في الرابع عشر من يوليوز من كل عام، تحتفل فرنسا بعيدها الوطني. وتعود نشأة هذا الطقس إلى سنة 1880. وبمقتضى مرسوم مؤرخ ب6 يوليوز من نفس السنة، أعطيت، تبعا لقانون أقره مجلس الشيوخ، إشارة انطلاق هذه التظاهرة «احتفاء بالجمهورية وإحياء لروح فرنسا». طقس بنكهة لا تضاهيها في العالم سوى نكهة «الأنديباندانس داي» في الولاياتالمتحدة. وجاءت ترجمة هذه الرغبة الجمهورية، التي هي سليلة ثورة 1789، على شكل حفلات ومهرجانات تجعل من فرنسا حلبة للرقص، للأنس والبهجة. وقد خلد الرسام كلود موني هذا الحدث في إحدى لوحاته الشهيرة، كما تغنى الشعراء، أمثال فيكتور هيغو، برمزيته. مع التحولات التاريخية التي عرفتها فرنسا، أصبح لهذا الحدث، ليس فقط صدى محليا-وطنيا، بل عالميا أيضا، حيث يستدعى للاستعراض العسكري الذي يقام في جادة الشان إيليزيه بعض رؤساء وملوك الدول الصديقة، كما يحج الملايين من السياح الأجانب من أمريكا، اليابان، الصين، روسيا، لمشاهدة الاستعراض والمشاركة في حفلات الرقص على أنغام الأكورديون والتفرج ليلا على إطلاق الألعاب النارية في سماء باريس، قصر فيرساي، أو باقي المدن الفرنسية الكبرى. وتعتبر فرنسا سيدة هذه الألعاب التي ترافقها من على برج إيينا أو ساحة التروكاديورو، المطلة على برج إيفل، سينوغرافيا من الموسيقى والضوء تحول سماء باريس إلى شهب مزركشة بالألوان. هذا العام يحيي المغني جوني هاليداي بحضور صديقه الرئيس ساركوزي حفلا غنائيا تمهيدا لجولة وداعه النهائي لحلبة الفن. ومن المنتظر أن يحضر الحفل مليون متفرج. كما تقام في ساحة الباستي التاريخية حفلات راقصة يعاد فيها أداء ريبيرتوار المائة عام الأخيرة من الأغنية الفرنسية. فيما يقام على ضفاف نهر السين احتفاء بالأغنية التركية، وهو برنامج يندرج في إطار الموسم الثقافي التركي في فرنسا. ويعتبر المغاربة «موالين الحبة» من بين السياح الذين يفدون إلى باريس خصيصا للتفرج على نثر البارود هذا اليوم في سماء باريس يستغلون موسم التخفيضات، وخروج الباريسيين إلى عطلة الصيف، للتجوال في الشوارع والتسوق من المحلات الفاخرة والمتاجر الكبرى، وبالتالي الرقص على أنغام الأكورديون. أعرف واحدا منهم يحجز ستة أشهر قبل حفلة العيد الوطني مكانه في مطعم برج إيفيل المطل على ساحة إلقاء اللعب النارية، حيث تكلفه وصديقته وجبة العشاء ثمنا يغطي المصروف الشهري لأربع عائلات في المغرب، وذلك لمجرد إشباع نزوة تبذيرية. يتصرف هؤلاء الأشخاص وكأن فرنسا بلدهم والعيد الوطني الفرنسي عيدهم. في الوقت الذي لا تعني فيه الأعياد الوطنية في المغرب، شيئا يذكر بالنسبة إليهم. على نمط مغاير، نجد فصيلا من النخبة الفرنكوفونية المغربية «يجري بالريق الناشف» للحصول على دعوة حضور حفل العيد الوطني الفرنسي في إحدى القنصليات الفرنسية في المغرب، كمظهر من مظاهر التميز الاجتماعي. ثمة حضور قوي لهذا الحدث في متخيل هذه الأوساط، وفي ثنايا اللاوعي، تبقى فرنسا ثديا سخيا يغدق ويعطف بالكثير، هذا مع العلم بأن العديد من هؤلاء لا يحملون الجنسية الفرنسية. في أوساط بعض مغاربة المهجر بمختلف أجيالهم، من حملة الجنسية الفرنسية، يبقى عيد «الكاتورز جوييه» عبارة عن «نزاهة» في حدائق الشان دو مارس، لكن تحت برج إيفيل. مناسبة يلقون فيها حصيرة أو زربية على الكازون، يخرجون وجبات معدة مسبقا ومشكلة من «هبيرات» بالبرقوق وخيزو أو سندويشات «بيغ ماك»، ليختموها بقطعة لاباني! ولما تنفجر في السماء آخر باقة من الشهب ترافقها النوتات الفائرة لسيمفونية بيتهوفن التاسعة، يجمعون أغراضهم للعودة سالمين إلى ضواحيهم البئيسة. ولما تنطلق السيارة في اتجاه بوبيني، تتوجه محجوبة التي تحمل الجنسية الفرنسية والتي تعودت على هذا «البيكنيك» بهذه الملاحظة إلى زوجها: «هاذ الشي زين تبارك الله، ولكن الحراقية ديال عيشور عندنا حسن من هنا!».