ماكرون: فرنسا تدفع لتحريك مواقف أوروبية بشأن قضية الصحراء    يهم الصحافيين.. ملفات ساخنة على طاولة لجنة بطاقة الصحافة المهنية    مؤشر "مازي" يسحل تراجعا بورصة البيضاء    حماس ترفض فكرة وقف مؤقت لإطلاق النار وتؤيد اتفاقا دائما    اعتقال إسرائيليين بتهمة التجسس لإيران    استمرار البحث عن مفقودين في إسبانيا جراء أسوأ فيضانات منذ 50 عامًا    حصيلة مأساوية لفيضانات بلنسية بإسبانيا.. مغربي بين الضحايا حسب المصالح القنصلية    "ماكدونالدز" تواجه أزمة صحية .. شرائح البصل وراء حالات التسمم    فؤاد عبد المومني.. أمام القانون وليس فَوقه    تصدع داخل حزب الحمامة بأكادير إداوتنان.. وأخنوش يسابق الزمن لاحتواء الوضع قبل اتساع رقعة الصراع    مباشرة ‬بعد ‬تجديد ‬الرئيس ‬الفرنسي ‬التأكيد ‬على ‬موقف ‬بلاده ‬الداعم ‬لمغربية ‬الصحراء    مولودية وجدة ينتظر رفع المنع وتأهيل لاعبيه المنتدبين بعد من تسوية ملفاته النزاعية    الرابطة الإسبانية تقرر تأجيل بعض مباريات الدوري المحلي بسبب إعصار "دانا"    الركراكي يعيد أبو خلال إلى عرين الأسود ويستقر مجددا على شهاب كحارس ثالث    شركات متوقفة تنعش حساباتها بفواتير صورية تتجاوز 80 مليار سنتيم    وضع الناشط فؤاد عبد المومني تحت الحراسة النظرية للاشتباه في نشره أخبارا زائفة حسب النيابة العامة    طقس الخميس.. امطار ضعيفة بالريف الغرب وغرب الواجهة المتوسطية    موقع "نارسا" يتعرض للاختراق قبل المؤتمر العالمي الوزاري للسلامة الطرقية بمراكش    اعتقال ومتابعة صناع محتوى بتهمة "التجاهر بما ينافي الحياء"    الطاقة الخضراء: توقيع اتفاقية شراكة بين جامعة شعيب الدكالي وفاعلين من الصين    لبنان.. ميقاتي يتوقع إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار مع إسرائيل في غضون أيام    "فيفا" يعلن عن أول راع لكأس العالم للأندية 2025    محامية ترفض الالتزام بقرار هيئة المحامين بالإضراب المفتوح عن العمل    ألمانيا.. رجل يفر من الشرطة في برلين ويترك حقيبة متفجرات بمحطة قطار    مندوبية التخطيط تسجل انخفاضا طفيفا في أسعار إنتاج الصناعة التحويلية    مانشستر سيتي وتشيلسي يودعان كأس الرابطة الإنجليزية    توقيف شخص بسلا يشتبه تورطه في جريمة قتل    مصرع شاب في حادثة سير بتازة    مزور: المغرب يطمح إلى مضاعفة عدد مناصب الشغل في قطاع صناعة الطيران    نقابيو المختبر العمومي للتجارب والدراسات يضربون    فرنسا والمغرب..بأي حال يعود الود؟ ولماذا يُخرج ماكرون اتفاقية لاسيل-سان- كلو بعد حوالي سبعين عاما؟    منفذو الهجوم الإسرائيلي على إيران يتحدثون للمرة الأولى    دراسة: الفئران الأفريقية تستخدم في مكافحة تهريب الحيوانات    إسرائيل تدعو لإقالة خبيرة أممية اتهمتها بشن حملة "إبادة جماعية" ضد الفلسطينيين    القروض والأصول الاحتياطية ترفعان نسبة نمو الكتلة النقدية بالمغرب إلى 6,7% الشهر المنصرم    لوديي: "مراكش إير شو" أصبح موعدا هاما ومنصة متميزة تساهم في تطور صناعة الطيران في المغرب    وزير: الإنتاج المتوقع للتمور يقدر ب 103 آلاف طن في الموسم الفلاحي 2024-2025    الحدادي يسجل في كأس ملك إسبانيا    الأشعري: التعامل مع اللغة العربية يتسم بالاحتقار والاستخفاف في المغرب    متحف قطر الوطني يعرض "الأزياء النسائية المنحوتة" للمغربي بنشلال    التحكيم يحرم آسفي من ضربة جزاء    الخنوس يهز شباك مانشستر يونايتد    ارتفاع عدد ضحايا فيضانات فالينسيا وإسبانيا تعلن الحداد ل3 أيام    تكريم نعيمة المشرقي والمخرجين الأمريكي شون بين وديفيد كروننبرغ    الممثل المصري مصطفى فهمي يغادر دنيا الناس    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس    مدينة البوغاز تحتضن مهرجان طنجة للفيلم وتكرم المخرج المغربي مومن سميحي    دراسة: اكتشاف جينات جديدة ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالسرطان    المحامية بالجديدة سامية مرخوص تنال شهادة الدكتوراه في القانون باللغة الفرنسية بميزة مشرف جدا    ثمانية ملايين مصاب بالسل في أعلى عدد منذ بدء الرصد العالمي    وفاة الفنان مصطفى فهمي عن عمر يناهز 82 عامًا بعد صراع مع المرض    الإعلان عن تنظيم جائزة طنجة الكبرى للشعراء الشباب ضمن فعاليات الدورة ال12 لمهرجان طنجة الدولي للشعر    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    إطلاق حملة وطنية للمراجعة واستدراك تلقيح الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    وهي جنازة رجل ...    أسماء بنات من القران    نداء للمحسنين للمساهمة في استكمال بناء مسجد ثاغزوت جماعة إحدادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الاقتصاد المغربي بين الأزمة والفساد
نشر في المساء يوم 13 - 08 - 2012

يتوالى في المغرب قصف الأرقام والمعطيات الاقتصادية التي تهدف إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من أزمة اقتصادية تحيط بالمغرب، في أفق الإعلان عن سياسة التقشف والحد من إنفاق الدولة؛ فالحكومة المغربية الحالية أخرجت رأسها من رمال الاستثناء المغربي وشرعت في التهويل والتحذير من انعكاس الأزمة العالمية على المغرب، بعدما كانت الحكومة السابقة تستبعد الأمر وتؤكد على مقولتي
«لن يتأثر المغرب بالأمة العالمية» و«الاستثناء المغربي في كل شيء». غير أن المعطيات التي نتوصل بها هذه الأيام لم تكن كلها في صالح إظهار عجز الدولة عن الإنفاق ومسايرة انتظارات المواطنين، بل ما نستغربه أن المعلومات المتوفرة تفضح واقع التبذير والإسراف الذي تنهجه الحكومة المغربية (علما بأن الحكومة ليست المسؤول الوحيد عن هذا الوضع، وإنما النظام السياسي برمته)؛ فمن جهة، نجد الأرقام التي تحذر من الأزمة؛ ومن جهة ثانية، يستمر مسلسل البذخ والفساد في التطور، خاصة مع لازمة «عفا الله عما سلف» التي يرددها رئيس الحكومة.
أزمة في الأفق
بناء على تصريحات الوزراء المغاربة، فإن المغرب مقبل على أزمة اقتصادية ستخنق المواطن المغربي في جميع المجالات، إذ ارتفع معدل البطالة من 9.2 إلى 9.9 في المائة، حيث فقدت سوق الشغل حوالي 109 آلاف منصب، ولم تعد للحكومة القدرة على خلق المزيد من مناصب الشغل، وهو ما سيعمق من أزمة الشباب المغربي وما يصاحب ذلك من عزوف عن الزواج وانتشار الجريمة وترسيخ عدم الثقة في كل شيء. كما أعلن وزير التربية الوطنية عن فشل المخطط الاستعجالي، وبالتالي فشل ميثاق التربية والتكوين الذي خصصت له العشرية الأولى من القرن ال21، ومن هنا تطل أزمة عدم قدرة التعليم المغربي على تكوين جيل الغد الذي يساعد على تحقيق التنمية البشرية ونقل المغرب من بلد مستورد إلى بلد مصدر للتكنولوجيا وغيرها من متطلبات العصر. ونفس الأمر ينطبق على تصريحات وزير التعليم العالي التي حاول من خلالها نقل التعليم العالي من المجانية إلى دفع المقابل، وهو الأمر الذي لو اعتمد في ظل ظروف ديمقراطية وسياسية مغايرة لكان له الوقع الإيجابي، ولكنه جاء في ظل تفاوت طبقي صارخ وفي ظل ظروف سياسية غير ديمقراطية، كما أنه جاء معاكسا للحظة التاريخية، ففي نفس اليوم الذي أعلن فيه وزير التعليم العالي عن القطع مع المجانية بالنسبة إلى الأغنياء، أعلن رئيس وزراء تركيا عن إعفاء طلبة الجامعة من مصروفات التسجيل.
وبلغ العجز التجاري حوالي 100 مليار درهم خلال 6 أشهر، كما واصلت المالية العمومية عجزها المستمر تحت ثقل النفقات، إذ وصل دين الخزينة إلى 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام؛ وأما احتياطي العملة الصعبة، فقد أكد بنك المغرب في تقريره الأخير أن الأصول الأجنبية الصافية للمغرب تقلصت بنسبة 17.3 في المائة (136 مليار درهم) بالمقارنة مع السنة الماضية، مشددا على أن هذه الأصول، التي تشكل احتياطي المغرب من العملة الصعبة، لم تعد تكفي لتغطية مشتريات المغرب من الواردات والخدمات إلا ل130 يوما، في الوقت الذي كان فيه احتياطي المغرب من هذه الأصول قبل قرابة سنة من الآن يكفي ل177 يوما، وهو ما يعد كارثة بالمقارنة مع الدول المجاورة (تونس 7.32 ملايير دولار). فهذا الوضع المتأزم تسببت فيه مجموعة من العوامل، من قبيل تراجع تحويلات مغاربة المهجر وانحباس قطاع السياحة نظر إلى الأزمة الأوربية والمنافسة الشديدة التي يتعرض لها المغرب في هذا المجال، حيث تراجعت السياحة ب6 في المائة، فضلا عن تقلص الاستثمارات الخارجية، خاصة في ظل ضعف المناخ الديمقراطي والشفافية التي هي متنفس الاستثمار وروحه.
وحسب تقرير وزير المالية، فإن القطاع الفلاحي تراجع نتاجه الخام بناقص 5.5 في المائة بمحصول حبوب لم يتجاوز ال51 مليار قنطار، وهو ما أثر على المستوى المعيشي للمغاربة بشكل عام وعلى سكان البوادي بشكل خاص، بينما يلتهم صندوق المقاصة 50 مليار درهم يذهب الجزء الكبير منها إلى جيوب من لا يستحقونها.
مسلسل الفساد والتبذير
رغم الوضع المأزوم الذي تطرقنا إليه في ما سلف، فإن القائمين على الشأن المغربي لا يبرحون سياساتهم العامة المتسامحة مع التبذير والفساد والتطبيع مع اقتصاد الريع، إذ لم يبادر صانع القرار في المغرب إلى أي إجراء تقشفي يهم مؤسسات الدولة التي لا جدوى منها سوى إهدار المال العام، فلم نسمع عن تخفيض أجور كبار المسؤولين (خفضت الحكومة الإسبانية أجرة الملك بنسبة 7.1 المائة، كما خفض الرئيس الفرنسي من أجرته وأجرة وزراء حكومته بنسبة 30 في المائة، وباع الرئيس التونسي أغلب القصور وخفض أجرته إلى 2000 دينار بنسبة 80 في المائة، واحتفظ الرئيس المصري براتبه كأستاذ جامعي..)، ولم نشهد إلغاء لمجموعة من مؤسسات الدولة أو تقليص عدد أعضائها من قبيل إلغاء مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي وتقليص أعضاء مجلس النواب والمجلس الأعلى للحسابات وتخفيض عدد الوزراء وعدم إثقال الدواوين بالموظفين.
كما أن الأرقام المتوفرة تصيب المتلقي بالذهول إلى درجة يصبح معها المغرب من أغنى البلدان في العالم، فالصحراء تلتهم ميزانية ضخمة بالمقارنة مع باقي أقاليم الدولة، ومثال ذلك يتجلى في تخصيص 580 مليون درهم سنويا للمحروقات الموجهة نحو أقاليم الجنوب، و150 مليون درهم سنويا لفائدة اعتمادات الإنعاش الوطني، فيما تنمح الدولة 78 مليون درهم سنويا لفائدة مخيمات الوحدة؛ وتخصص لأشبال الحسن الثاني، الذين يبلغ تعدادهم حوالي 7000 موظف وموظفة، ميزانية تتجاوز 170 مليون درهم كل عام (حسب ما أوردته الصحافة المغربية).
وأما أملاك الدولة العقارية فإن العائد منها ضئيل جدا، وجزء منها يحتل بطرق غير قانونية؛ فحسب تقرير وزارتي المالية والميزانية، تتجاوز أملاك الدولة 1555000 هكتار، 68 في المائة منها أملاك قروية و25 في المائة أراض شبه حضرية، بينما تشكل الأملاك الحضرية 7 في المائة، وما يصاحب ذلك من اختلالات كبيرة؛ فمثلا، العائد من أكثر من 81145 مسكن -منها 46200 وحدة سكنية مسيرة من طرف مختلف الوزارات المستفيدة من التخصيص و34945 مسكنا ومحلات تجارية مسيرة من طرف شركة ديار المدينة- لا يتجاوز 38 مليون درهم، وهو ما يستلزم فتح تحقيق لمحاسبة من تسبب في تفويت فرص إضافية لميزانية الدولة وإهدار المال العام؛ إذ حسب التقرير فإن معدل كراء تلك المساكن لا يتجاوز 60 درهما للشهر الواحد، في دولة يعاني شعبها من أزمة السكن، كما أن 77 ألف هكتار من أملاك الدولة محتلة بدون سند قانوني سحب نفس التقرير.
كان بودنا جرد جميع أنواع التبذير والفساد التي يعيشها المغرب، ولكن الحيز لا يسمح، لذلك سنكتفي بإعطاء عناوين بارزة من قبيل: استمرار الإعفاء الضريبي للفلاحين الكبار، التفاوت الطبقي الحاصل في كتلة الأجور، التهرب الضريبي الذي تجترحه الباطرونا، استمرار اقتصاد الريع بمختلف أشكاله وتجلياته، شبه غياب للمناخ الديمقراطي الذي يشجع الاستثمار وخلط الثروة بالسلطة، إحجام المواطن المغربي، في الغالب، عن الإنتاج والإبداع والابتكار بفعل غياب الإحساس بالمواطنة الكاملة، والأهم من كل هذا سياسة التسامح والتطبيع مع الفساد وتكريس سياسة «عفا الله عما سلف» التي تعتبر ضوءا أخضر للمزيد من نهب الثروات.
باحث في العلوم السياسية



عبد الرحيم العلام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.