ارتبطت منطقة قواسم دكالة بمدينة الجديدة برياضة الصيد بالصقور منذ زمن طويل، وأصبح ذكر الصقر بالمنطقة مرتبطا ارتباطا شديدا بهذا الطائر، في هذه الحلقات التي نقدمها بين أيديكم، حاولنا تقريب قراء الجريدة من عوالم هذا «الطائر الحر»، وطقوس رياضة الصيد بمنطقة القواسم الممتدة إلى أولاد عمران. كما حاولنا تتبع جزء من المسار التاريخي لرياضة الصيد بالصقور من شبه الجزيرة العربية إلى المغرب ومنطقة قواسم دكالة بالخصوص. وقد اعتمدنا في إنجاز هذه الحلقات على بعض الكتب والوثائق التاريخية، التي تطرقت لموضوع رياضة الصيد بالصقور، كما حاولنا الاقتراب أكثر من الصقر والصقارين بمنطقة القواسم القريبة من أولاد افرج، واستقينا رواياتهم المباشرة حول هذا الطائر ورياضة الصيد به. قبل أن نخلص إلى المشاكل التي تتخبط فيها هذه الرياضة بالمنطقة وسبل تجاوزها مستقبلا. لا يتحدث أهل المغرب في منطقة قواسم دكالة، إلا عن نوعين من الصقور؛ وهما الصقر البحري والنبلي اللذان لا يمكن التفريق بينهما في الصغر لكن النبلي عندما يكبر يصير أكبر حجما وأجمل منظراً، ذو عينين كبيرتين وسوداوين ويصبح صدره مزركشا كالنمر، فالبحري يقصد به أهل القواسم، الصقر الذي يعيش في مناطق المغرب، والصقر النبلي هو الصقر المهاجر إلى المغرب من دول الخليج وأروبا الشرقية، ويتميز بالنسبة إليهم بالسرعة وقوة النظر. نعت المؤرخ المغربي الكبير الدكتور عبد الهادي التازي الصقر في إحدى أروع مقالاته ب«الطير الحر» وهي مقالة حررها حول الصقور وكان قد ألقاها خلال المهرجان الثقافي الأول لدكالة الذي نظم بالجديدة إحياء لذكرى وفاة السلطان المصلح سيدي محمد بن عبد الله شهر أبريل 1981، وهو وصف لم يأت من فراغ، بل هو اسم على مسمى، بالنظر إلى ما يميز هذا الطائر عن غيره من الطيور والحيوانات؛ فقد أكد عبد الهادي التازي أن هذا الطائر من الحيوانات القليلة التي تسهر على حياة والديها عندما يبلغان من الكبر عتيا، وهو من أشد الطيور حنانا على والديه عندما يكبران، ومن الحيوانات التي تأبى الذل والضيم ، إلى درجة أنه يسعى إلى التخلص من حياته عبر الانتحار، عندما يشعر بالإهانة والضعف، ويحدث ذلك حين يكبر الصقر، ويعجز عن الصيد، ويفتقد رعاية أبنائه لأسباب اضطرارية؛ كتعرضهم للقنص العشوائي وهم في طريقهم إلى الصيد، فيهوي الصقر العجوز بنفسه من أعلى نقطة بالسماء بشكل شاقوري حتى يصطدم بالأرض، وينتحر. ومن أغرب ما روي عن الصقر، أنه إذا باغته الصيادون وكان على بيضه حاضنا، لا يفارقه بل يبقى جالسا عليه حتى يلقى عليه القبض. الصقر «حر»، لأنه يعامل صغاره وزوجته بحنان ورقة منقطعي النظير، ويتحمل من صغاره ما لا يمكن أن يتحمل، ويشارك زوجته السراء والضراء. ويحكي عبد الهادي التازي في مقالته، أن « الصقر إذا أراد أن يغازل صقرته فإنه لا ينزل عليها نزولا، ولكنه يختبرها قبل دقائق كثيرة، حتى يعرف مدى استعدادها للمغازلة، فإذا أخذ في مغازلتها قضى مدة طويلة في هذه المغازلة الرقيقة الدقيقة، بل الألطف من هذا - يقول عبد الهادي التازي - ،هو أنه بعد أن يقضي حاجته من صقرته، يغازلها ضعفي المرات الأولى، حتى لا يشعرها أنه كان يقصد فقط إلى عملية تفريغ وتبليغ ...» .