشي نموذجا للتحول الذي وقع في فكر الإسلاميين المعاصرين، فقد أفاده استقراره في الغرب بعد فراره من تونس في ثمانينيات من القرن الماضي في إعادة قراءة التجربة الإسلامية، وبعدما كان يحارب العلمانية وهو في تونس أصبح من المدافعين عنها باعتبارها تعني الحرية، إذ صرح مثلا: «من معاني العلمانية حرية العقول والشعوب في الاختيار وتقرير مصائرها، وفي الحياة السياسية معناها الديمقراطية، أي المساواة في إدارة الشؤون العامة وقيام شرعية الحكم على أساس الإرادة الشعبية وحرية التغيير والتعبير والمشاركة والتعددية والتداول على السلطة عن طريق صناديق الاقتراع».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.