بينما اعتبر البعض أولى تحركات الحكومة الفرنسية الجديدة مجرد ذر للرماد في العيون، اعتبرها البعض الآخر خطوات عملية أحدثت قطيعة مع الأسلوب الساركوزي في التعامل مع المواطنين وشؤونهم. فيما يرى طرف ثالث أن ما أقدمت عليه الحكومة الاشتراكية برئاسة جان-مارك إيرو لا يمكن الحكم على نجاعته ونتائجه إلا بعد ستة أشهر من التسيير. رغم أنه من السابق لأوانه تقديم حصيلة أولية لإنجازات حكومة أيرو الأول، التي قد تعتريها حتما تغييرات في العمق بعد الاستحقاق التشريعي الذي ستجري دورته الثانية في السابع عشر من هذا الشهر. لكن وللنزاهة فإن الخطوات الأولية التي قام بها الفريق الحكومي للوزير الأول تبعث على الأمل لأنها تمت إلى الآن من دون عثرات ولا حوادث سير تذكر. وقد أهلها هذا الإنجاز لكسب شعبية قد تخدم موقعها في الانتخابات التشريعية، وقد كرست بعض استطلاعات الرأي هذه الشعبية بوضعها لجان–مارك أيرو على رأس قائمة رؤساء الحكومات الفرنسية للجمهورية الخامسة بحصوله على نسبة 65% من الآراء الإيجابية متقدما حتى على رئيس الدولة، الذي حاز على نسبة 61% . قطيعة مع أسلوب الساركوزية الخطوات الرمزية الأساسية التي أقدمت عليها الحكومة استهدفت إحداث قطيعة راديكالية مع الممارسات الساركوزية بما ميزها من تبذير، بهرجة، انفراد بالقرار الخ...تخلى الرئيس والوزراء عن كراء طائرات خاصة أو سيارات الليموزين في تنقلاتهم، لصالح التنقل بالقطار. كما قلص الرئيس راتبه الشخصي وراتب الوزراء بنسبة 30% . ورفض هولاند تجنيد معاهد الاستطلاع لمعرفة شعبيته وشعبية حكومته على حساب المال العام، كما أقام إلى الآن علاقة سليمة مع الإعلام ممتنعا عن القفز بين استوديوهات القنوات التلفزيونية. كما أنه فوض للوزير الأول صلاحيات عديدة لاتخاذ القرارات، الحسم أو التحكيم، الشيء الذي لم يكن يتمتع به فرانسوا فيون أيام ساركوزي. وضع هولاند إذا الإطار وخلق المناخ وعقلية التعامل مع الفرنسيين ومع الملفات. وكان مانويل فالس، وزير الداخلية، سيد الأسبوع بالنظر لحضوره على أكثر من جبهة. سبق أن تحدثنا عن مانويل فالس، مع إبدائنا لبعض التخوفات ( وهي نفس التخوفات التي أبدتها العديد من الجمعيات المدافعة عن المهاجرين)، من توجهاته القاضية المتشددة تجاه المهاجرين والأجانب بشكل عام. لكن الخطوات التي أقدم عليها مؤخرا خلفت انطباعا مخالفا لما هو رائج عن الرجل. وكان تدخله ملحوظا في أكثر من ملف. التخلص من الرموز الساركوزية في المجال الأمني كما كان مقررا وحسب الوعد الذي قطعه المرشح-الرئيس، فرانسوا هولاند، أفرغ جهاز الشرطة والاستعلامات من 3 رموز ورؤوس نافذة جعل منها ساركوزي خلال ولايته الأذن المخبرة والمتصنتة على فرنسا: ميشال غودان، والي الأمن، فرديريك بيشنار، رئيس الشرطة الوطنية ورئيس الاستعلامات، بيرنار سكوارسيني. وقد تميز تسيير بعض من هؤلاء المسؤولين بالمغالاة والشطط إلى درجة دفع المراقبة إلى حدود التجسس على خصوم ساركوزي وبالأخص منهم الصحافيون الذين وضعت أجهزة للتصنت على مكالماتهم. وكما كان متوقعا، ارتفعت بعض أصوات اليمين بعد فصل هذه الرموز عن عملها، للتنديد بما أسمته ب »ممارسات انتقامية». تجنب مانويل فالس، وزير الداخلية، والذي كان أول من زف خبر إقالتهم، تجنب الخوض في السجال. شهادة المراقبة الملف الثاني الذي انكب مانويل فالس على معالجته من دون الحسم في مقتضياته نهائيا هو ملف فحص الهوية من طرف الشرطة. فقد اعتاد البوليس الفرنسي إيقاف ومراقبة الأجانب لعدة مرات، في الأماكن العموم بناء على مقياس البشرة أو المظهر الخارجي. في أمكنة النقل ( الميترو، القطارات الخ...)، قد يوقفك البوليس للتأكد من هويتك ومن صلاحية وثائق الهوية التي بحوزتك. وقد تستمر العملية لساعة أو ساعتين. ومن بين ضحايا هذه التحرشات، شباب الضواحي من حملة الجنسية الفرنسية. وقد تحول في ولاية ساركوزي إلى طقس لإذلال الشباب. وهو مرشح للرئاسة، قطع فرانسوا هولاند الوعد بوضع حد لهذه الممارسة و»عقلنة» الإجراءات المرافقة لمراقبة وفحص الهوية من طرف الشرطة. وفي هذا الاتجاه اقترحت الحكومة نصا يسلم بموجبه للشخص المراقب وصل يتضمن معلومات دقيقة( مكان المراقبة، رقم الشرطي، واسم الشخص المراقب)، لكن المقترح يبقى نسخة لمشروع في انتظار استكمال بنوده والتشاور مع جميع الأطراف، وبالأخص النقابات الممثلة للشرطة والتي عارضت الفكرة أو دعت على الأقل إلى التريث والمشاورة قبل تطبيق هذا الإجراء. أما الجمعية الأمريكية Open Society Justice Initiative التي تدافع عن الفكرة وعن ضرورة توسيع تطبيقها على النطاق الأوروبي، فقد اعتبرت المقترح الذي تقدمت به الحكومة خطوة رمزية لخلق الشفافية في مجال الحريات العامة. التشطيب على مذكرة كلود غيان قررت حكومة جان-مارك آيرو القيام بضربة رمزية أخرى في 31 من ماي، للتشطيب على ما أسماه البعض «مذكرة العار» التي أقرها كلود غيان، وزير الداخلية الأسبق في 31 من ماي 2011. وبموجب هذه المذكرة تم تضييق الخناق على الطلبة الأجانب الراغبين في ممارسة مهنة بفرنسا بعد الانتهاء من دراستهم. وكان الوزير الأسبق قد وقع رفقة وزير العمل، غزافييه بيرتران، في 31 من ماي 2001 وبغاية «التحكم في الهجرة المهنية»، على هذه المذكرة التي أثرت سلبا على صورة وسمعة فرنسا بالخارج ودفعت ببعض الطلبة-الموظفين إلى مغادرة فرنسا نهائيا. ولم يقف الطلبة مكتوفي الأيدي أمام هذا القرار، بل شكلوا مجموعة باسم 31 ماي، قام فيها الطلبة المغاربة بدور المنشط الرئيسي، وكان الناطق الرسمي السابق باسم المجموعة هو نبيل السبتي قبل أن تخلفه فاطمة شعيب...وكان مدراء المؤسسات هم أول من احتج على تبعات هذه المذكرة. وقد أحصت المجموعة 1164 حالة طالب ضحية المذكرة. وفي انتظار أن تصدر حكومة إيرو وبموافقة وزير الداخلية، وزيرة التعليم والتشغيل، مذكرة جديدة، فإن الطلبة تنفسوا الصعداء بعد إلغاء مذكرة غيان. والمعروف أن جالية الطلبة المغاربة تأتي على رأس قائمة الطلبة الأجانب في فرنسا بحصة 30 ألف طالب، وذلك حسب الدراسة التي أجراها «كامبيس فرانس» لسنة 2010-2011 . ويشكل هؤلاء الطلبة القسم الأكبر من طلبة الإعدادية لشهادة الدكتوراه. ويتقدم المغرب على الصين، الجزائر وتونس. ومن بين 710000 طالب بالماستر، المدارس الكبرى، وشهادات الدكتوراه، فإن المغرب يعتبر أول بلد يعد طلبته شهادات دكتوراه بفرنسا. على شفير الإفلاس إن عملت الحكومة في خطوة أولى على طي صفحة الساركوزية في هذه المجالات كخطوة رمزية، فإنها بدأت تكتشف حجم الموروث السلبي والثقيل وبالأخص على المستوى الصناعي، الذي خلفه ساركوزي. ذلك أن العديد من المصانع والمعامل تعيش على شفير الإفلاس. وقد أعدت الكونفدرالية العامة للشغل، التابعة للحزب الشيوعي الفرنسي خارطة أو صورة فوتوغرافية للمؤسسات والمهن المهددة والتي يمكن أن تؤدي الثمن في أقرب الآجال في حالة ما إذا لم توضع خطة إنقاذ استعجالية. وتشمل قطاع صناعة السيارات، قطاع الأبناك، صناعة الفولاذ، الصناعة الفلاحية، الطيران ( الخطوط الجوية الفرنسية) الخ... وقد تحدثت الكونفدرالية على أن 44 ألف فرصة شغل مهددة في 46 مؤسسة. ذاك هو الرهان الاستعجالي المطروح على الحكومة. كما أن المفتشية العامة للمالية أجرت تقييما بالتقشفات التي على الحكومة القيام بها والتي قدرتها ب 5 مليارات أورو سنويا إن رغبت في تحقيق توازن للميزانية في أفق عام 2016. وكان الوزير الأول السابق فرانسوا فيون هو من طالب بإعداد هذا التقرير. وقد شكل إصدار هذه المذكرة مفاجأة غير سارة بالنسبة لحكومة إيرو التي وضعت من بين أهدافها تخفيض العجز إلى نسبة 3% في السنة المقبلة. وقد أشارت الوثيقة إلى أن الجهود يجب أن تبذل على مستوى النقص من النفقات وذلك برفع المداخيل. كما شدد التقرير على الحد من النفقات العمومية. تناحر يتامى ساركوزي في هذه الأثناء عرف الصراع من حول زعامة حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية بين جان-فرانسوا كوبيه وفرانسوا فيون، منعطفا جديدا وذلك بدخول آلن جوبيه بقدم واحدة إلى المعترك. وتخوض المعارضة حربا مزدوجة: حرب داخلية بين رموز الأمس للاستحواذ على سلطة الحزب تأهبا لخوض رئاسية 2017 وحرب خارجية ضد حكومة إيرو. إذ لا يتردد أقطاب المعارضة في الهجوم على حكومة الاشتراكيين باتهامها أنها قوية في مجال الإعلام والإشهار وضعيفة في ميدان تقديم الحلول العملية لمعالجة الأزمة. لكن الشيء الذي يفقد المعارضة مصداقيتها، هو عدم تخلصها من عقدة الأب ساركوزي. إذ لا يزال شبح ساركوزي الذي ينتظر الجميع عودته لإنقاذهم من الظلال، يخيم على ذهنية الجميع. ولإنعاش ذاكرته، قرر بعض من أصدقائه والمقربين منه تأسيس جمعية أطلقوا عليها: «جمعية أصدقاء ساركوزي»، تتكون من أسماء عملت إلى جانب الرئيس السابق ( وزراء أو مستشارون سابقون). ودفع أحدهم، إيريك راوت المحسوب أيضا على اليمين الشعبي المقرب من الجبهة الوطنية، دفع بروح البلادة إلى درجة اقتراح «ترشيح ساركوزي لنيل جائزة نوبل للسلام !». وبعد عودة ساركوزي من المغرب، بعد قضائه 17 يوما من الاستجمام بمراكش، بالفيلا التي وضعها تحت إشارته العاهل المغربي، لم يصدر عنه تعليق أو كلمة، بل تكلف صديقه، بريس هورتفوه، ووزير الداخلية الأسبق بالتحدث إلى الصحافة مشيرا إلى أن نيكولا ساركوزي قرر الحفاظ على «صمت مستدام». لكن هذا الترقب الذي اكتسى لدى البعض صبغة دينية، لن ينقذ المعارضة من خساراتها المرتقبة في الاستحقاق التشريعي القادم. وقد التحق ساركوزي بمكاتبه الجديدة بالمقاطعة الثامنة الواقعة على مقربة من قصر الإيليزيه ليعمل إلى جانب فريقه الجديد. ويتضمن برنامجه القادم الرد على العديد من الرسائل التي تكدست في سلته، استقبال الشخصيات السياسية الراغبة في زيارته. وبعد الانتخابات التشريعية، سيقضي عطلة الصيف بجنوب فرنسا. ولربما خرج عن صمته في الموسم القادم، في شهر سبتمبر. يبقى على حكومة الاشتراكيين إذا ما رغبت ألا يتكلم ساركوزي ويستعيد نبرته العدائية أن يحققوا الإنجازات التي تعهدوا بها.
سيدة فرنسا الأولى تواصل عملها كصحفية في «باري ماتش» ستواصل سيدة فرنسا الأولى، فاليري تريرفيلر، عملها كصحفية في مجلة «باري ماتش» الإخبارية, التي انتقدتها لنشرها قصة في الصفحة الأولى عنها هي وشريكها الرئيس, فرانسوا هولوند, قبل انتخابه. وقال رئيس تحرير «باري ماتش» إنه لم ير أي تضارب في المصالح وإن تريرفيلر (47 عاما) التي التقت بهولوند قبل سنوات أثناء عملها كمراسلة سياسية، وقعت اتفاقا جديدا لتغطية الأحداث الثقافية والمعارض الفنية واستعراض الكتب. وتصر تريرفيلر التي طلقت مرتين، وهي أم لثلاثة أبناء وشريكة هولوند دون زواج، على أنها ترغب في أن تظل أما عاملة حتى مع قيامها الآن بدور غير رسمي كسيدة أولى في قصر الإليزيه الرئاسي. وقال أوليفيه رويون، رئيس تحرير «باري ماتش»: «إنه موقف لم يحدث لنا من قبل». مضيفا أن تريرفيلر توقفت عن تغطية الشؤون السياسية ل «باري ماتش» في نوفمبر بعد فترة قصيرة من اختيار الحزب الاشتراكي هولوند (57 عاما) ليصبح مرشح الحزب في الانتخابات التي فاز بها في 6 ماي الماضي. وانتقدت تريرفيلر «باري ماتش» في مارس لنشرها قصة وصورة في صفحتها الأولى عنها هي وهولوند أثناء الحملة الانتخابية. وكتبت تريرفيلر آنذاك في صفحتها بموقع تويتر: «يا لها من صدمة عندما تجد نفسك على الصفحة الأولى لمطبوعتك. أنا غاضبة من استخدام صورتي بدون تصريح أو حتى تحذير.» وقبل علاقته بتريرفيلر كان لهولوند أربعة أطفال من سيغولين رويال التي قضى معها أكثر من 25 عاما وهي زميلته الاشتراكية التي خاضت انتخابات الرئاسة في 2007. وقال رويون إنه طيلة السنوات القادمة: «ستظل التغطية الإخبارية للثنائي الرئاسي حيادية ومستقلة... القول المأثور لدينا في «باري ماتش» هو: «يوجد نجم واحد فقط هنا هو المجلة».