سبتة ترفض مقترحا لحزب "فوكس" يستهدف المهاجرين والقاصرين    اتحاد طنجة لكرة القدم الشاطئية يتأهل إلى مرحلة البلاي أوف من البطولة الوطنية    فتح تحقيق في محاولة تصفية مدير مستشفى سانية الرمل تطوان    الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل سيدخل حيز التنفيذ فجر الأربعاء    الأمن يحبط عملية بيع حيوانات وزواحف من بينها 13 أفعى من نوع كوبرا في الناظور ومراكش    العلمانية والإسلام.. هل ضرب وزير الأوقاف التوازن الذي لطالما كان ميزة استثنائية للمغرب    عصبة الأبطال.. الجيش الملكي يهزم الرجاء بعقر داره في افتتاح مباريات دور المجموعات    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البقيوي: إصلاح القضاء لا يمكن أن يتم بدون ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم
قال ل«المساء» إن الفساد موجود في منظومة العدالة ككل من محضر البوليس إلى حكم القاضي
نشر في المساء يوم 30 - 06 - 2012

اعتبر عبد السلام البقيوي، نائب نقيب هيئات المحامين بالمغرب، أن الوضع السياسي العام
بحاجة إلى إصلاح جذري وعميق، كما أن إصلاح القضاء يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وأنه في غياب الإرادة السياسية الحقيقية فإن أي حوار وأي توصيات متمخضة عنه ستبقى حبيسة الرفوف. وأضاف البقيوي أن الإرادة السياسية تأتي من حكومة قوية كسبت ثقتها من صناديق الاقتراع ومسؤولة أمام البرلمان، معتبرا أن حكومة بن كيران لا ينطبق عليها هذا الوصف. وتطرق البقيوي إلى انسحاب جمعية هيئات المحامين من جلسة الحوار، كما وجه رسالة مباشرة إلى وزير العدل.
- لو سألناك، بصفتك مواطنا عاديا، عن حملة إصلاح القضاء، هل ستكون متشائما أم متفائلا؟
بصفتي مواطنا لابد أن أؤكد بأن المواطن المغربي فقد الثقة في الإصلاحات بالنظر إلى تجربته مع قطاعات أخرى. لذا لا بد أولا من استعادة ثقة المواطن الذي يجب أن يرى أشياء ملموسة وليس فقط شعارات ترفع في كل وقت وحين. فعندما يتعلق الأمر بمنظومة العدالة، يجد المواطن أن الفساد مستشر في كل مجالات الحياة، ووصل إلى القضاء والمحاماة وأجهزة الشرطة وكتابة الضبط والمفوضين القضائيين والخبراء...، أي أنه طال كل مكونات العدالة.
المواطن يسمع الآن خطابات فقط ولا يرى أي خطوات عملية كسرعة التبليغ والتنفيذ وجودة الأحكام، ولذلك لا يعرف ما إذا كانت خطابات الإصلاح وهمية أم أنها فعلا تهدف إلى الإصلاح، وهنا يأتي دور ذوي الشأن من محامين ومسؤولي قطاعات القضاء وتمثيليات رجال القانون، هؤلاء هم من يستطيعون إعطاء نوع من المصداقية لوعود الإصلاح.
- ألا ترى أي إشارات قوية تدعو إلى التفاؤل بهذا الصدد؟ ألا يمكننا أن نعتبر أن اعتقال قاض كان إشارة مهمة؟
أولا، إصلاح القضاء لا يتم عبر الإشارات. وبخصوص حالة القاضي الذي تم اعتقاله، لا تزال إلى الآن معالمها مجهولة، ويبقى مصيرها بيد القضاء وحده، ويجب أن نبتعد عن أي تعليق قد يسقطنا في الخطأ نفسه الذي وقع فيه وزير العدل، الذي أعطى تصريحات لوسائل الإعلام والبرلمان، والقضاء ما زال لم يقل كلمته في القضية. ونحن في جمعية هيئات المحامين سبق أن أصدرنا بيانا بهذا الخصوص طالبنا فيه بتمتيع القاضي بشروط المحاكمة العادلة، كما أكدنا على قرينة البراءة، واعتبرنا عدم تمكين دفاعه من نسخ المحاضر بأنها بداية المس بشروط المحاكمة العادلة.
- لكن القاضي ليس له امتياز عن باقي المواطنين.
نحن لم ندافع عن القاضي كشخص، وبياننا دفاع عن القانون وليس عن القاضي، وقد طالبنا بمحاكمته كأي مواطن. كما كنا نحث على تنزيل المبدأ الدستوري القاضي بأن الأصل هو البراءة، غير أن اعتقال القاضي احتياطيا جعل الاتهام هو الأصل.
- هناك حديث كثير عن إصلاح القضاء في عهد الحكومة الحالية، ألم تكن في السابق محاولات جدية لإصلاحه؟
قضية إصلاح القضاء ليست رهينة اللحظة، وعمل جمعية هيئات المحامين بالمغرب في مجال إصلاح منظومة العدالة بصفة عامة والقضاء بصفة خاصة ليست وليدة اليوم، حيث إن إطارنا لديه تراكمات منذ عقود، وبالضبط منذ سنة 1962، وتوصيات وبيانات الجمعية خير شاهد على ذلك.
- لكنها كانت مجرد دعوات نظرية ولم تكن هناك متابعات حقيقية.
كانت هناك دعوات وتقديم مذكرات لوزارة العدل وللوزارة الأولى بصفتها السلطة التنفيذية. كما كنا نركز على دور القضاء في حماية الحقوق والحريات وبناء دولة الحق والقانون، غير أننا كنا ولا زلنا نرى أن إصلاح القضاء لن يكون معزولا عن الإصلاح السياسي العام وإلا سنكون واهمين. لذلك طالما أكدنا على أن إصلاح القضاء رهين بالتعديلات الدستورية والإصلاحات السياسية وتوفر الإرادة السياسية الحقيقية. وكل معالجة للموضوع خارج هذا الربط تعتبر معالجة محدودة النتائج، ولن تجلب سوى المزيد من التأزيم وتفتح الباب على العديد من الاحتمالات غير محمودة النتائج.
- هل يعني هذا أن تسرب الفساد إلى القضاء جاء نتيجة فساد السياسة؟
طبعا، فالوضع السياسي العام بحاجة إلى إصلاح جذري وعميق. كما أن إصلاح القضاء يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن مصير توصيات مجموعة من المناظرات الوطنية مثل التعليم والإعلام وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة المصادق عليها من طرف الملك. هذا أبرز دليل على أنه في غياب الإرادة السياسية الحقيقية فإن أي حوار وأي توصيات متمخضة عنه تبقى حبيسة الرفوف.
- ومن أين يجب أن تأتي هذه الإرادة السياسية؟
الإرادة السياسية تأتي من حكومة قوية كسبت ثقتها من صناديق الاقتراع، حكومة تكون مسؤولة أمام البرلمان.
- وهل ينطبق ذلك على حكومة عبد الإله بن كيران؟
حاليا لا ينطبق عليها ذلك إطلاقا، لكون الحكومة لا تتوفر على كافة السلط، في غياب فصل حقيقي للسلط، والذي لن يتأتى إلا في إطار ملكية برلمانية يسود فيها الملك ولا يحكم. وهذا ما أكدناه في مؤتمر الجمعية السابع والعشرين في بيانه الختامي. وهنا لا بد من التنبيه إلى أن هذا البيان صودق عليه بالإجماع وتبناه ما يزيد عن ألف محام مغربي، ومن بين المؤتمرين آنذاك نجد وزير العدل الحالي، الذي سجل تحفظه على نقطتين، الأولى متعلقة بسمو المواثيق الدولية على الدستور، وتحفظه الثاني كان على صيغة إعفاء المحامين من الضرائب في فترة إضرابات كتابة الضبط، حيث اقترح أن يكتفي المحامي بعدم التصريح بالضرائب فقط.
- دائرة إصلاح منظومة العدالة تبدو كأنها منحصرة بين وزير العدل والقضاة، في حين أن المحامين يظهرون كأنهم متوجسون من الأمر.
دور المحامي في الإصلاح دور محوري، غير أننا نرى أن الحديث عن إصلاح القضاء لا يمر إلا عبر تخليق منظومة العدالة، بما في ذلك محاربة الفساد والرشوة، وهذه هي المعضلة الأساسية التي يكتوي بنارها المتقاضي، وهي الوصمة التي تلتصق بالقاضي النزيه والمحامي النزيه، فلا بد أولا من إيجاد وتفعيل ميكانيزمات لمحاربة الرشوة، وإلا سنكون واهمين في أي إصلاح.
- تهم الفساد تُوجه إلى المحامين أيضا.
لدينا الشجاعة أن نعترف بذلك ونؤمن بالنقد والنقد الذاتي، وذلك ما تفتقده بعض مكونات منظومة العدالة مع الأسف. غير أن المعضلة هي عندما تُرفع شكاية ضد أحد الدخلاء على المهنة ويتخذ مجلس الهيئة قرارا تأديبيا في حقه، فيلجأ إلى الطعن بالاستئناف، وفي غالب الأحيان يُلغى القرار التأديبي، وقد قامت عدة هيئات باحتجاجات ضد ذلك، كهيئة المحامين بآسفي وهيئة بني ملال، التي راسلت جميع المسؤولين، وكذا الديوان الملكي، حول هذا الأمر ولم تتوصل بأي جواب.هذه معضلة لأنها تسلب الهيئة دورها في محاربة الفساد وتخليق المهنة.
- وكيف نحمي القضاء من الفساد؟
عندما نطالب بتخليق القضاء، فالأمر مختلف عن المهن الأخرى، بحكم أن القضاء هو الملجأ الأخير للمظلوم، وعندما نتحدث عن استقلال القضاء لا بد أن يكون القاضي نفسه مقتنعا باستقلاليته، وأن يرفض الأوامر رفضا باتا، وأن يتصف بالجرأة التي تجعله يدافع عن استقلاليته أمام أي كان، والدستور الحالي يسعفه، بل يحمله مسؤولية تبليغ السلطة القضائية المتمثلة في المجلس الأعلى للسلطة القضائية، في حال المس باستقلاليته.
- لكن بالإضافة إلى قضية التعليمات، نجد أيضا «قطار الذهب» الذي يمر يوميا أمام القاضي.
هذا أمر مهم جدا، فإذا عدنا إلى أدبيات جمعية هيئات المحامين بالمغرب نجد أنها حملت على عاتقها دور الدفاع عن الوضعية المادية للقاضي منذ الستينيات، حتى قبل تأسيس الودادية الحسنية للقضاة أو نادي قضاة المغرب. فإلى حدود الآن لا زال الملحق القضائي يتقاضى 4000 درهم، وبعض القضاة يتقاضون 8000 درهم، في حين أن القاضي لن يكفيه حتى مبلغ 15000 درهم، علما أنه محروم من عدة أشياء متاحة للمواطن العادي، كالتنقل عبر الحافلة، والجلوس في مقهى شعبي، بل لا يمكنه حتى أن يقطن في حي شعبي، لذلك كنا دائما الصوت الذي يدافع عن المصالح المادية للقاضي قبل الدفاع عن مصالحنا كمحامين.
- لكن الفساد يبدأ في كثير من الأحيان من محاضر الشرطة.
لهذا السبب أتحدث عن ضرورة إصلاح منظومة العدالة ككل، وليس القضاء فقط، فالفساد موجود في مكونات المنظومة جميعها، بما فيها المحاماة، حيث إن بعض المحامين احترفوا تضليل العدالة ضدا على دورهم المتمثل في مساعدة القضاء. كما نتحدث أيضا عن الشرطة التي تزور المحاضر وتلفق التهم، بل إن الفصل 290 يلزم القاضي بالأخذ بمضمون المحضر إلى أن يثبت العكس، والذي يتم توقيعه في غياب المحامي. إن التركيز على القاضي مرده أن لديه وظيفة أخرى هي تخليق الحياة العامة. وهنا نحث على دور قنوات التنشئة الاجتماعية في إصلاح القضاء، انطلاقا من الأسرة والمدرسة والإعلام، لأن طفل اليوم هو قاضي ومحامي وضابط الغد.
- في البلدان التي تعرف انتقالا ما بين مرحلة الاستبداد في الحكم ومرحلة أقل سوءا، مثل إسبانيا والشيلي وبلدان أوروبا الشرقية وغيرها، عادة ما تأخذ العدالة دورا محوريا في رسم معالم المستقبل. هل حدث هذا في المغرب؟
هناك من يعتقد بأن دور القضاء لا يتجاوز الفصل في النزاعات بين المواطنين، وهذا خطأ، بل للقضاء دور هام في بناء دولة الحق والقانون وحماية الحريات بجميع أنواعها. لكن للأسف، لعب قضاؤنا دورا سلبيا تمثل في تصفية الحسابات السياسية لفائدة السلطة ضد معارضيها، وكان سيفا مسلطا على الصحافة الحرة الشريفة بإسكاتها عن قول الحق، وتشهد على ذلك الأحكام المتوالية التي تطال الصحف التي لا تسير وفق خط معين.
وفي تحليلي الخاص، أعتقد أن مرد ذلك إغراق القضاء بعد الاستقلال ببعض القضاة المؤهلين لتلقي التعليمات والأوامر، ومن هنا تفشت ثقافة التعليمات والأوامر لدى بعض القضاة حتى صار بعضهم يرضي أطرافا معينة حتى لو لم تصدر أي تعليمات في الموضوع. لكن هذا لا يجعلنا ننسى القضاة الشرفاء مثل الراحل محمد الحضري، الذي كان قاضيا بطنجة، والذي أصدر أحكاما جريئة في فترات حساسة، كأحداث 1981، وهي أحكام تحدى فيها ما يسمى بالمخزن.
- في كثير من الدول نرى قضاة يتحولون إلى نجوم بفعل أحكامهم الجريئة، مثل القاضي بالتثار غارسون في إسبانيا. لماذا لا نرى في المغرب قضاة من هذا الطراز؟
هذه ثقافة. ورغم ذلك لدينا قضاة تستحق مواقفهم وأحكامهم تسليط الضوء عليهم أكثر من الأمثلة التي ذكرت، إلا أنهم يظلون مجهولين.
- هل هي مسألة انتقاص وتبخيس من قيمة القاضي المغربي؟
الإصلاح يجب أن يكون شموليا، والقاضي الذي يهمه إصلاح القضاء يجب ألا يلتفت إلى أي منصب أو ترقية، بل عليه أن يؤمن باستقلاليته وكفى. ويجب ألا ننسى أن انتفاضة المجتمع مستمرة، وتبعات الربيع العربي والمغربي يجب أن لا تسقط من تحليلنا. كما يجب ألا ننسى دور حركة 20 فبراير، التي كان لها الفضل في فضح الفساد، رغم أن دورها لم يعد متوهجا كما كان، بسبب ما يروج له الآن من تضليل حول أن المغرب قطع مع الفساد ووصل إلى الإصلاح المنشود بعد خطاب 9 مارس أو دستور 31 يوليوز. ولهؤلاء نقول إن الإصلاح لا ينتهي، رغم ما نلمسه من بعض الإيجابيات المحدودة في الدستور الجديد المتعلقة بحماية حقوق الإنسان وتنصيصه على السلطة القضائية ومنح دور معين للمجتمع المدني.
- لنعد للحديث عن جمعية هيئات المحامين، وبالضبط حول مسألة خروجكم من هيئة إصلاح القضاء. ما هي دوافع خروجكم؟ وما هي شروطكم للعودة؟
موقفنا كان حوله تعتيم حتى من بعض زملائنا الذين يريدون أن يلعبوا دور المؤسسات، رغم كونهم خارج مؤسسات المحامين التي نحترمها، والمتمثلة في النقيب وفي المجالس ومكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب. وبالتالي أي موقف خارج عن هذه المؤسسات لا يعبر إلا عن رأي صاحبه.
القرار الذي اتخذته جمعية هيئات المحامين بالمغرب هو قرار مسؤول، عكس ما ذهب إليه أحد النقباء السابقين والممثل في الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة، الذي بوصفه قرار الجمعية بغير المسؤول يكون قد وصف زملاءه في مكتب الجمعية من نقباء ممارسين، ومن ضمنهم نقيب هيئته وباقي النقباء السابقين والأعضاء المنتخبين بمكتب الجمعية، بانعدام المسوولية.
- ولكن، بصفتكم محامين، لديكم بالتأكيد سعة صدر أمام الرأي المخالف.
نحن نحترم حرية الرأي، كما علمتنا مهنة المحاماة، لكن لا بد من ضبط المصطلحات، فوصف القرار بغير المسؤول فيه تبخيس لمن اتخذوا هذا القرار. ما يحدث هو العكس، فنحن واعون بالمسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقنا، ومكتب جمعية هيئات المحامين يضم 17 نقيبا ممارسا، بالإضافة إلى 9 نقباء سابقين وأعضاء مجالس الهيئات، والقرار اتخذ بالإجماع.
ما يجب أن يفهمه الرأي العام هو أن أجهزة الحوار الوطني حول منظومة إصلاح العدالة ثلاثة، هي: الهيئة العليا للحوار الوطني المنصبة من طرف الملك، والتي لدينا ملاحظات حول تشكيلتها، وهيئة الحوار الوطني، والمناظرة الوطنية. وهناك بعض الآليات كآلية الاستماع. إننا لحد الآن لم ننسحب من الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة لأن الحوار حول منظومة العدالة كان دائما من صلب مطالبنا واهتماماتنا. إن انسحابنا تم من هيئة الحوار الوطني، التي تضم 164 من جمعيات المجتمع المدني، وليس لها أي اختصاص أو أي دور استشاري، أي أنها خلقت لإيهام الرأي العام والمجتمع المدني بإشراك الجميع في الحوار، لكن العكس هو ما يحصل، فكل ما تقوم به هو حضورها الندوات الجهوية، كما أن تمثيلية الجمعية لا تتعدى شخصا واحدا، فمثلا جمعيتنا التي تضم 17 هيئة (حوالي 12000 محام) لديها ممثل واحد، والنقباء غير ممثلين والمجالس غير ممثلة.
لقد برمجت الهيئة العليا للحوار الوطني تسع ندوات جهوية، ستتناول تسعة مواضيع مختلفة، وكل جهة ستناقش موضوعا في معزل عن الجهة الأخرى، وفي هذه الندوات يشارك أكثر من 300 شخص، حيث يتم عرض مجموعة من العروض، ثم يمنح لكل متدخل دقيقتان إلى خمس دقائق. فهل هذا ما يمكن أن نسميه حوارا؟ إننا نقول، ونحن نتحمل مسؤولية هذا الكلام، إن عقد الندوات بهذه الطريقة لن يفيد إطلاقا في الإصلاح، وما هو إلا إهدار للمال والوقت والجهد، لأن الإصلاح لا يكون بالندوات وبأساليب يطغى عليها الجو الرسمي والاحتفالي.
- ولكنكم، أنتم المحامين، تعقدون أيضا ندوات ومن خلالها تنادون بالإصلاح. فكيف لا يسري عليكم ما يسري على وزارة العدل؟
نحن نعقد ندوات ومناظرات وطنية ونتناظر فيما بيننا، ومناظراتنا ليست حوارا وطنيا بين مكونات العدالة والمجتمع المدني. كما أن مؤتمرينا يوزعون على لجان عدة، كل واحدة تخرج بمقترح توصيات يدرسها مكتب الجمعية ويحيلها على الجلسة العامة للمصادقة أو عدم المصادقة.
- ألا تتخوفون من أن هذا الانسحاب وهاته التجاذبات قد يؤديان إلى عملية انشقاق تنسف تماسك الجمعية؟
هذا الأمر غير وارد إطلاقا لأن القرار اتخذ بإجماع أعضاء مكتب الجمعية، ولا يمكن لأي طرف أن يكون بديلا لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، بالنظر إلى تاريخها ومواقفها وقراراتها المسؤولة. وكل محاولة من هذا النوع ستبوء بالفشل، فنحن جمعية ديمقراطية مكونة من النقباء الممارسين لكافة هيئات المغرب ومن أعضاء منتخبين من مجالس الهيئات بالمغرب، ولسنا هيئة معينة، وقراراتنا تتخذ بكيفية ديمقراطية. وهذا هو سر قوتنا.


جمعية هيئات المحامين لم يتم إشراكها في أي مشروع من مشاريع الإصلاح
- لو اعتبرنا أن انسحابكم رسالة موجهة إلى وزير العدل، ما نوع ومحتوى هذه الرسالة؟
لا بد من امتلاك الشجاعة للإقرار بفشل سياسات الإصلاح السابقة، ويجب أن نجيب بصراحة عمن يكون المسؤول عن هذا الفشل. أليسوا هم المسؤولين المركزيين في وزارة العدل؟ فكيف يعودون جميعا ليأخذوا أماكنهم من جديد في الهيئة العليا لإصلاح منظومة العدالة؟
باختصار، نحن لن نوقع أي شيك على بياض، ولا يمكن لأي كان أن يؤثث بنا مشهده، وقد قرر مكتب الجمعية الدعوة إلى عقد مناظرة وطنية حول إصلاح منظومة العدالة حتى نخرج بقرار نهائي وديمقراطي فيما يخص باقي مؤسسات الحوار، أي الهيئة العليا والمناظرة الوطنية، وفي غضون شهر أكتوبر سنعقد مناظرتنا التي ستمثل فيها جميع مجالس الهيئات بالمغرب، حتى تصدر توصياتها التي ستستأنس بها الجمعية في تقديم مذكرتها النهائية أو في اتخاذ القرار النهائي.
- لكن وزارة العدل أصدرت بيانا حول انسحاب جمعية هيئات المحامين بالمغرب من الحوار الوطني.
لست مخولا من طرف مكتب الجمعية للتعليق على بلاغ وزارة العدل لأن للجمعية أجهزتها، ومع ذلك ورفعا لكل لبس، لابد من توضيح بعض الأمور التي تناولها، وخاصة ما يتعلق بإشراك مكتب الجمعية السابق، الذي كان لي شرف رئاسته في مبادرة الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة.
في البداية ينبغي التمييز بين الإشراك والإخبار. ويبدو أن بلاغ وزارة العدل اختلط عليه الحابل بالنابل، فنحن في بياننا نتحدث عن الإشراك الحقيقي، تنفيذا لاتفاقية الشراكة التي تربط جمعية هيئات المحامين بالمغرب بوزارة العدل. بمعنى أوضح، الإشراك الذي نتحدث عنه هو الإعداد المشترك لكل ما يتعلق بالإعداد للحوار الوطني.
جاء في بلاغ وزارة العدل أنها راسلت رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب وبعثت إليه بمشروع منهجية الحوار ودعته إلى تقديم ملاحظات الجمعية حوله، وأقول فعلا لقد توصلت كرئيس للجمعية بمشروع منهجية الحوار مؤرخ في 14- فبراير 2012 وطلب منا تقديم ملاحظاتنا في الموضوع قبل 28 فبراير 2012 وعممته على كافة أعضاء مكتب الجمعية لإبداء ملاحظاتهم حوله، ونوقش هذا الموضوع في اجتماع المكتب المنعقد في ضيافة هيئة المحامين بتطوان. وأول ما لاحظه المكتب هو عدم إشراكنا في إعداد مشروع هذه المنهجية. ثانيا، عدم منحنا الوقت الكافي لإبداء الملاحظات، الأمر الذي يتكرر دائما في تعامل الوزارة مع الجمعية. ثالثا، لم يتم حتى إخبارنا حول مخطط موضوع إصلاح منظومة العدالة، الذي كانت الصحف الوطنية تتناوله بالتفصيل، فقرر مكتب الجمعية طلب عقد لقاء مع وزير العدل والحريات لدراسة مجموعة من القضايا، من جملتها الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة واستقلال القضاء، وتشرف السيد الوزير بلقاء مكتب الجمعية بتاريخ 07-03-2012، وفي هذا اللقاء بسطنا أمامه كل هذه الملاحظات، وأكدنا له بأننا لا نعطي أهمية كبرى للمنهجية، وما يهمنا هو صلب موضوع إصلاح منظومة العدالة، وأن مشروع إصلاح القضاء تم توزيعه على البعض ويناقش على صفحات الجرائد في غيابنا، وأنه كان يتعين على الوزارة إشراكنا في إعداد هذه المشاريع، أو إخبارنا على الأقل، فوعدنا بإرسالها ولم يف بوعده مع الأسف. وفي نفس الاجتماع، وفي النقطة المتعلقة باستقلال القضاء، أكدنا للسيد الوزير ضرورة الإسراع بتنزيل القوانين التنظيمية المتعلقة بالسلطة القضائية واستقلالها وتجسيدها في الواقع، وذلك بالكف عن التأثير على القضاء، إما بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن ضمنها التصريحات الصادرة عنه بعد اعتقال أحد القضاة بطنجة.
يتبين من خلال هذه الوقائع، المسجلة في محضر الجمعية الموقع من طرف كاتبها العام النقيب الأستاذ مصطفى أسندال، بأن جمعية هيئات المحامين بالمغرب لم يتم إشراكها وباقي مكونات منظومة العدالة في أي مشروع من مشاريع الإصلاح، وأن إعداد جميع هذه المشاريع، سواء المتعلقة بالمنهجية أو بمخطط الإصلاح، هيمنت عليها وزارة العدل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.