يبقى العيد الوطني الفرنسي، الذي تخلده فرنسا في 14 يوليوز من كل عام، من بين الأعياد الوطنية العالمية المثقلة برمزية تاريخية وسياسية قوية، لكون هذا الحدث وقع نهاية العبودية وساهم في انبثاق الحرية وسيادة الشعب. وتوارثت الأجيال، منذ ثورة 1789، مراسيم الاحتفال بهذا الطقس بحضورها وإسهامها في الاستعراضات والحفلات الليلية الراقصة. أول أمس، وبالرغم من رداءة أحوال الطقس لم يفتر حماس الفرنسيين للخروج إلى الشوارع من أجل الرقص وفرقعة الشُّهُب النارية. وقد صدرت فرنسا عبر سفاراتها وقنصلياتها بالخارج هذا الطقس لتجعل منه حفلا بهيا ترمى فيه الشهب النارية وتتطاير سدادات الشامبانيا. منذ عقود، والمغرب، بحكم التاريخ الاستعماري، من بين البلدان التي أضفت على «الكاتورز جوييه» (14 يوليوز) ما يشبه القداسة. هكذا يرتمي الفضوليون المغاربة (وأغلبهم من الشرائح الفرنكوفونية السخيفة) على المقبلات وكؤوس الشامبانيا كما يرتمي «الطلبة ديال الجامع» على صحون الكسكس إبان حفلات الزواج أو الختان أو في المناسبات المأتمية! احتفلت فرنسا البارحة، إذن، بالنسخة الجديدة للعيد الوطني لما بعد ساركوزي. وقد شمل البرنامج عرضا عسكريا نظم تحت شعار: «الجيوش في خدمة الوطن والسلام في العالم». وقد شارك في الاستعراض 4950 رجلا وامرأة يرافقهم 241 حصانا، 450 عربة، 82 دراجة نارية، 66 طائرة و32 مروحية، هيلوكبتر. وتقدم الاستعراضَ فيلق حفظ السلام الذي عمل في لبنان. في هذه الأثناء، نابت عن الرئيس هولاند بالمغرب، وتحديدا بسفارة فرنسا في الرباط، سيارة DS5 من نوع سيتروين، وهي نفس السيارة التي ركبها يوم انتحابه رئيسا للجمهورية في الخامس عشر من ماي الماضي! الله ينفعنا ببركة هاذ السيارة! وبما أن كاتب هذه السطور لم يحظر حفل العيد الوطني في سفارة الرباط، فمن غير المستبعد أن يكون الضيوف قد تحلقوا حاملين أكواب الشامبانيا من حول الستروين التي حرص الإيليزيه على نقلها على متن شاحنة خاصة من فرنسا إلى المغرب. لا تخلو هذه الصنمية من ماركيتينغ دعائي لهذا الموديل؛ فترقبوا في الأشهر القادمة ظهور هذه السيارة، التي أصبحت تعرف ب«موديل هولاند»، في الأسواق وفي الأتوسترادات المغربية! المهم أن المغرب هو أول بلد حظي بشرف استقبال «سيارة هولاند». كما تسنى لضيوف السفارة ال«تبرك» بها. المعضلة، بل المأساة هي أن وصول سيارة DS5 تزامن مع خبر الأزمة الخانقة التي تعيشها شركة بيجو-سيتروين، والتي دفعت بالإدارة قبل أربعة أيام إلى اتخاذ قرار إغلاق مصانع أولني سو-بوا التاريخية، بما معناه تسريح 8000 عامل، وسيصل المجموع عام 1914 إلى 10000 في مجموع فرنسا. الطامة الكبرى هي أن المغاربة الذين صنعوا مجد مصانع أولني سو-بوا وبالتالي مجد بيجو-سيتروين، هم أول الضحايا وسيجدون أنفسهم على «الضس». في السبعينيات، وصل الجيل الأول وافدا من إقليمأكادير. بعد «تجنيده»، دفع به الباطرونات إلى المصانع لتركيب السيارات على طريقة شارلي شابلين في فيلم الأزمنة الحديثة. بعدها، حمل أبناؤه المشعل ليعانوا بدورهم العنصرية والتمييز في أبشع صورهما. لكن الجيل الثاني، الذي ازداد ونشأ في مدن إسمنتية، لجأ إلى العمل النقابي والسياسي، على النقيض من الرعيل الأول، لمناهضة الحكرة والتمييز؛ وسيكون رأس الحربة في المواجهة القادمة مع الشركة. الخلاصة أنه إذا كان إرسال «سيارة هولاند» يدخل في إطار «الريكلام» لفرنسا ف«بناقص»، ذلك أن «لحديد عطاه الله»، إن لم يلوث فهو يقتل أو «يرزي» جيوب المواطنين. المطلوب اليوم، على ضوء الزيارة التي قامت بها نيكول بريك، وزيرة التجارة الخارجية الفرنسية، للمغرب، غداة وصول «سيارة هولاند»، هو أن تدافع فرنسا عن المنتوجات المغربية في السوق الأوربية، وإلا فما على فرنسا سوى استرجاع السيارة الميمونة و«تحنيطها» في أحد المتاحف!