قبل أيام نشرنا، ضمن ركن «تحقيق الأسبوع»، تحقيقا بعنوان «مافيا للاستيلاء على عقارات الأجانب وضمنها قضاة ومحافظون». ارتكز التحقيق على عشرة ملفات تكشف خيوطا تقود إلى حقيقة وجود شبكات متخصصة في الاستيلاء على عقارات في عدة مدن مغربية، خاصة الدارالبيضاء. تكون الطريقة اصطناع وثائق واختلاق مالكين أجانب وهميين لهذه العقارات وصناعة سيناريوهات قانونية محبكة واستصدار أحكام قضائية والحصول، في نهاية المطاف، على قروض بنكية بضمانة عقارات إما وهمية أو مزورة.. إثر نشر التحقيق، وقع ما يشبه الرجّة في أوساط من يهمّهم الأمر، في الدارالبيضاء تحديدا. تناقل قضاة ومحامون وموظفون عموميون ومحافظون عقاريون الأنباء بينهم. فهؤلاء كلهم يعرفون بعض خبايا هذا الملف الضخم، الذي قاد شخصيات نافذة إلى الهاوية، بينما ما يزال آخرون واقفين عند حافتها، في انتظار دفعة تُسقط الجميع.. تحركت الأيادي التي ستتكفّل بهذه الدفعة قليلا بعد نشر التحقيق. فُتحت ملفات من جديد وظهرت أخرى إلى الوجود. استقبل وزير العدل والحريات محامين أجانب ينوبون عن ضحايا وموثقين أجانب، أيضا، استعملت أختامهم وبياناتهم في عمليات تزوير. قال الوزير: «لن أقول إنني سأعيد إليكم حقوقكم بنسبة 60 أو 70 في المائة، بل مائة في المائة».. بدورنا، تتبعنا الملف، أو الملفات. عددها كثير. رائج بعضها أمام المحاكم، وأخرى بين أيدي الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي تولت مهمة التحقيق في الملف بعد سحبه من أيدي الفرقة الولائية الجنائية. ملفات أخرى لم تظهر بعد. أشخاص نافذون جدا يعلمون بتفاصيلها. بعضهم متورطون فيها ويديرون خيوطها من بعيد. في الوقت الذي كانت تونس، على سبيل المثال، قد حمَت رصيدها العقاري وتفاوضت مع أجانب، كانوا معمّرين في الأغلب، عبر وزارة الخارجية، لاقتناء عقاراتهم، لم يقم المغرب بشيء من هذا القبيل. ظلت عدة عقارات دون مالك.. باب ظل مفتوحا فدخله أفراد شبكة غاية في التعقيد، استولوا على ما يزيد على 100 عقار في الدارالبيضاء لوحدها. ولم يكتب لملفات هؤلاء أن تحلّ عبر القضاء. نفتح اليوم بعض الملفات، بموضوعية وتجرد، لأول مرة في وسيلة إعلام. نبسط الحقائق انطلاقا من ملفات كاملة نتوفر عليها، دون سوء ظن أو اتهام. وقبل البدء، إليكم خريطة الطريق للوصول إلى حقيقة أضخم ملفات فساد عقاري وعدلي وأمني في الدارالبيضاء و في المغرب ككل.. من ضمن عشرات الملفات التي حصلنا عليها، نعرض بضع ملفات. كنا قد عرّجنا، في التحقيق المنشور قبل أيام، على عشرة ملفات. في هذا الملف نورد عشر ملفات أخرى، وهي ملفات تتوزع بين قضايا استيلاء على عقارات ضمن أملاك الدولة، تخص الأملاك المخزنية أو الجماعية أو الفلاحية... وملفات أخرى تتعلق بأملاك الخواص. الملفات العشرون سالفة الذكر هي بعض من قرابة 100 ملف أخرى. من خلال هذه الملفات العشرة، سنكتشف طرقا غاية في الدهاء للاستيلاء على عقارات والاحتيال على الجميع وصناعة مئات الوثائق، أغلبها متشابهة وصادرة عن نفس الجهات، تشير إلى عقارات وهمية، والأكثر من ذلك أن هذه العقارات، التي لا يكون بعضها موجودا إلا على الورق، هي عقارات يجري تسجيلها وتحفيظها وحتى الحصول على قروض بنكية ضخمة بضمانها، رغم أنها قد تكون وهمية أو مملوكة، في الحقيقة، للدولة أو لآخرين. هذه الطرق، كما سترون، يصعب أن يصدقها عقل أو تخطر على بال. ونحن نكشف هذه الطرق، سنكتشف أمورا غريبة، وأسماء تتكرر باستمرار، بينها اسما «نيري آنا ماريا» و«بيرليوني أليسيو»، فضلا على تفاصيل دقيقة للغاية لعمليات تحوم حولها شبهة الزور. أسماء قضاة ومحامين وموظفين عموميين مكلفين بالمصادقة على صحة التوقيع على الوثائق وموثقين وخبراء ترجمة محلفين وبائعين ومشترين وموكلين و.. و.. تتكرر أيضا على طول هذه الملفات. أشخاص واردة أسماؤهم في عقود بيع، جلها عرفية، تختلف أسماؤهم وتتوحد تواريخ ميلادهم.. آخرون تجد أسماءهم في ملف بمعلومات هوية وفي ملف آخر بمعلومات أخرى.. هل كل ذلك محض أخطاء عفوية؟ هل هذه الأمور كلها صدف؟ هل يحدث أن يقع موثقون وموظفون عموميون ومحامون في أخطاء فظيعة من هذا النوع؟ والأدهى أن يكرروا نفس هذه الأخطاء؟ كيف يمكن أن يصدر قضاة أحكاما ويخرج محافظون عقاريون شواهد ملكية ويوقع مدراء أبناك على قروض ضخمة وتقبل الجماعة الحضرية دفع غرامات مالية بالملايير بناء على وثائق وعقود معيبة؟.. والسؤال الأكبر: كيف لا ينظر القضاء، أو بالأحرى يتقدم أماما، في كل هذه الملفات التي يعرفها رجال عدل وأشخاص نافذون أكثر مما يعرفون أبناءهم؟ تمكّنّا من التسلل، على مدى أيام طويلة من التحري، بين ثنايا أخطر شبكة للتزوير في المغرب. من ثغرات وأخطاء قاتلة في ملفات دخلنا لنكشف طريقة لعب غاية في المكر والدهاء. ما من معلومة أو جملة واردة في هذا الملف إلا وهي مستندة إلى وثيقة. قارب عدد هذه الوثائق ال200. قبل البدء، نتفق معكم على قواعد اللعبة.. القاعدة الأولى: الأشخاص المشار إليهم في هذا الملف، والذين يظلون بريئين حتى يثبت القضاء إدانتهم، هم كثر، يتحركون بشكل ماكر، محليا ووطنيا ودوليا. نقتصر، الآن، على خمسة منهم، مع اختيار أسماء مستعارة لهم وهي: «كمال» و«حميد» و«جمال» و«زهير» و«نور الدين».. هؤلاء هم الذين يلعبون الأدوار الرئيسية والمشار إليهم في هذه الملفات على أنهم متهمون. لعبة هؤلاء في غاية الدهاء، وتبادلهم للأدوار مثير جدا. أشخاص آخرون سنوردهم، ضمن هذا الملف، مشارا إليهم بأحرف هجائية.. قاعدة اللعبة الثانية هي أن تركزوا بشكل دقيق وتتفحصوا التواريخ والأرقام جيدا وتضعوا كل شاردة وواردة تحت مجهر الشك وفوق مقصلة التزوير والتدليس.. القاعدة الثالثة: كلمات تدل على أفعال توقيع وتفويت وبيع وشراء ومعاملات أخرى وضعت بين مزدوجتين، أي أن هناك شكا في أنها تمت فعلا أو قام بها المعنيون بها حقا أم إنها مجرد تعاملات مزورة.. القاعدة الرابعة هي أن تقرؤوا ما بين السطور وتكملوا ما وقفت عنده الوثائق والمعطيات. بعد قراءة بعض التفاصيل التي سنوردها لكم في هذا الملف، توقفوا لتجميع المَشاهد وتركيب الصورة، واطرحوا سؤالا هو محور كل هذا الملف: من يقف وراء هؤلاء؟!..لنبدأ اللعبة...