الاقتصاد المغربي بين الأزمة والفساد يتوالى في المغرب قصف الأرقام والمعطيات الاقتصادية التي تهدف إلى دق ناقوس الخطر والتحذير من أزمة اقتصادية تحيط بالمغرب، في أفق الإعلان عن سياسة التقشف والحد من إنفاق الدولة. فالحكومة المغربية الحالية أخرجت رأسها من رمال الإستثناء المغربي وشرعت في التهويل والتحذير من انعكاس الأزمة العالمية على المغرب، بعدما كانت الحكومة السابقة تستبعد الأمر وتؤكد على مقولتي »لن يتأثر المغرب بالأمة العالمية« و »الاستثناء المغربي في كل شيء«. غير أن المعطيات التي نتوصل بها هذه الأيام لم تكن كلها في صالح إظهار عحز الدولة عن الإنفاق ومسايرة انتظارات المواطنين، بل ما نستغرب له أن المعلومات المتوفرة تفضح واقع التبذير والإسراف الذي تنهجه الحكومة المغربية (علما بأن الحكومة ليست المسؤول الوحيد عن هذا الوضع وإنما النظام السياسي برمته)، فمن جهة نجد الأرقام التي تحذر من الأزمة، ومن جهة ثانية يستمر مسلسل البدخ والفساد في التطور خاصة مع لازمة »عفى الله عما سلف« التي يرددها رئيس الحكومة. أزمة في الأفق بناء على تصريحات الوزراء المغاربة، فإن المغرب مقبل على أزمة اقتصادية ستخنق المواطن المغربي في جميع المجالات، إذ ارتفع معدل البطالة من 9.2 إلى 9.9 في المائة، حيث فقدت سوق الشغل حوالي 109 آلاف منصب. ولم تعد للحكومة القدرة على خلق المزيد من مناصب الشغل وهو ما سيعمق من أزمة الشباب المغربي وما يصاحب ذلك من عزوف عن الزواج وانتشار الجريمة وترسيخ عدم الثقة في كل شيئ. كما أعلن وزير التربية الوطنية عن فشل المخطط الاستعجالي وبالتالي فشل ميثاق التربية والتكوين الذي خصصت له العشرية الأولى من القرن 21، ومن هنا تطل أزمة عدم قدرة التعليم المغربي على تكوين جيل الغد الذي يساعد على تحقيق التنمية البشرية ونقل المغرب من بلد مستورد إلى بلد مصدر للتكنولوجيا وغيرها من متطلبات العصر.ونفس الأمر ينطبق على تصريحات وزير التعليم العالي التي حاول من خلالها نقل التعليم العالي من المجانية إلى دفع المقابل، وهو الأمر الذي لو اعتمد في ظل ظروف ديمقراطية وسياسية مغايرة لكان له الوقع الايجابي، ولكنه جاء في ظل تفاوت طبقى صارخ وفي ظل ظروف سياسية غير ديمقراطية، كما أنه جاء معاكسا للحظة التاريخية، ففي نفس اليوم الذي أعلن فيه وزير التعليم العالي عن القطع مع المجانية بالنسبة للأغنياء، أعلن رئيس وزراء تركيا عن إعفاء طلبة الجامعة من مصروفات التسجيل. وبلغ العجز التجاري حوالي 100 مليار درهم خلال 6 أشهر، كما واصلت المالية العمومية عجزها المستمر تحت ثقل النفقات، إذ وصل دين الخزينة إلى 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام. وأما احتياطي العملة الصعبة، فلقد أكد بنك المغرب في تقريره الأخير أن الأصول الأجنبية الصافية للمغرب تقلصت بنسبة 17.3 في المائة (136 مليار درهم ) مقارنة مع السنة الماضية، مشددا على أن هده الأصول التي تشكل احتياطي المغرب من العملة الصعبة لم تعد تكفي لتغطية مشتريات المغرب من الواردات والخدمات إلا ل130 يوما، في الوقت الذي كان احتياطي المغرب من هذه الأصول قبل قرابة سنة من الآن يكفي ل177 يوما، وهو ما يعد كارثة بالمقارنة مع الدول المجاورة (الجزائر 173.63 مليار دولار، تونس 7.32 مليار دولار ). فهذا الوضع المتأزم تسببت فيه مجموعة من العوامل من قبيل تراجع تحويلات مغاربة المهجر و انحباس قطاع السياحة نظر للازمة الأوروبية والمنافسة الشديدة التي يتعرض لها المغرب في هذا المجال حيث تراجعت السياحة ب 6 في المائة، فضلا عن تقلص الاستثمارات الخارجية خاصة في ظل ضعف المناخ الديمقراطي والشفافية التي هي متنفس الاستثمار وروحه. وحسب تقرير وزير المالية، فإن القطاع الفلاحي تراجع نتاجه الخام بناقص 5.5 في المائة بمحصول حبوب لم يتجاوز ال 51 مليار قنطار، وهو ما أثر على المستوى المعيشي للمغاربة بشكل عام وعلى سكان البوادي بشكل خاص، بينما يلتهم صندوق المقاصة 50 مليار درهم يذهب الجزء الكبير منها إلى جيوب ما لا يستحقونها. مسلسل الفساد والتبذير رغم الوضع المأزوم الذي تطرقنا له فيما سلف، إلا أن القائمين على الشأن المغربي لا يبرحون سياساتهم العامة المتسامحة مع التبذير والفساد والتطبيع مع اقتصاد الريع، إذ لم يبادر صانع القرار في المغرب إلى أي إجراء تقشفي يهم مؤسسات الدولة التي لاجدوى منها سوى إهدار المال العام، فلم نسمع عن تخفيض أجور كبار المسؤولين (خفضت الحكومة الاسبانية أجرة الملك بنسبة 7.1 المائة، كما خفض الرئيس الفرنسي من أجرته وأجرة وزراء حكومته بنسبة 30 في المائة، وباع الرئيس التونسي أغلب القصور و خفض أجرته إلى 2000 دينار بنسبة 80 في المائة، و احتفظ الرئيس المصري براتبه كأستاذ جامعي..)، ولم نشهد إلغاءا لمجموعة من مؤسسات الدولة أو تقليص عدد أعضائها من قبيل إلغاء مجلس المستشارين والمجلس الاقتصادي وتقليص أعضاء مجلسي النواب و الأعلى للحسابات، وتخفيض عدد الوزراء و عد إثقال الدواوين بالموظفين. كما أن الأرقام المتوفرة تصيب المتلقي بالذهول إلى درجة يصبح معها المغرب من أغنى البلدان في العالم، فالصحراء تلتهم ميزانية ضخمة مقارنة مع باقي أقاليم الدولة، ومثال ذلك يتجلى في تخصيص المحروقات 580 مليون درهم سنويا للمحروقات الموجهة نحو أقاليم الجنوب، و 150 مليون درهم سنويا لفائدة اعتمادات الإنعاش الوطني، فيما تنمح الدولة 78 مليون درهم سنويا لفائدة مخيمات الوحدة. ويخصص لأشبال الحسن الثاني، الذين يبلغ تعدادهم حوالي 7000 موظف وموظفة، ميزانية تتجاوز 170 مليون درهم كل عام ( حسب ما أوردته الصحافة المغربية). وأما أملاك الدولة العقارية فإن العائد منها ضئيل جدا، وجزء منها يحتل بطرق غير قانونية، فحسب تقرير وزارتي المالية والميزانية، تتجاوز أملاك الدولة 1555000 هكتار، تشكل 68% منها أملاك قروية و25% أراضي شبه حضرية، بينما تشكل الأملاك الحضرية 7 في المائة. وما يصاحب ذلك من اختلالات كبيرة . فمثلا، العائد من أكثر من 81145 مسكن- منها 46200 وحدة سكنية مسيرة من طرف مختلف الوزارات المستفيدة من التخصيص و34945 مسكنا ومحلات تجارية مسيرة من طرف شركة ديار المدينة- لا يتجاوز هذا العائد 38 مليون درهم، وهو ما يلزمه فتح تحقيق لمحاسبة من تسبب في تفويت فرص إضافية لميزانية الدولة وإهدار المال العام. إذ حسب التقرير فإن معدل كراء تلك المساكن لا يتجاوز 60 درهما للشهر الواحد، في دولة يعاني شعبها من أزمة السكن، كما أن 77 ألف هكتار من أملاك الدولة محتلة بدون سند قانوني سحب نفس التقرير. كان بودنا، لو يسمح الحيز، جرد جميع أنواع التبذير والفساد التي يعيشها المغرب ولكن نكتفي بإعطاء عنوا ين بارزة من قبيل استمرار الإعفاء الضريبي للفلاحين الكبار ، والتفاوت الطبقي الحاصل في كثلة الأجور، التهرب الضريبي الذي تجترحه الباطرونا، استمرار اقتصاد الريع بمختلف أشكاله وتجلياته، شبه غياب للمناخ الديمقراطي الذي يشجع الاستثمار و خلط الثروة بالسلطة، إحجام المواطن المغربي، في الغالب، عن الإنتاج والإبداع والابتكار،، بفعل غياب الإحساس بالمواطنة الكاملة، والأهم من كل هذا سياسة التسامح والتطبيع مع الفساد وتكريس سياسة »عفى الله عما سلف« التي تعتبر ضوءا اخضر للمزيد من نهب الثروات . نخشى أن يأتي يوم يذهب في الموظف المغربي لسحب راتبه من البنك، ليفاجأ برسالة قصيرة »عفوا لا يوجد راتبك هذا الشهر، انتظر أياما وسنقوم بتحويل راتبكم«. [email protected]