طالت مدة الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شرارتها في الولاياتالمتحدةالأمريكية وعجزت كل المحاولات المبذولة من طرف الحكومات الغربية لاحتوائها. في حين بقيت بعض المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي في عداد المتفرجين في ما يقع، في حين أن أول تعريف يعطى لك عندما تطأ رجلك صندوق النقد الدولي هو أنها مؤسسة الهدف منها الحفاظ على استقرار الأسواق المالية العالمية. وكم كانت ثقتنا –نحن سكان دول العالم الثالث- كبيرة في هذه المؤسسة التي أملت علينا برامج التصحيح الهيكلي في الثمانينات، فأدت «نصائحها» هذه إلى إفقار من أفقرت وإغناء من أغنت، في وقت عجزت فيه عن إصلاح هياكلها والتخفيف من عجز ميزانيتها. الأزمة المالية العالمية حاضرة بقوة اليوم في كل الملتقيات العالمية لأنها مست كل الاقتصاديات العظمى منها أو الصاعدة. أما المغرب فهو في مأمن ليس لأنه بدل جهودا لاحتواء الأزمة المالية العالمية، ولكن بصراحة لأنه غير مندمج لا من قريب ولا من بعيد في الأسواق المالية العالمية خصوصا والاقتصاد العالمي عموما. فهذا الكلام بديهي إلى حد الآن لأن الكل يعرفه، لكن لا أحد يريد الاعتراف به. وكمثال على عدم الاندماج نذكر على سبيل المثال لا الحصر نسبة الصادرات المغربية والتي تقدر ب0,11% في سنة 2006 باحتساب الفوسفاط والحامض الفوسفوري. أما إذا استثنينا صادرات المغرب من الفوسفاط والحامض الفوسفوري فإن هذه النسبة تنخفض إلى 0,09%، وهذا ما يسمى في الاقتصاد بافتراضية دولة صغيرة وغير مؤثرة في القرارات العالمية. صحيح أن الاقتصاد المغربي منفتح على الاقتصاد العالمي، إذا أخذنا بعين الاعتبار نسبة الصادرات والواردات مقارنة بالناتج الداخلي الخام والتي تتجاوز %60، وكذلك إذا أخذنا نسبة الاستثمارات الخارجية في المغرب ونسبة الرأسمال الأجنبي في الشركات الوطنية الكبرى. لكن هناك فرقا بين الانفتاح والاندماج: فإذا كانت للانفتاح معاييره، فإن الاندماج ليست له معايير باستثناء حالات نادرة، كما وقع في الأسواق العالمية الآن، والتي تكون تأثيراتها فورية في الاقتصاديات المندمجة عالميا. أما الاقتصاديات التي تدعي ذلك، فإنها في منأى عن هذه التأثيرات. فالكل يعلم أن العديد من الشركات العالمية الكبرى أفلست وسرحت عمالها وموظفيها. فهل هذه هي الحالة عندنا في المغرب؟ الجواب هو لا، لأن هذه الشركات لا تتوفر على فروع وأنشطة بالمغرب، كما أن ظاهرة المساهمة في الرأسمال والتي تزدهر بقوة في أمريكا وأوربا- هي ثقافة حديثة العهد عندنا في المغرب، وبالتالي فإن نسبتها ضعيفة بالمقارنة مع المساهمة المؤسساتية. لذا، فإذا قدر الله أن عرف السوق المالي المغربي أزمة فإنها ستكون ضعيفة على الأشخاص الذاتيين باستثناء بعض التسريحات. لكن، بالمقابل فإن تأثير الأزمة على القطاع الحقيقي سيكون ملموسا إذا أخذنا بعين الاعتبار تسريحات العمال في الدول الغربية والنقص في مداخيل هؤلاء العمال والذي سيؤثر سلبا على قوتهم الشرائية في بلدانهم. وهكذا، يمكن لصادراتنا أن تتضرر بفعل تقلص مشتريات المستهلكين الغربيين. كما أن بعض العمال المغاربة المقيمين بالخارج يمكن أن يتعرضوا للبطالة فتغيب عنا تحويلاتهم التي تساعد ذويهم –في بعض الحالات- على العيش في المغرب. وأخيرا، يمكن للسياحة المغربية أن تتضرر بفعل عدم قدرة المستهلك الغربي على التوفير لقضاء عطله خارج وطنه. وإذا عملنا بحكمة «مصائب قوم عند قوم فوائد»، فإننا يمكن أن نستفيد من الأزمة المالية وذلك بعرض خدمات في متناول السياح الذين ليس بمقدورهم الذهاب إلى الأسواق البعيدة واختيار المغرب كوجهة قريبة. وأظن أننا لن نكون سباقين لاستعمال هذا المعيار، لأن عامل القرب هذا سيراهن عليه العديد من الدول المنافسة في مجال السياحة كتونس ومصر وتركيا. بالإضافة إلى هذه النتائج الاقتصادية، هناك نتيجة اجتماعية قد يعاني منها المغرب هذه السنة. هذه النتيجة تكمن في تأجيل أو إلغاء العديد من حفلات الزواج التي يقوم بها أفراد الجالية المقيمة بالمهجر في نهاية السنة. ولتجنب كل هذه النتائج السلبية، يجب الانكباب في التفكير في بعض الحلول التخفيفية في انتظار حل عالمي للأزمة.