ارتبطت منطقة قواسم دكالة بمدينة الجديدة برياضة الصيد بالصقور منذ زمن طويل، وأصبح ذكر الصقر بالمنطقة مرتبطا ارتباطا شديدا بهذا الطائر، في هذه الحلقات التي نقدمها بين أيديكم، حاولنا تقريب قراء الجريدة من عوالم هذا «الطائر الحر»، وطقوس رياضة الصيد بمنطقة القواسم الممتدة إلى أولاد عمران. كما حاولنا تتبع جزء من المسار التاريخي لرياضة الصيد بالصقور من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب ومنطقة قواسم دكالة بالخصوص. وقد اعتمدنا في إنجاز هذه الحلقات على بعض الكتب والوثائق التاريخية، التي تطرقت لموضوع رياضة الصيد بالصقور، كما حاولنا الاقتراب أكثر من الصقر والصقارين بمنطقة القواسم القريبة من أولاد افرج، واستقينا رواياتهم المباشرة حول هذا الطائر ورياضة الصيد به. قبل أن نخلص إلى المشاكل التي تتخبط فيها هذه الرياضة بالمنطقة وسبل تجاوزها مستقبلا. تذهب بعض الدراسات والكتب إلى أن رياضة الصيد بالصقور تمتد إلى الفترة اليونانية وعهد الفرس الذين دافعوا في بعض كتاباتهم عن فكرة مفادها أن ملك الفرس الثالث هو أول من صاد بالصقر، وهناك دراسات أخرى ترجع تاريخ رياضة الصيد بالصقور إلى القرن السابع عشر قبل الميلاد، وهي كلها نظريات -على قلتها- تؤكد امتداد هذه الرياضة في دول آسيا، خاصة في صفوف بعض القبائل المتجولة، كما تؤكد على عراقة تاريخ تعامل الإنسان مع الصقور، لكننا قررنا في هذه الحلقات التركيز على تاريخ الصيد بالصقور بمنطقة شبه الجزيرة العربية. وتؤكد كتب التاريخ أن في فترة الجاهلية كان القوم يروضون الطيور ويصارعونهم ويستعملونهم في الصيد إذ لم يكن الصيد عند أهل الجاهلية وسيلة من وسائل الرزق فحسب وإنما كان متعة من متع النفس وضربا من ضروب الحرب أيام السلم. وكان العرب أيام الجاهلية في أمس الحاجة إلى الرزق والمتعة، والتدريب والتباري الدائم؛ لذلك أقبلوا على رياضة الصيد بالطيور إقبالا كبيرا، وكانت للصيد والقنص مكانة خاصة لديهم، يفتخرون ببارعهم فيها ويستهزؤون بمن لا يجيدها، وكان الرجل الذي يأكل من صيد يده يحظى بمكانة عالية بين قومه، وهي المكانة التي لازال يحتلها محترفو الصيد والقنص إلى يومنا هذا، وكان الصياد البارع محط فخر بين أهله وعشيرته؛ بل إن فترة الصيد ويوم الخروج إليه كانت لها مكانة خاصة عند العرب... وأثناء عودة الصيادين من رحلة الصيد غانمين يحتفى بهم وتقام لهم ليال خاصة. ولم يقتصر الصيد عند العرب على المحتاجين والفقراء الذين يعدمون ما يسدون به رمق عيشهم بل مارسه أبناء العرب من الملوك والأمراء «إن للصيد فضائل جمة، وملاذ ممتعة، ومحاسن بيّنة، وخصائص في ظلف النفس ونزاهتها، وجلالة المكاسب وطيبها كثيرة، به يستفاد في النشاط والأريحية، والمنافع الظاهرة والباطنة، والمران والرياضة والخفوف والحركة، وانبعاث الشهوة، واتساع الخطوة، وخفة الركاب، وأمن من الأوصاب مع ما فيه من الآداب البارعة، والأمثال السائرة، ومسائل الفقه الدقيقة، والأخبار المأثورة». (من مقدمة كتاب «البيزرة» لمؤلفه بازيار العزيز الفاطمي. في هذه القولة يؤكد صاحب «البيزرة» المكانة الرفيعة التي تحظى بها رياضة الصيد بشكل عام عند العرب، والدرجة العالية التي يوليها ممارسو الصيد لهذه الرياضة، كما تبرز القولة ما يرافق الصيد من متع النفس التي ينعم بها. وتجمع أغلب الدراسات والبحوث التي أنجزت حول تاريخ الصيد بالصقور على أن الحارث بن معاوية بن ثور بن كندة وهو أحد أجداد ملك قبيلة كندة الأشعت بن قيس، كان هو أول من صاد بالصقر، ودربه، وحدث ذلك بعد أن وقف في أحد الأيام عند صياد ينصب شبكة للعصافير، فانقض صقر على عصفور علق في الشبكة وأخذ يأكله... حتى علق جناحه بالشبكة... وكان الحارث يراقب هذا المشهد الذي نال إعجابه فطلب حمل الصقر إليه، وكلف من يطعمه ويعلمه الصيد فصار يحمله على يديه، وفي أحد الأيام وبينما الصقر بين يدي الحارث رأى حمامة فطار عن يده إليها وأخذها وأكلها... فأمر الحارث عندها بتدريبه وتهذيبه والصيد به ، ومرة أخرى لاحت له أرنب فطار الصقر إليها وأخذها ...وهذا ما زاد إعجاب الحارث بن معاوية بصقره، وكانت هذه هي أولى أيام إعجاب العرب بالصقر والتعرف عليه حتى انتشر بينهم فيما بعد...