مساء السبت، عقدت جماعة الإخوان المسلمين اجتماعا طارئا مهما لمكتب إرشاد ومجلس شورى الجماعة مجتمعين لبحث كيفية دعم المبادرات التي وعد بها رئيس الجمهورية في المائة يوم الأولى من رئاسته، وهي المبادرات الخاصة بالأمن والمرور ورغيف العيش والوقود والقمامة. وهو اجتماع كان يجب أن يعقد منذ اليوم الأول لتولي الدكتور محمد مرسي منصبه، إن لم يكن قبل ذلك، حتى تكون أمامه خطة واضحة لتنفيذ هذه المبادرات وهو يسابق الزمن لمواجهة تلال المشاكل التي أمامه.. لكن، حسنا أن الاجتماع قد عُقد، وأنه تم الاتفاق فيه على القيام بحملة واسعة لدعم المبادرات الخمس، تشارك فيها جميع القوى الشعبية والسياسية، على نحو ما ذكره بيانٌ قصير في نهاية الاجتماع. بعض المواقع الإخبارية ذكرت أن الاجتماع تناول أيضا «تحديد العلاقة بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان»، وهي علاقة لا بد أنها حساسة للغاية، إذ بينما يمثل الرئيس اليوم المصريين جميعا فالجماعة ملتزمة بدعمه وبذل كل الجهود لدعم برنامجه وإمداده بما تراه من مقترحات وملاحظات، دون أن تقحم نفسها عليه أو تتدخل في عمله.. الخيط الرفيع هنا هو ذلك الذي يفصل بين الدعم والتدخل.. وقد لاحظ كثيرون أن عددا من أقطاب الإخوان قد تعدوا في تصريحاتهم هذا الخيط، وهم يمطرون برامج ال«توك شو» كل ليلة بسيل من الأخبار، معظمها «مضروب»، عن الخطوات التي سيتخذها الرئيس، سواء في حلف اليمين أو تشكيل الوزارة، مما دعا السياسي البارز الدكتور حسام عيسى أن يبدي قلقه من أن يكون هناك استقلال حقيقي لمؤسسة الرئاسة، ويدعو رجال حزب الحرية والعدالة إلى أن «يحلّوا عن سم الرئيس». تقول الأخبار التي نشرتها بعض صحف يوم الأحد، نقلا عن مصادر في الاجتماع أيضا، إن جدول الأعمال تضمن بندين مهمين آخرين هما مواجهة خطة إفشال الرئيس وبحث تشكيل الحكومة والفريق الرئاسي، وإن بعض المجتمعين طرحوا اسم المهندس خيرت الشاطر، نائب المرشد، رئيسا للحكومة وبحثوا في كيفية تهيئة الرأي العام لتقبل هذا الطرح.. ولكنه ما إن ذاع الخبر حتى سارع عدد من المسؤولين في الجماعة إلى تكذيبه، بل ذهب أحدهم إلى نفي أن يكون الاجتماع قد تعرض أصلا إلى مناقشة ترشيحات لرئاسة الحكومة.. التشدد في النفي يثير الشكوك.. من حق الإخوان ومن واجبهم كذلك أن يعاونوا الرئيس الذي خرج من صفوفهم على اختيار رئيس حكومته بطرح الأسماء التي يرونها مناسبة عليه.. هذا أمر أعتقد أنه لا جدال فيه.. طرح اسم المهندس الشاطر هو الذي أثار الضجة، لأن ذلك لو صح فهو يعني أن الجماعة تحرض الرئيس على التراجع عن عهده في مؤتمر «الجبهة الوطنية لحماية الثورة»، الذي عقد يوم 22 يونيو قبل أن تظهر نتائج الانتخابات، بأن يكون رئيس الحكومة شخصية وطنية مستقلة من خارج حزب الحرية والعدالة، وبأن تشمل الحكومة وكذلك الفريق الرئاسي جميع التيارات الوطنية. لم يأبه الرأي العام لنفي الإخوان.. في المساء كان عالم «تويتر» و«فيس بوك» يتحدث عن رئاسة الشاطر للحكومة كما لو كان حقيقة واقعة.. شجع على ذلك، ولا شك، الغموض الذي يغلف ما يجري في قصر الرئاسة وما يتسرب من أخبار عن كون اختيار نواب للرئيس وتكليف رئيس للحكومة يواجه بعض العثرات.. الدكتور البرادعي كان مرشح الجبهة الوطنية من البداية، ولا شك أن قوى سياسية أخرى رشحته كذلك، إلا أن كل المقربين منه نفوا أن يكون قد تلقى اتصالا بهذا الشأن من الرئاسة.. تناولت الشائعات أيضا أسماء الدكتور محمد غنيم والدكتور حازم الببلاوي والدكتور حسام عيسى والدكتور فاروق العقدة، رئيس البنك المركزي، إلا أنهم جميعا نفوا أن يكون المنصب قد عرض عليهم.. وهناك من يرشح الدكتور أحمد جويلي، وزير التموين الأسبق، رئيس مجلس الوحدة الاقتصادية العربية السابق، وهو قامة لا تقل عن الشخصيات التي تلاحقها متابعات الصحافة. نحن الأعضاء في الجبهة نعرف تماما دورنا في هذا الخصوص.. نعرف أننا نقدم ترشيحات نعين بها الرئيس على حسم أمره، وإذا ما كنا قدمنا اسم الدكتور البرادعي فنحن نعرف أن أمام الرئيس خيارات أخرى، بل إن بعضنا تحفظ على البرادعي ذاته، وكنت منهم، ونعرف أن الرئيس لا بد أن يختار في النهاية شخصية يستريح للتعامل معها، فضلا عن اقتناعها ببرنامجه.. لكنني مع ذلك لا أذيع سرا إذا قلت إن القلق بدأ يساورنا من التأخر في اختيار رئيس الوزراء.. ولا شك أنه أمر يثير العجب أن تستمر حكومة الجنزوري في تسيير الأعمال إلى أجل لا نعلمه وكأن الثورة لم تستطع أن تخرج من رحمها رجلا قادرا على تشكيل الوزارة. وظني أن الإخوان المسلمين في حرج شديد والدكتور الجنزوري جالس على كرسيه بطلب من الرئيس، وهم الذين أشبعوه هجوما في برلمانهم وطالبوا بسحب الثقة منه.. لكن أن يصل الأمر اليوم حد طرح اسم المهندس خيرت الشاطر، مع كل التقدير لشخصه، مرشحا لرئاسة الحكومة حتى لو كان الخبر كاذبا، وأن يميل الجمهور العام إلى تصديق الخبر، وأن يصل الأمر حد رواج شائعات مفادها أن الرئيس نفسه سيتولى رئاسة الحكومة، وإن كان المتحدث باسم الرئاسة قد نفى الخبر، فهذا كله يعني أن هناك في كل الأحوال شعورا بأن الرئاسة تواجه أزمة في هذا الملف، وأن الإخوان ربما يكونون بالفعل قد هبوا لنجدة الرئيس بمرشح من لديهم.. لكن الأهم هو ما قد توحي به تلك الأخبار من أن الرئيس يمكن أن يحنث في عهده بأن يكون رئيس حكومته شخصية وطنية مستقلة، ويمكن أن يعيد دولة رجال الأعمال مرة أخرى. أنا أربأ بالرئيس أن يتراجع، ولكني أخشى عليه من أصفيائه ومن ضغوط على قادم جديد إلى القصر لا قِبَل له بها.. وأثق في أن الجبهة الوطنية ستظل تسانده ما ظلت بوصلته ثابتة في اتجاه الأهداف الستة التي أعلنت في 22 يونيو.. لكنني أتوجس بشكل خاص من تأخر الخطوات نحو تنفيذ البند الخامس منها، وهو «السعي إلى تحقيق التوازن في تشكيل الجمعية التأسيسية بما يضمن صياغة مشروع دستور لكل المصريين»، إذ إن الاتصالات التي أجراها مؤخرا المستشار الغرياني، رئيس الجمعية، مع بعض الأعضاء المنسحبين لا توحي بأن خطوات جادة تُتخذ في هذا الشأن، كما أن أحدا من أعضاء الجمعية المنتمين إلى حزب الحرية والعدالة لم يتقدم باقتراح في هذا الاتجاه، في الوقت الذي يتقدم فيه عمل الجمعية بشكل متسارع يوحي بأنها ستنتهي من مشروع الدستور قبل نهاية رمضان، وسط مناقشات مقلقة حول المادة الثانية الخاصة بالشريعة وإشارات تنذر بانسحاب ممثلي الكنيسة. إذا أضفنا إلى هذا تصريحات بعض من يمثلون تيار الإسلام السياسي التي تبتز الدكتور مرسي بالاعتراض على تولي الأقباط أو المرأة منصب نائب الرئيس، وإذا أضفنا أيضا الأخبار المتضاربة حول عرض المنصب على بعض الشخصيات المرموقة أو عدم عرضه عليها، فلا شك أن دواعي القلق تتزايد.. القلق من تباطؤ الحركة والقلق من تضاؤل الشفافية.. نعلم بأنه لم يمض على العهد الجديد سوى عشرة أيام فقط، لكننا نعلم أيضا بأنه لم يتبق سوى تسعين يوما ليس أكثر لتنفيذ برنامجه العاجل الذي تتربص به الشياطين والفراعين.