كانت فاليري تريفايلير حب فرانسوا هولاند المتكتم، الصديقة التي آزرته لما تخلت عنه سيغولين رويال بعد أن أضحت علاقتهما جحيما. كانت المستشارة التي أخرجت إلى الظاهر كنوزه الدفينة وبالأخص رغبته في أن يصبح رئيسا. تعرف عليها في الثمانينيات وكان شخصا خجولا ومعقدا بسبب هندامه السمين. فاليري هي من صحح أيضا هذا العيب لتجعل منه شخصا رشيقا. ومن هذا المنطلق قد يصح المثل المأثور القائل: من وراء كل رجل عظيم امرأة. كانت فاليري تريفيلير في 23 من عمرها لما التقت فرانسوا هولاند. غطت أنشطة الحزب الاشتراكي لصالح مجلة «باري-ماتش». كان هولاند نائبا برلمانيا في ال 34 من عمره ومستشارا لفرانسوا ميتران.. كما كان على دراية بعالم الإعلام بحكم منصبه داخل هرم الحزب الاشتراكي. ودام التواصل المهني بين الاثنين لمدة سنوات. وتحولت هذه العلاقة المهنية إلى علاقة غرامية عام 2006 . حينها كانت فاليري لا تزال متزوجة فيما لم يفسخ هو أيضا علاقته بسيغولين رويال. وبما أن الاثنين كانا على علم بالعواقب التي قد تخلفها الخيانة الزوجية على حياتهما الشخصية والمهنية فقد بسطا حجابا واقيا وسميكا حول علاقتهما، حتى لا يتسرب الخبر. ولما أيقن هولاند بأن الظروف أصبحت مواتية وأن العلاقة بينهما ترسخت بشكل عاد، بعد طلاقهما، كان أول من زف الخبر لمجلة غالا، المتخصصة في أخبار البيبول. من ثم ظهرت إلى جانبه في جميع المناسبات والحملات الانتخابية. وفي أول رحلة له إلى أمريكا كانت إلى جانبه حيث قدمتها الصحافة الأمريكية «فيرست لايدي» كسيدة أولى. تغريدة نشاز غير أن السيدة الأولى أصابت أحد أصابعها «الحكة» ليرسل تغريدة على التويتر لمساندة المرشح أوليفييه فالورني خصم، بل عدو سيغولين رويال في الانتخابات التشريعية. هنا أحس فرنسوا بأن المثل القائل «وراء كل رجل عظيم امرأة»، لا يصدق في كل الحالات وعلى كل الأشخاص. وثمة من اعتبر فاليري تريفايلير إنسانة منحرفة السلوك إذ ذهبت بها الوقاحة إلى حد زيارة سيغولين رويال عام 1992 لما رزقت ابنتها فلورا، وهي رابع مولود أنجبته مع صديقها فرانسوا هولاند. وكانت المرة الأولى التي تكشف فيها وزيرة شابة عن حياتها الحميمية بتقديمها لصحافية من باري ماتش مولودها الجديد. فسرت رويال هذه الخطوة كمساهمة منها في دعم حقوق المرأة. لكن فاليري تريفايلير فنذت جميع الادعاءات لتشير إلى أنها لم تتنقل إلى العيادة، بل أنجزت المقابلة بواسطة الفاكس. إذ وجد نفسه وسط ورطة عائلية تجاه أم أبنائه ورفيقة دربه سابقا، سيغولين رويال، ثم في ورطة حزبية وأخيرا في ورطة إعلامية وسياسية حيث تسلل البعض من هذه الفجوة لتذكيرها بتعهداتها للفصل بين الحياة الشخصية والحياة العمومية. يبدو اليوم أن العاصفة قد هدأت نسبيا. إذ مباشرة بعد هذه التغريدة اعترفت فاليري تريفايلير بخطئها. وبعد الاعتراف بغفارة الذنوب، صرحت بأنها ستحرك أصبعها 7 مرات قبل أن ترسل أي تغريدة تويتر. تداعيات القضية لكن القضية لم تعرف بعد خاتمتها. إذ تدخل على الخط توماس هولاند، نجل فرانسوا هولاند، البالغ من العمر 27 سنة ويعمل محاميا، ليرد بعبارات قاسية على صفحات أسبوعية «لوبوان» أن هذه الرسالة «خربت صورة الرئيس العادي التي بناها والده». لإخماد الحريق اغتنم فرانسوا هولاند فرصة مقابلة ما بعد استعراض العيد الوطني لطي أو محاولة طي صفحة التويتر نهائيا. وفي رده على السؤال أوضح هولاند أن «أن القضايا ذات الشأن الخاص يجب أن تحل في نطاق خاص. هذا ما قلته لأقربائي لكي يعملوا وبكل وضوح بهذا المبدأ». في العيد الوطني سجلت عودة فاليري تريفيلير إلى المشهد، لكن بشكل خجول ومتستر. فالسيدة التي كانت تحلم ب«إعادة ابتكار دور السيدة الأولى» مجبرة اليوم على التزام الصمت ولا يمكنها مرافقة رئيس الدولة إلا إذا اقتضى البروتوكول ذلك. وهذا ما قرره رئيس الدولة وحسم فيه. لكن أي دور يتعين على رفيقة الرئيس أن تلعبه؟ فهي بالكاد لا ترغب أن تقوم بدور «دمية» يعرضها الرئيس ولا تتمتع بأي حق في التعليق والحديث. كما أن الرئيس غير راغب في تفصيل دور لها على مقاص رغباته. على أي لم يعارض متابعتها لمهنتها كصحفية بمجلة باري ماتش. هل تسيء صديقة الرئيس لمهنة الصحافة؟ ترفض فاليري تريفايلير حمل لقب «السيدة الأولى» وهي التسمية الرائجة في الولاياتالمتحدة. أولا لأنه لا تربطها بفرانسوا هولاند علاقة زواج، ثم لأنها لا ترغب في التخلي عن مهنتها. ثمة عناد لدى السيدة في مواصلة مزاولة المهنة كما لو كانت الصحافة مهنة لا يميزها عن المهن الأخرى أي فارق. وهي لذلك تحتل مكتبا بالإليزيه ويمكنها الاعتماد على نصائح بعض الخبراء الذين تقٍرأ عليهم مقالاتها المكتوبة ل«باري ماتش». هنا مصدر المفارقة، أي متابعتها لمهنتها كصحفية انطلاقا من قصر الإليزيه. ولما نعلم أنها تقدم دائما كصحافية سياسية يصبح الأمر أكثر تعقيدا. إذ قد تحوم من حولها شكوك بالاستفادة من السبق الصحافي ومن الأخبار الطرية التي قد يسربها بعض المستشارين السياسيين بالإليزيه، مما هو كفيل بضرب أخلاق المهنة في الصميم. والفرنسيون حريصون على البعد الأخلاقي. من حسن الحظ أن المواضيع التي تعالجها ليست مواضيع سياسية ساخنة بالمعنى اليومي، بل مواضيع ثقافية تهم مراجعة بعض الكتب المهمة أو الكتابة في مواضيع خفيفة أو إيكزوتيكية. ولها جاذبية أيضا إلى المواضيع التي تهم مسار بعض النساء اللائي لعبن أدوارا مهمة في زمانهن. وفي هذا الاتجاه عالجت السيرة الذاتية لإيليانور روزفيلت، عقيلة الرئيس روزفيلت، لتوضح أنها كانت نموذجا يجمع بين امتهان الصحافة وتحمل مسؤوليات في السلطة. في البداية سعت إلى تمرير صورة امرأة لها دور لا فحسب تمثيلي وشكلي بل دور فاعل في دواليب السلطة. لكن تبين أن احتذاءها بروزفيلت لم يكن موفقا. وحتى لما تقدم كصحافية ثقافية، فإن الثقافة ليست منفصلة عن ظرفيتها السياسية. لذا فالكتابة عن مسرحية، فيلم، كتاب، يبقى إلى حد ما كتابة في السياسة. صحفيات في خضم السياسة المهم أن النقاش الدائر اليوم من حول ازدواجية مسؤولية فاليري تريفايلير بدأ يتخذ أبعادا جديدة ليجد شكله في الصيغة التالية: ألا تؤثر فاليري تريفايلير بخلطها للأوراق على مهنة الصحافة؟ إن كانت هذه الأخيرة الوجه البارز للأرخبيل، فتطرح أيضا حالات أخرى لنساء صحفيات يتبوأ رجالهن مهام وزارية في حكومة جان-مارك أيرو الاشتراكية. أودريه بيلفار، الصحافية التي عملت إلى وقت قريب بقناة I.Télé ثم معلقة في برنامج «لا زلنا ساهرين» الذي تبثه كل يوم سبت فرانس2، قبل أن تكلف بتسيير الأسبوعية الثقافية Les Inrockuptibles هي صديقة آرنو مونتبورغ، وزير إنعاش الإنتاجية. وقد عاشت أودريه بيلفار قبل فاليري تريفايلير الانتقادات والتهجمات. لكنها أخذت دوما مسافة بينها وبين صديقها موضحة على التويتر وفي عدة مناسبات بأنه لكل منا شخصيته وأننا غير متفقين مائة بالمائة على كل شيء وهذا أمر طبيعي. واليوم وهي على رأس إدارة تحرير إحدى المجلات التي تهتم بالسياسة والثقافة بمعناها الواسع، طمأنت أولئك الذين تخوفوا من محاباتها لصديقها مشيرة إلى أن المجلة ستعالج كل المواضيع ولن تتردد في انتقاد سياسة صديقها إن اقتضى الأمر ذلك. يذكرنا هذا التصريح الصريح بذاك الذي أدلت به آن سينكلير، عقيلة ستراوس-كان سابقا لما عينت مديرة تحرير بالجريدة الإلكترونية «هوفينغتن بوست» معلنة أنها ستعالج كل القضايا بما فيها قضية ستراوس كان. وإلى الآن احترمت آن سينكلير هذا المبدأ. فلماذا لا تحترمه أودريه بيلفار؟. كما أنها لا ترغب في تحويل المجلة الأسبوعية إلى يافطة دعائية للحزب الاشتراكي، مخافة أن ينعكس ذلك على المبيعات، مما قد يعني نهاية المجلة وفقدانها لمصداقيتها المهنية. ثالث صحافية هي فاليري دو سينفيل، زوجة ميشال سابان، وزير الشغل. تعمل فاليري بصحيفة «ليزيكو» المتخصصة في شؤون الاقتصاد. بعد تعيين زوجها على رأس هذه الوزارة، سارعت إلى مراسلة لجنة التحرير المستقلة التابعة للصحيفة لتدارس واتخاذ القرار في شأنها: هل تتابع عملها كصحفية مكلفة بشؤون العدالة أم تغادر الصحيفة لأن ذلك من شأنه أن يتعارض وأخلاق المهنة؟ هل تكلفها الإدارة بمهمة أخرى؟ في الأخير حافظت الصحافية على منصبها وعلى مسؤوليتها بقسم شؤون العدالة، لكن يبقى للإدارة حق النظر في مضمون مقالاتها كي لا تحدث انزلاقات أو هفوات. إن تابعت هذه الصحفيات المحسوبات على الحزب الاشتراكي مهامهن في المجال الإعلامي بحكم أن العمل هو ما يمنح للمرأة استقلاليتها، فإن فرنسا سبق أن عاشت حالات تخلت فيها الزوجات أو الصديقات عن العمل بمجرد تعيين أزواجهن على رأس وزارة. ولنا في استقالة آن سينكلير عن عملها بالقناة الأولى خير مثال. إذ بعد تعيين زوجها وزيرا للمالية عام 1997 تخلت سينكلير عن تقديم برنامج 7/7 الأسبوعي. وكذلك الشأن بالنسبة لزوجة آلن جوبيه وزوجة جان-لوي بورلو، بياتريس شونبيرغ التي كانت تقدم الأخبار المسائية على خلفية انخراط زوجها في الحملة الانتخابية لصالح نيكولا ساركوزي. ليست فاليري تريفايلير من الكاهنات اللائي يدخلن في حروب مائة عام النسائية. المؤكد أنها لا تحب سيغولين رويال. ولها طموح لتبوء مكان لائق تحت سماء الاليزيه. هل ستبقى في الحدود التي رسمها لها فرانسوا هولاند أم ستتجاوز الخطوط الحمر مرة أخرى؟ هي التي تأخذ من الفيلسوفة سيلفيان أغاسينسكي، عقيلة ليونيل جوسبان قدوة، هل ستتخلى فعلا عن السياسة بمعناها التآمري أم ستغريها السياسة مرة أخرى لإطلاق التغاريد والزغاريد على التويتر؟