ارتبطت منطقة قواسم دكالة بمدينة الجديدة برياضة الصيد بالصقور منذ زمن طويل، وأصبح ذكر الصقر بالمنطقة مرتبطا ارتباطا شديدا بهذا الطائر، في هذه الحلقات التي نقدمها بين أيديكم، حاولنا تقريب قراء الجريدة من عوالم هذا «الطائر الحر»، وطقوس رياضة الصيد بمنطقة القواسم الممتدة إلى أولاد عمران. كما حاولنا تتبع جزء من المسار التاريخي لرياضة الصيد بالصقور من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب ومنطقة قواسم دكالة بالخصوص. وقد اعتمدنا في إنجاز هذه الحلقات على بعض الكتب والوثائق التاريخية، التي تطرقت لموضوع رياضة الصيد بالصقور، كما حاولنا الاقتراب أكثر من الصقر والصقارين بمنطقة القواسم القريبة من أولاد افرج، واستقينا رواياتهم المباشرة حول هذا الطائر ورياضة الصيد به. قبل أن نخلص إلى المشاكل التي تتخبط فيها هذه الرياضة بالمنطقة وسبل تجاوزها مستقبلا. تحدث لنا الحاج بإسهاب عن طرق صيد الصقر، وهي لا تختلف كثيرا عن الطرق المعتمدة في صيد الصقور بمنطقة الخليج، أما طرق تحديد أماكن تواجد الصقر، وتتبع آثاره، فلا تختلف هي الأخرى عن تلك المتبعة بمناطق الخليج. يعتمد الصيادون من أبناء منطقة القواسم في عملية صيد الطير على طريقة الحفرة التي يختبئ فيها الصياد، إلا أن صيادي منطقة القواسم يحفرونها بشكل أفقي بدل العمودي في الخليج، هذه الحفرة التي تعد للاختباء، تنصب بالقرب منها شباك خيوطها بيضاء تكاد لا تظهر وتشد إلى قضيبين رقيقين، كما توضع بجانبها حمامة مشدودة بحبل إلى الأرض على شكل طعم، وعندما يأتي الصقر لينقض على الحمامة، يعلق بالشباك المنصوبة أمامه، ويخرج الصياد يده من الحفرة التي يختبئ بداخلها، ويمسك بالصقر من ساقيه. وقال الحاج هدي إنهم يصادفون أحيانا صقورا ذكية تأتي إلى الحمامة بشكل عمودي، لتفادي الشبكة، وهي في الغالب صقور سبق لها أن علقت بالشبكة وفرت، فتصبح أكثر حذرا في اصطيادها للحمامة/«الطعم»، لكن هدي يفتخر بأنه تفوق على ذكاء أحد الصقور، الذي كان يهوي على الحمامة بشكل أفقي ويهرب، ففطن إلى حيلة أخرى, حيث غير مكان الشباك إلى الجهة المقابلة للحفرة التي كان يختبئ بداخلها، وانتظر نزول الصقر فأفزعه بشكل مفاجئ، فهرب الصقر إلى الجهة الأخرى وعلق بالشبكة. وهي حكاية يسردها الحاج هدي بنشوة كبيرة. الطريقة الثانية لصيد الصقور عند أهل القواسم تبدو أكثر ذكاء، وهي حديثة الابتكار، وهي الطريقة التي أصر الحاج هدي على أن يجسدها لنا كذلك أمام أعيننا، فقصد خم الحمام، الذي يكاد لا يخلو بيت واحد في القواسم منه، باعتبار الحمام الوجبة الرئيسية للطير بالمنطقة، فاستقدم منه واحدة وأتى ب«آلة» عبارة عن أسلاك وخيوط بلاستيكية معدة بشكل دقيق لتركب على جناحي الحمامة، تلك الخيوط البلاستيكية عبارة عن فخاخ يسميها الحاج «السرنيفة»، تمسك بالصقر من مخالبه بمجرد أن ينقض على الحمامة التي تكون مشدودة إلى الأرض بحبل أثناء عملية صيد الصقر، وهي الطريقة الأسهل التي بدأ صيادو الصقور يلجأون إليها مؤخرا، يقول الحاج هدي. بعد مرحلة صيد الصقر، تبدأ مرحلة التدريب التي لا تنطلق إلا بعد تحديد عمر الصقر، إذ أكد البيازة المتمرسون في روايات متطابقة أنهم يحددونه حتى وإن كان الطائر يحلق في السماء، كما يتم تحديد عمر الطائر انطلاقا من لون ريشه كذلك. وتتراوح مدة تدريب الصقر ليصبح جاهزا للصيد بين 15 و20 يوما بالنسبة ل «الفرخ»، أي الصقر الذي يقل عمره عن سنة، وبين شهر أو شهرين بالنسبة للطير «المكرنص»، وهو الطائر الذي يفوق عمره السنة، كما يستطيع البيازة المتمرسون تحديد ذكر الصقر الذي يسمى «الطرشور» وأنثاه التي تسمى «العارب»...