تحتفل الولاياتالمتحدة اليوم الجمعة بعيد الاستقلال أو ما يسمى عيد الرابع من يوليوز، وهي مناسبة تجتمع خلالها الأسر الأمريكية على موائد الشواء، سواء في الحدائق الخاصة الملحقة بالبيوت أو في المتنزهات العامة، التي تُزيّن بالأعلام الأمريكية وبصور الآباء المؤسسين للدولة الفيدرالية، فيما يتم إطلاق الشهب الصناعية في الأحياء السكنية وعلى ضفاف الأنهار والشواطئ على الساعة التاسعة مساء. لاستقلال عيد «الرابع من يوليوز كما يسميه الأمريكان، هو تذكير بما حدث عام 1776 عندما وقّع ممثلو ثلاث عشرة ولاية أمريكية وثيقة الاستقلال عن بريطانيا ليتم تأسيس الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكل رسمي. غير أن ذلك أسفر عن اندلاع حرب طاحنة بين أمريكا وبريطانيا انتصر فيها الأمريكيون عام 1781 بعد معركة يوركتاون بولاية فرجينيا. ثم وقَّع الطرفان معاهدة فرساي سنة 1783 في فرنسا، وكانت المعاهدة بمثابة إعلان نهاية الثورة الأمريكية. وفي سنة 1787 وقّع المندوبون من جميع الولاياتالمتحدة الثلاث عشرة آنذاك على اتفاقية دستور البلاد التي تم التصديق عليها عام 1788. وللاحتفال بعيد الاستقلال أهمية خاصة لدى الأمريكيين، فهو العيد الوحيد الذي يحتفل به الأمريكيون كافة بغض النظر عن اختلافهم الشديد حول القضايا الداخلية أو الخارجية، وذلك بسبب تعدد الخلفيات السياسية والأيديولوجية للشعب الأمريكي بين الليبراليين واليساريين والمحافظين والمتطرفين والبيض والسود واللاتين وعدد كبير من المهاجرين من كل بقاع العالم. ثورة ضد الضرائب لا يحمل التاريخ القديم «نسبيا» للعلاقات بين الولاياتالمتحدة وبريطانيا سوى كل ما هو سيئ، فبعدما نجحت بريطانيا في تأسيس عدة مستعمرات في أمريكا الشمالية، تمتعت هذه المستعمرات في البداية بالحماية العسكرية البريطانية المباشرة مخافة من امتداد النفوذ الفرنسي إليها. وبعدما زال خطر النفوذ الفرنسي، وما تزامن معه من تنامي الإحساس بالكيان الجديد المكون من المستعمرات، اتجهت بريطانيا إلى فرض ضرائب لتزيد دخل الخزينة البريطانية بما يجعلها قادرة على تمويل حروبها الكثيرة، ومثل فرض المزيد من الضرائب عند الكثير من الأمريكيين حينذاك خطا فاصلا في علاقتهم مع بريطانيا. ومع استمرار غياب المشاركة الأمريكية في صنع القرارات التي تخص شؤون حياتهم اليومية، خاصة ما يتعلق منها بالضرائب، ظهر شعار «لا ضرائب بدون تمثيل نيابي» ومع تمسك الحكومة البريطانية بحقها في فرض الضرائب على مستعمراتها بهدف زيادة دخل الخزينة، (خصوصا ضريبة السكر، وضريبة الدمغة) بدأ الأمريكيون يتذمرون من ثقل الضرائب، وبدأت حركة ثورية ترى أن الشعب الأمريكي غير ملزم بدفع ضريبة لم يشارك في إقرارها عن طريق مجالسه المنتخبة. وكانت تلك النواة الأولى التي شكلت الثورة الأمريكية ضد الحكم البريطاني. حرب الاستقلال لم يستمر الوفاق بين الأمريكيين والبريطانيين طويلاً، فقد صدرت قوانين بريطانية جديدة تثير الغضب والاستياء لدى الأمريكيين، إلى درجة أن بريطانيا اضطرت إلى إرسال قواتها إلى كل من بوسطن ونيويورك لإخماد غضب المحتجين، حيث قتلت عددا من المواطنين في ما أصبح يعرف بعد ذلك بمذبحة بوسطن التي رد عليها الأمريكيون بالاحتجاج المعروف «ببوسطن تي بارتي». وعاقبت بريطانيا المتمردين بإغلاق ميناء بوسطن وزيادة سلطة الحاكم البريطاني وإجبار المستعمرين على إيواء وإطعام الجنود البريطانيين، فيما رد ممثلو المستعمرات البريطانية بتشكيل المجلس القاري الأول بفيلادلفيا والذي ضم ثلاث عشرة مستعمرة، أجبر بريطانيا على إلغاء القوانين القاسية التي سنتها آنذاك. وفي الرابع من شهر يوليوز سنة 1776، أعلن المجلس القاري الرابع الاستقلال عن بريطانيا مكونا الولاياتالمتحدةالأمريكية. لكن بريطانيا لم تستسغ ذلك الأمر فدخلت في حرب ضروس مع الأمريكان حتى انتصر هؤلاء بعد خمس سنوات متواصلة من القتال، وأعلنوا هزيمة بريطانيا سنة 1781 في معركة يوركتاون الشهيرة بولاية فرجينيا. ثم وقَّع الطرفان معاهدة فرساي في 1783 وكانت بمثابة إعلان رسمي عن نهاية الثورة الأمريكية، وقيام الولاياتالمتحدةالأمريكية بشكلها الفيدرالي. وفي عام 1787، وقع المندوبون من جميع الولاياتالمتحدة على اتفاقية دستور البلاد التي تم التصديق عليها في سنة 1788. ولادة الدستور من حسن حظ أمريكا أنها امتلكت شخصيات كبيرة في تلك اللحظة الحاسمة من بدء تاريخها، ومن بين هذه الشخصيات جورج واشنطن (بطل الاستقلال الأمريكي) وتوماس جيفرسون الذي ساعد جورج واشنطن كثيرا وكان شريكه في إعلان الاستقلال. شغل جيفرسون منصب ثالث رئيس للولايات المتحدة، لكن الأهم أنه كان العقل المدبر الذي شكل الفكر السياسي الأمريكي في هذه الفترة الحاسمة. وكان توماس جيفرسون من أكبر أنصار الديمقراطية والحرية، ومن إنجازاته شراء ولاية لويزيانا من نابليون بونابرت، وتأسيس جامعة فرجينيا. ويرى البعض أن تأثيره على سياسة الولاياتالمتحدة كان أعظم من تأثير أي زعيم سابق أو لاحق. وحتى هذا اليوم لا يزال شبحه يخيم على السياسة الأمريكية ولا تزال مبادئه تقود هذه الدولة، وغالبا ما يشار إلى الديمقراطية الأمريكية بالديمقراطية الجيفرسونية كدليل على ذلك. وأكد جيفرسون على مبدأي الحرية والديمقراطية اللذين تضمنتهما وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي. وترددت أصداء هذين المبدأين عبر القرنين الماضيين، وبفضل قوتهما أثرت الولاياتالمتحدة على الكثير من دول العالم. وتمتلك الولاياتالمتحدة أقدم دستور مكتوب في العالم، والدستور الأمريكي هو أكثر الصادرات الأمريكية شعبية وأقدمها. وصمم الآباء المؤسسون للولايات المتحدة دستوراً فريداً يقدس حرية الإنسان، وقد تم التأكيد فيه على مبدأ الحكومة الدستورية، التي أملوا في أن تنتشر فكرتها إلى أبعد من أمريكا. وأعتبر توماس جيفرسون الدستور مثالا قائما يجب أن تقتدي به الشعوب الأخرى. فكتب قائلاً: «من المستحيل ألا نشعر بأننا نعمل من أجل الإنسانية جمعاء». ولهذا تبنت العديد من دول العالم نماذج دستورية مقتبسة من الدستور الأمريكي، وخصوصا مبادئ مثل «كل الناس قد خُلقوا متساوين» وأن «خالقهم وهبهم حقوقاً معينة لا يجوز التفريط بها»، وكلها مبادئ كونية تنادي بالمساواة والحرية، غير أن أمريكا فشلت في تطبيق تلك المبادئ في مناسبات معينة من تاريخها... عيد الشواء ويعد عيد استقلال أكثر الأعياد شعبية لدى الأمريكيين، حيث يقترن بمآدب الشواء التي عادة ما تجمع أفراد الأسرة والأصدقاء على مائدة عامرة بأشهى الأطباق وخصوصا اللحم المشوي والمقبلات وحلوى التشيز كيك. ويعمد المواطنون إلى تزيين سياراتهم وواجهات محلاتهم وحتى أبواب منازلهم بالأعلام الأمريكية المميزة بنجومها الخمسين التي ترمز إلى عدد الولاياتالأمريكية. كما يلبس البعض قمصانا بيضاء يتوسطها الصقر الأمريكي المشهور بنظراته الحادة وجناحيه المفرودين، فيما يختار البعض الآخر ارتداء بناطيل جينز مزركشة بألوان العلم الأمريكي الحمراء والبيضاء والزرقاء. ويتبادل الأصدقاء والأهل الزيارات في هذا اليوم، وعادة ما يحملون بعض الأطباق الشهية كهدايا يضعونها على الموائد العامرة التي يتجمع حولها المُحتفلون بعيد الاستقلال للسمر والتهام أفخاذ الدجاج المشوية أو شرائح اللحم البقري أو أحيانا شرائح لحم الخنزير المدهونة بصلصلات خاصة... ولا يكتمل الاحتفال بالرابع من يوليوز سوى عند الساعة التاسعة ليلا عندما يخرج سكان الأحياء إلى الحديقة الجماعية للحي ويجلسون على كراسيهم البلاستيكية الصغيرة أو يفرشون فوطهم «الوطنية» التي تكون عبارة عن أعلام أمريكية، يحتسون كؤوس البيرة في انتظار إطلاق الشهب الصناعية. ويتميز عيد