"دور الشباب في مناصرة حقوق الإنسان" موضوع الحلقة الأولى من سلسلة حوار القيادة الشبابية        واشنطن ترفض توقيف نتانياهو وغالانت    وفاة ضابطين اثر تحطم طائرة تابعة للقوات الجوية الملكية اثناء مهمة تدريب    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره    أمن البيضاء يوقف شخصا يشتبه في إلحاقه خسائر مادية بممتلكات خاصة    أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    إتحاد طنجة يستقبل المغرب التطواني بالملعب البلدي بالقنيطرة    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جرائم عقارية بالبيضاء والمتهمون شخصيات نافذة
وثائق وملفات تثبت ضلوع محافظين عقاريين ومسؤولين ومنتخبين كبار في فضائح عقارية ومالية
نشر في المساء يوم 24 - 05 - 2012

لم يحدث شيء مهم أو تغيير بيّن بعد نشر «المساء» تحقيقات حول فضائح عقارية في الدار البيضاء. جلسات مغلقة
في مؤسسات عمومية لضبط ثقوب محتملة تتسرب منها ملفات ووثائق. أحاديث ودردشات بين مسؤولين في المقاهي ومجالس خاصة لممارسة هواية التأويل وقراءة ما ليس مكتوبا ولا يخطر على بال. مئات المواطنين يهمسون: «اللهم إن هذا منكر».. وكفى.
ظل الوضع على حاله، ولم يبارح مسؤولون كراسيهم، فالأمر عندهم مجرد «أحاديث صحافة». بعد الأحاديث العابرة، حل طقس سنوي: انهيار منازل في المدينة القديمة للبيضاء، لغط هنا وصياح هناك. من مات؟ ماذا وقع؟ ماذا سيقع؟.. ولا أحد من الناس سأل: من المسؤول؟
اليوم، نواصل سرد الحكاية، حكاية تورط مسؤولين في الدار البيضاء في جرائم عقارية، جرائم لأنكم ستطالعون في هذا التحقيق حقائق مفزعة للغاية، جرائم، لأن مسؤولين ضالعين في «الانتماء» إلى «مافيات» للسطو على عقارات، جرائم أيضا لأن أرواحا أزهِقت وتُزهَق باستمرار إثر سقوط منازل مرت بمحاذاتها أموال طائلة لم يعرف لها مصير.
في هذا التحقيق ثلاثة أجزاء، أولها حول ضلوع محافظين عقاريين وموثقين وموظفين عموميين وقضاة ومحامين في شبكة خاصة للاستيلاء على عقارات لأجانب ومغاربة في الدار البيضاء، ويتعلق ثانيها بضلوع مسؤولين آخرين في اختلالات تهمّ مشروع تأهيل المدينة القديمة، أما الثالث فيميط اللثام عن تورط مسؤولين في الاستيلاء على طرق عمومية وبناء مقرات إدارية دون ترخيص.. ودائما بالوثائق والأدلة والشهادات والصور.
قبل سنوات قليلة، زج بموظف عمومي في مقاطعة المعاريف داخل السجن. قضى هناك سنة، والتهمة هي الارتشاء. خرج الموظف لنكتشف سر سجنه. الأمر مرتبط بكشفه شبكة تحترف السطو على عقارات أجانب، بعدما ضبط واقعة استيلاء على عقار في قلب المعاريف، تورط فيها مسؤولون كبار.
بتاريخ 20 يناير 2012، توصل الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف في الدار البيضاء بشكاية من أجل تكوين عصابة إجرامية مختصة في النصب والتزوير في الوثائق الرسمية واستعمالها والاستيلاء على ملك الغير والتهديد بالقتل.
يتهم المشتكي ابن عمه بأنه صنع، عن علم وزور، وثيقة عليها طابع الدولة بمشاركة الموثق «...» والمحافظ على الأملاك العقارية «...» في الدار البيضاء. تتمثل العملية، كما تشرحها الشكاية، التي تتوفر «المساء» على نسخة منها، في أن ابن عم المشتكي عمد إلى استصدار نسخة عن عقد بيع يُخوّل له تملك فيلا في الوازيس يسكنها المشتكي. المشتري مدير مصحة شهيرة بالدار البيضاء. والمثير أكثر أن المُشتريَّ ذاته، بعد اقتفاء «المساء» أثر الملف، مذكور في 10 ملفات أخرى متشابهة، موضوعة في محاكم الدار البيضاء، وتتعلق ب«الاستيلاء» على عقارات فاخرة في المدينة نفسها، في ملكية مغاربة وأجانب.
خلف الشجرة
بعد التنقيب، ستظهر تفاصيل مثيرة لا يمكن لعقل أن يصدقها أو لمنطق أن يستوعبها. بدا أن الملف الذي انطلق منه بحث «المساء» هو شجرة تخفي غابة يحتمي بها نافذون يحترفون السطو على عقارات باستعمال أسماء أجانب وحيّل أخرى غاية في الدهاء. هذا ما نتعرف عليه في هذا الجزء من التحقيق.
البداية، كما تعودنا، من النهاية، من سنة 2011. في هذه السنة، كان صهر المشتكي، المالك لفيلا فاخرة في حي الوازيس، مساحتها 560 مترا مربعا، خارجا من بيت صهره، فجأة، لمح طبيبا ومدير مصحة شهيرة سبق أن تعرف عليه. استفسره عن سبب وجوده أمام فيلا صهره فأجابه الشخص ذاته بأنه ينوي شراء هذه الفيلا. أخبره الصهر أن زوج ابنته لا يرغب في بيع فيلاه. وانتهت القصة هنا.
بعد أشهر، وبالتحديد في 9 دجنبر 2011، توصل مالك الفيلا إلى أن ابن عمه يعد لإجراءات يهدف من خلالها إلى الاستحواذ على العقار. ستكون الطريقة عقد بيع مستنسخ (copie collationnée) يشير إلى أن والد المشتكي سبق له أن باع لأخيه الفيلا، بتاريخ 8 يونيو 1969.
ساور الابنَ شكّ، فاستفسر عن وضعية الفيلا التي ورثها عن والده، ليتأكد أن والده لم يسبق له أن باعها لأخيه، ما يزكي قوله أن عمه هو نفسُه الذي أعد الإراثة للعائلة شاهدا على أن الفيلا في ملكية أخيه.
عندما علمت أخت ابن العم المطالب بالعقار بالأمر، تبرّأت من أخيها ورفعت ضده شكاية، بعدما استعمل وكالة ملغية.
النسخة المستنسخة من العقد هي عبارة عن وثيقة مؤرخة ب28 غشت 2011، وتمت الإشارة إلى أنها مستنسخة عن عقد وُقِّع بتاريخ 8 يونيو 1969. تحمل الوثيقة خاتم وتوقيع محافظ الأملاك العقارية وتوقيع وخاتم موثق، كل ذلك بالاستناد إلى عقد أصلي مصادق على مطابقته للأصل من طرف مصلحة تصحيح إمضاءات في الدار البيضاء بتاريخ 15 غشت 2006.
بحْثُ المشتكي لمعرفة صحة هذه النسخة الموثقة من العقد قاده إلى العودة إلى تاريخ التوقيع، ليتأكد أن هذا التاريخ كان يوم أحد، وبالتالي ليس يومَ عمل في أي مؤسسة عمومية كي يتم القيام بتحرير أي عقد.
اعتمادا على نسخة العقد هاته، سارع ابن العم إلى تحرير عقد بيع بينه وبين مالك المصحة. تمت العملية عند الموثق ذاته، الذي وقّع على نسخة العقد سالفة الذكر. تمت العملية سريعا، وبالضبط في فاتح أكتوبر 2011. أشّر على عملية البيع المحافظ العقاري بتاريخ 19 أكتوبر 2011، والثمن هو 300 مليون سنتيم.
في 5 شتنبر 2011، أي قبل أقل من شهر من توقيع عقد البيع هذا، كانت إحدى الأبناك قد أعدّت ملف قرض للمشتري بناء على العقار ذاته، دون أن تتم عملية البيع أصلا. وفي 12 شتنبر 2011، تمت المصادقة والموافقة على حصوله على قرض بقيمة 140 مليون سنتيم، بضمان عقار ليس في ملكيته. هنا اتضح بعض من الحقيقة: المشتري شخص يشتغل ضمن شبكة متخصصة في الاستيلاء على عقارات الغير، عن طريق تزوير وثائق رسمية، وبهدف جعلها ضمانة مقابل الحصول على قروض طائلة. تجلت هذه الحقيقة بشكل أكبر بعد شروع قاضي التحقيق في استئنافية الدار البيضاء في النظر في الملف.
بعد استدعاء قاضي التحقيق أطرافَ الدعوى واطّلاعه على حيثيات الملف، أمر باعتقال ابن عم مالك الفيلا. أما المشتري فقد أخلي سبيله على الفور. بدا أن شيئا ما مريبا في هذه القضية.. ما زاد الارتياب هو اختفاء مَحاضر من المحكمة، إلى جانب اختفاء ملفات أخرى. تكشف هذه الملفات حقيقة اشتغال شبكة في الدار البيضاء في عمليات استيلاء على عقارات. بعض هذه الملفات هي الآن فوق مكتب الفرقة الوطنية.
شبكة معقدة
قاد بحْثُ قاضي التحقيق إلى معطيات صادمة، إذ أمر بإجراء خبرة، يجريها قسم الوثائق المزورة في مختبر الشرطة العلمية، على عقد البيع بين والد الضحية وأخيه، والذي أدلى بها ابن عمه المعتقل. تكشف الخبرة، التي تتوفر عليها «المساء»، معلومات خطيرة للغاية، خلاصتها أن العقد مزور وتمت صناعته من خلال القيام باستنساخ رقمي دقيق لأختام وطوابع وتوقيعات من وثائق عديدة، قام ابن العم المعتقل بتحصيلها من أرشيف والده، من أجل صناعة العقد. تكشف هذه الخبرة، لوحدها، أن كلا من الشخص المعتقل والموثق والمحافظ العقاري والموظف العمومي، الذين صادقوا على العقد، ومسؤولو البنك، الذين وافقوا على منح القرض، متورطون في عملية تزوير قصد الاستيلاء على العقار.
الأدهى من ذلك كله أن مزوري هذا العقد عمدوا إلى تحرير عقد آخر مزور بعدما اكتشفوا أن في الأول خطأ في اسم المستفيد من تفويت العقار له. عند تصحيح الخطأ، ورغم تحري الدقة في إعادة كتابة عبارات وتفاصيل، كي يصير شبيها بالعقد الأول، وقعت زلة فظيعة زكّت تورط الموثق والمحافظ والموظف العمومي الذين صادقوا على العقد. الزلة هي أن توقيع المحافظة دُوّن بتاريخ 26 غشت 2012، أي بتاريخ لم يحُلَّ بعد!.. أصبح لدينا عقدان، أولهما بتاريخ 26 غشت 2011 وآخر بتاريخ 26 غشت 2012.. لكنْ، ما علاقة مدير المصحة بالموضوع، على اعتبار أنه مجرد مشترٍ بحسن نية، يفترض أنه لا علاقة له بعملية التزوير؟
الجواب عن هذا السؤال تكشف عنه ملفات تتوفر عليها «المساء»، تنظر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في بعضها. هذه الملفات عبارة عن شكايات، وأحكام قضائية وقضايا رائجة في محاكم الدار البيضاء وأخرى تم حفظها. عدد هذه الملفات عشرة. يرِد فيها كلها اسم المشتري، مدير المصحة، وترِد في بعضها أسماء ثلاثة آخرين، هم باقي أفراد أشهر شبكة للسطو على عقارات في الدار البيضاء، «أشهر» لأن جميع موظفي المحافظات العقارية في المدينة وأغلب القضاة والموثقين والمحامين يعرفونهم.. كما أن أغلب قضايا النصب على عقارات يكونون هم وراءها، دون أن تطالهم يد القضاء. آخر القضايا ملف تفويت ملعب محاذٍ لمركب محمد الخامس بمبلغ 25 مليون سنتيم. تتم عملياتهم عبر «شراء» معلومات حول عقارات من محافظة عقارية في الدار البيضاء وتحويلها إلى ملكيتهم أو ملكية آخرين قبل بيعها لهم بتزوير وثائق و«شراء» قضاة لاستصدار أحكام إفراغ ضد مالكيها الحقيقيين، الذين لا يسعهم استيعاب ما يحدث لهم.
الحقائق التي توصلت إليها «المساء» معقدة جدا ومتشعبة. لتبسيطها، نتفق على أن أول أفراد هذه الشبكة، أي مدير المصحة، يحمل اسم «أ» والثاني، وهو شريك مدير المصحة في شركة تحمل اسم ابنه وابنة مدير المصحة، ويحمل اسم «ب»، أما الثالث، والذي تمكن من اقتناء ملعب محمد الخامس ب25 مليون سنتيم فقط، هو «ج»، أما الرابع فهو «د». يعتبر «أ» المحرك الرئيسي، و«ب» المساعد المتخصص في التزوير وفبركة الوثائق، أما كل من«ج» و«د» فتتم الاستعانة بهما أحيانا، كما سنرى. اللعبة التي سنكشفها الآن تتطلب تركيزا.
في الملف الأول شكاية من أجل التزوير واستعماله والنصب والاحتيال. المتقدمة بالشكاية أجنبية تدعى ساندرا سيرور، بصفتها وكيلة ورثة فرنسي يدعى رايموند أوسيبال. الشكاية، المؤرخة ب12 يونيو 2007، موجهة ضد كل من «أ» و«ب»، تتهمهما فيها بأنهما سعيا إلى الاستحواذ على عقار هذا الفرنسي من خلال تزوير عقد بيع عن أحد الورثة المتوفين في سنة 1995.
تمت الإشارة في الشكاية إلى أن «أ» و«ب» قاما بشراء عقار من الوريث المدعو، قيد حياته، بيير أوسيبال في سنة 2007، علما أنه توفي في 20 دجنبر 1995. حفظت الشكاية ولم يفتح بشأنها تحقيق قضائي.
آنا ماريا.. كلمة السر
سيظهر «أ» في ملف آخر، سنة 2010، رفقة «ب». لكنهما سيتبادلان الأدوار هذه المرة. سيكون «أ» المشتري و«ب» موكلَ البائعة، وهي نيري آنا ماريا، إيطالية مقيمة في الدار البيضاء معروفة بكون اسمها يستعمل في عمليات نصب على عقارات.
تقضي الخطة، باختصار، بأن يوقع «أ» عقدا مع الإيطالية، وبالتحديد مع موكلها «ب»، تبيع بموجبه عقارا مساحته 400 متر في عين الذياب مقابل 65 مليونا. تمت الإشارة إلى العقار على أنه هبة وهبها والد ماريا لها، وتم الاستدلال على ذلك بترجمة هبة مكتوبة باللغة الإيطالية.
تم البيع في 2006، واستنادا عليه، تم تسجيل وتحفيظ العقار باسم «أ» في 2010. فجأة، سيتقدم «أ» بمقال من أجل استحقاق عقار في المحكمة الابتدائية للدار البيضاء يقول فيها إنه لم يجد العقار الذي اشتراه على أرض الواقع. بناء على ذلك، تم البحث، وأدلى بوثيقة مفبركة تشير إلى أن العقار كان قد اقتناه الواهب من شركة تدعى الشركة العقارية. انتهت هذه الشركة في 1945، بينما عقد بيعها للأرض للواهب مؤرخ في 1950.
بناء على هذه القصة المفبركة، تم إجراء خبرات قضائية للتأكد من وجود العقار. أكدت الخبرات أنه غير موجود. لا يمكن، إذن، متابعة الشركة العقارية لأن تاريخ حلها هو 1945، ولا يمكن متابعة آنا ماريا، لأنه لا علاقة لها بالموضوع. يبدو أن الملف توقف هنا.. لكنْ قبل أن يتوقف، كان «أ» قد حصل، بضمان هذا العقار الوهمي، والقائم على قصة وهمية وعقود مفبركة وشخصيات وشركات غير موجودة، على قرض من بنك، وهذا هو الهدف من هذه اللعبة كلها.
ملف آخر تتوفر عليه «المساء» يكشف لجوء هذه الشبكة إلى هذا الاسم في قضية آخرى. يتعلق الأمر بعقد بيع بين ماريا و«أ» عقارا مساحته 150 مترا مربعا يوجد في «المعاريف»، تمت الإشارة إلى أن ماريا اشترته من إيطالي. ثمن البيع، المؤرخ ب14 نونبر 2005، هو 70 مليون سنتيم.
اعتُمِدت الطريقة ذاتها في هذا الملف. تم اللجوء إلى تعقيد الملف وصنع عقد بيع مترجم من الإيطالية للتقدم بطلب إفراغ ساكني العقار، بدعوى أنهم محتلون له.
استعمل العنصر الثالث رقم الرسم العقاري ذاته في هذه العملية، مدّعيا أنه يملك العقار. يتعلق الأمر بالعنصر «ج»، الذي يطالب بإفراغ العقار ويدعي أنه في ملكيته.
سيظهر «أ»، من جديد، في ملف آخر يعود إلى سنة 2006، تاريخ ادعائه إبرام عقدين في فرنسا مع فرنسي يملك عقارا في الرباط مساحته 415 مترا. سيتقدم «أ» بطلب للمحكمة الابتدائية في الدار البيضاء، وليس الرباط، مكان وجود العقار، نظرا إلى أن شبكته تشمل محكمة الدارالبيضاء، يطلب من خلاله تذييل العقد المبرم بالصيغة التنفيذية، لأنه عقد أجنبي محرر وموثق في الخارج. وبناء على هذا الطلب، وفي ظرف قياسي، تمت الموافقة على الطلب دون نظر أو تحرّ في طبيعة الملف.
يكشف ملف آخر لدى «المساء» طريقة أخرى للاستيلاء على عقارات أجانب. تدعى الشخصية الأجنبية الوهمية التي ستستعمل في هذا الملف «أندريو مارتينيز ستيفانو»، إيطالي تقدم كل من «أ» و«ب» بوثائق تشير إلى أنه باعها لشركتهما.
مساحة العقار 527 مترا مربعا، ويوجد بحي بوركون الدار البيضاء. في سنة 2007 سيشرع كل من «أ» و«ب» في بيع العقار لمواطن ليبي، مقابل 38 مليون سنتيم فقط، لم يتم إكمال عملية البيع.
تمثلت الخطة في التالي: العقار أصلا ليس في ملكية «أ» و«ب»، ولتفويته لليبي، يجب تسجيله وتحفيظه. قضت الفكرة بأن يتقدم المحافظ العقاري بمذكرة للمحكمة الابتدائية، رغم أنه غير مخول للتقاضي، من أجل طلب استكمال البيع بعدما توجه له الليبي بطلب تحفيظ العقار.
بناء على هذا الطلب، أصدرت المحكمة حكما يقضي باستكمال البيع. وهكذا تم الانتهاء من البيع وتم تحفيظ وتسجيل العقار باسم الليبي، دون أن يكون أصلا في ملكية من باعوه.
على نفس المنوال، تمت فبركة ملفات أخرى. في ملفات تم صنع شواهد إدارية بأرقام مرجعية تحيل، عند التدقيق فيها، إلى وثائق أخرى لا علاقة لها بالشواهد المدلى بها. عمليات تتم في غاية التعقيد. أكثر تعقيدا باقي الملفات العشرة، والتي سيدخل فيها كل من «ج» و«د» كأطراف. بطرق غاية في الدهاء، يكون أفراد الشبكة أطرافا في دعاوى من أجل شرعنة تملك عقارات في ملكية أجانب وهميين أو متوفين. وصل الأمر إلى حد النصب على عقار لورثة الملاكم الشهير مارسيل سيردان.. تلك خلاصة قرابة 300 وثيقة تتوفر عليها «المساء»، التدقيق فيها أشبه بسيناريو فيلم محبوك بعناية تضاهي الخيال.
هذا الجزء من التحقيق صفحة أخرى في كتاب عنوانه تورط مسؤولين في جرائم عقارية. أفضت الجريمة هنا إلى مصرع خمسة سكان في المدينة القديمة للدار البيضاء، في الأسبوع الماضي. الجريمة دور آيلة للسقوط تتضارب بشأنها التقارير، بتضارب مؤسسات عمومية و«مصالح» ومشاريع إعادة هيكلة، تقدم أرقاما للملك وتخفي أخرى في ثنايا فضائح كبرى.
في هذا الجزء، نعيد قصة دُور المدينة القديمة الآيلة للسقوط، لكنْ من منطلق السؤال: أين ذهبت 30 مليار سنتيم التي خُصصت للمشروع؟
«هل تتذكر حادث انهيار معمل سيدي معروف؟ لقد قُتِل شقيقي في الحادث. شقيقي هو في الوقت نفسه ابن أخ مالك المعمل الذي أخلي سبيله ولم تشمله المحاكمة. بل أكثر من هذا، بنى معملا جديدا باسم ابنه. يحدث الأمر ذاته هنا في المدينة القديمة، تنهار منازل ويموت أهلها ولا يحاسَب المسؤولون، بل ترصد لهم ميزانيات أخرى لإعادة التأهيل».. بهذه الجملة، لخصت ناشطة جمعوية في المدينة القديمة للبيضاء التقتها «المساء» مشكل تعثر مشاريع هيكلة المدينة، من وجهة نظرها.
الإحصاء وإعدة الإحصاء
تروى قصة المدينة القديمة الآن انطلاقا من حادث ليلة الخميس الماضي، لكننا نرويها الآن من 1999، تاريخ انهيار أول بناية آيلة للسقوط في هذا المكان. في 20 دجنبر من هذه السنة، ستخرج دورية تحدد تعريف الدور الآيلة للسقوط، وينطلق التخطيط والتنظير، وفجأة، توقف كل شيء.
في 2006، تم إحياء القصة وتشكلت لجنة تابعة لمصلحة التعمير في مقاطعة سيدي بليوط. أحصت اللجنة المنازل الآيلة للسقوط. تلا ذلك شروع الوكالة الحضرية في دراسات تفقدية لهذه الدور حتى الدار رقم 47 ليتوقف كل شيء مرة ثانية.
تنطلق حملة إحصاء أخرى وتتوقف.. تنطلق أخرى فتتوقف.. بموازاة ذلك، تستمر دور في السقوط. على هامش حوادث السقوط، لم تبرمج قط خطة لإعادة الهيكلة. ازداد اليأس بعد فشل إعادة إيواء قاطني الدور الآيلة للسقوط في المدينة القديمة خارج السور، أي المرتبطة بمشروع المحج الملكي، والذي انتهى بإفلاس شركة «صوناداك»، إثر فضائح مالية واختلاسات واضحة.
كان سكان المدينة القديمة داخل السور المهددة منازلهم بالانهيار أمام طرق مسدودة، يكشف عنها تقني في الدار البيضاء بقوله: «لم يتم إطلاقا إحصاء جميع المنازل الآيلة للسقوط في المدينة القديمة، بدليل أن المنزل الذي تهدّمَ في الأسبوع الماضي لم يكن مدرجا في قائمة المنازل المهددة بالانهيار. تنتظر المصالح التقنية أن يأخذ المواطن المبادرة، حيث يتوجه إلى مقاطعة سيدي بليوط ويخبرهم أن منزله مهدد بالسقوط.. لا يحدث شيء، بل تطلب المقاطعة من هذا المواطن أن يجري خبرة في مختبر عمومي ليثبت أن منزله آيل فعلا للسقوط. تكلف هذه الخبرة غاليا، علما أن مالك المنزل لا يستغله هو بل يكتريه لعدة أسر، وبالتالي يصرف النظر عن فكرة إجراء الخبرة ويبقى الوضع على ما هو عليه، المهم أن المقاطعة تزيح عنها المسؤولية ويكون جوابهم، في حال وقوع كارثة: «لقد طلبنا منه إجراء خبرة ولم يقم بها.. هكذا ببساطة».
فجأة، جاءت فكرة إطلاق مشروع إعادة التأهيل. أطلقت الفكرة ، كما سنوضح، جمعية تدعى «كريان سنطرال»، وتبنتها مؤسسات عمومية معنية، قبل أن تصير مشروعا ملكيا. وفي 2010، سينطلق هذا المشروع.
«تشكلت لجنة قيادة يرأسها عامل آنفا السابق، خالد سفير، وتضم رئيس مقاطعة سيدي بليوط ومؤسسات أخرى وأشخاصا، بمن فيهم مصطفى ملوك، رئيس جمعية «كريان سنطرال»، التي ليست لها علاقة بالمدينة القديمة، والذي استغل علاقاته كي يتقرب من الوالي حلب، الذي قرّبه من سفير ليصير هو صاحب المشروع.. ضمن اللجنة أشخاص لا يحضرون من «قدماء تلاميذ الدار البيضاء»، وآخرون تمت الإشارة إلى أنهم فقط مهتمون بالتاريخ، فضلا عن مصور.. «مشروع كبير لتأهيل مدينة قديمة وضع بين يدي مصور»، يقول موسى سراج الدين، الكاتب العام لفدرالية جمعيات المدينة القديمة، بنبرة استغراب.
أين هي 30 مليارا؟
خصصت للمشروع ميزانية 30 مليار سنتيم، الآمر بصرفها هو العامل -مدير الوكالة الحضرية للدار البيضاء الكبرى. رُصِدت 7 ملايير درهم ضمن هذه الميزانية ل«إعادة إسكان العائلات وترميم البناء». لا يقصد ب«إعادة الإسكان هنا سكان الدور الآيلة للسقوط، بل القاطنون في أماكن مثل الكنيسة الإسبانية ودور تاريخية أخرى، والذين تم نقلهم إلى أماكن أخرى. رُصدَت 30 مليارا هاته ل«الزّواقْ» والمصابيح وترميم وصباغة الجدران»، يستطرد سراج الدين.
ما اعتبره هذا الجمعوي «زواق» هو محور التوجهات العامة لمشروع ترميم ظاهري للمدينة القديمة وتجهيزها بقنوات جديدة للصرف الصحي وخلق متاحف ومراكز صحية. قضت التوجهات العامة هذه بأن تحاكي المدينة القديمة للدار البيضاء مدينة «برشلونة» القديمة..
13 مشروعا هي قوام ما اعتبر مشاريع ذات أولوية في مشروع إعادة التأهيل هاته. شملت المشاريع الإنارة العمومية وخلق مرافق اجتماعية وثقافية، خُصِّصت لها 27 مليار سنتيم. ولم تتم الإشارة إلى المجالات التي صرفت فيها بقية الثلاثين مليارا.
ضمن هذه المشاريع ما حصلت «المساء» على وثائق تضعها خلف علامة استفهام. أحد هذه المشاريع يخص ترميم كنيسة «سان بوينا فونتورا». أسندت الوكالة الحضرية للدار البيضاء صفقة الترميم هاته لمقاولة يوجد مقرها في فاس. المثير أن رأسمال هذه المقاولة هو 15 مليون سنتيم فقط. أما قيمة الصفقة التي أسندت إليها فهي 795 مليونا و3 آلاف و804 دراهم.
ضمن الصفقات أيضا التعاقد مع شركة لوضع مصابيح وفق طراز أوربي تقليدي. المثير أن نماذج هذه المصابيح، التي قدمت للملك بمناسبة اطّلاعه على المشروع، مخالِفة لما وُضع بأزقة المدينة القديمة، إذ تم الاقتصار على مصابيح ذات جودة رديئة.. شمل الأمر ذاته ما قامت به شركات مناولة ستتكلف بما تقوم به «ليدك» أساسا، وهو وضع شبكة التطهير السائل. أمام الملك عُرضت صور أنابيب صرف صحي، وفي الواقع وضعت أخرى أقل جودة.
الأخطر من ذلك هو أن أشغالا باشرتها الشركات الثلاث قصد وضع قنوات للصرف الصحي همّت القيام بحفر قرب منازل المدينة القديمة، التي لا أساسات لها أصلا.. وأثبتت صور حصلت عليها «المساء» أن أعمال حفر عميقة أجريت بمحاذاة منازل دون تدعيمها بدعامات حديدية إلى حين الانتهاء من الأشغال.
ضمن المشاريع التي حامت حولها شكوك مشروع خلق وتهييء مركز للتتبع الصحي للأشخاص المدمنين على المخدرات. في الورقة التي قدمت للملك، تمت الإشارة إلى أن هذا المشروع سيعيد استغلال المركز الصحي بوسمارة من طرف وزارة الصحة، وسيرصد لذلك مبلغ 80 مليون سنتيم.
أما في البطاقة التقنية للمشروع فقد أصبح حامل المشروع هو جمعية «كريان سنطرال»، كما تقرر إحداث طابق إضافي في مركز بوسمارة. قفزت الميزانية التي خصصت للمشروع بعد هذا «التعديل» إلى 300 مليون سنتيم، 50 مليون سنتيم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، كمساهمة في التجهيز، و250 مليون سنتيم تمت الإشارة إلى أن من سيمولها هو الوكالة الحضرية للدار البيضاء الكبرى، التي ستلتزم ببناء المركز والأشغال الكبرى، وجمعية كريان سنطرال، من خلال «المساهمة في البناء». لم يتم تحديد طبيعة مساهمة الجمعية. أما دور وزارة الصحة، التي كانت أصلا صاحبة المشروع، فأضحى «توفير الفضاء والتأطير الطبي للمركز». لكنْ، كيف يمكن لجمعية مدنية أن تمول مشروعا ب250 مليون سنتيم؟ لماذا انتقل المبلغ المرصود للمشروع من 80 إلى 300 مليون سنتيم؟
لإيجاد جواب لهذه التساؤلات، قابلنا مصطفى ملوك، رئيس جمعية كريان سنطرال. أوضح ملوك، القادم إلى الجمعية من إدارة قناة «ميدي 1 سات»، كيفية دخول الجمعية في إطار مشروع إعادة تأهيل المدينة القديمة بقوله: «أنا ابن المدينة القديمة، والعمل الجمعوي لا علاقة له بالانتماء. نظرت إلينا بعض الجمعيات على أننا مصدر تهديد لها، لكنْ بعد وصول المشروع، الذي كنا سباقين إلى بلورة نقاشه، إلى الملك، اختارنا ضمن لجنة قيادة المشروع، وإذا جاء هذا القرار من الملك فكيف يمكن أن نتدخل؟»..
أوضح ملوك، أيضا، أن عضوية الجمعية في لجنة القيادة مقتصر على التوجيه ولا علاقة له بالتدبير المالي. لكنْ، كيف أضحت الجمعية، فجأة، صاحبة مشروع متمثل في خلق مركز صحي وممولا رئيسي له؟ وكيف تغير الرقم المقدم للملك في بادئ الأمر؟
أجاب ملوك عن هذه الأسئلة بقوله: «أردنا أن نهتم بالمجال الصحي، فتمت بلورة فكرة إنشاء مركز لمعالجة الإدمان ومحاربة السل، وكما تعلم فمستوصف بوسمارة كان من طابق واحد، ويحتاج إلى إضافة طابق آخر، هدم المستوصف كاملا وإعادة بنائه من جديد، ولهذا ارتفع الرقم إلى 300 مليون سنتيم. دورنا نحن ضمن هذا المشروع هو التجهيز وليس المساهمة في البناء، إذ سنقوم بحملة جمع تبرعات لتوفير تجهيزات المركز».
البحث عن مسؤول
دور الجمعية، إذن، هو التجهيز وليس المساهمة في البناء، كما تشير البطاقة التقنية للمشروع. قد يكون طرأ خطأ مطبعي. قد يحدث أن تتغير الرؤى، لكنْ ليس هناك مسؤول يتحمل مسؤوليته ويحدد ما الخطأ في مشروع إعادة تأهيل المدينة القديمة وما هو الصواب.
هذه خلاصة اتصالات أجرتها «المساء» مع مسؤولين عن الملف في الدار البيضاء. أجاب بعضهم وأغلق آخرون هواتفهم.
كمال الديساوي، رئيس مقاطعة سيدي بليوط، كان قد صرح، قبل شهور، بأنه «راض عن مشروع التأهيل»، فجأة، وبعد انهيار الدُّور، خرج ليقول إن «المسؤولية تتحملها الوكالة الحضرية»..
عبد الرحيم وطاس، نائب عمدة الدار البيضاء المكلف بالتعمير، أجاب عن سؤال المسؤولية، في تصريح ل«المساء»، بقول: «لستُ المسؤول، المسؤولية محددة في مجلس مقاطعة سيدي بليوط على مستوى المراقبة والترخيص، أنا مكلف فقط بالتجزئات الكبرى وبالبنايات التي يفوق عدد طوابقها الثلاثة».. منازل المدينة القديمة هي أيضا يفوق عدد طوابقها الثلاثة، وإن بنيت تحت جنح الظلام. فمن المسؤول إذن؟..
أوضح بوشعيب مومن، وهو تقني جماعي ممتاز، أن مسؤولية الجماعة الحضرية قائمة، وأقل ما يمكن القيام به هو انتداب مختبر عمومي لإجراء خبرة تقنية للتأكد من سبب انهيار هذه الدور.
هذا من الوجهة التقنية، أما من زاوية المسؤولية السياسية فقال مصطفى رهين، العضو المستقل في مجلس مدينة البيضاء: «أستغرب كيف أن بعض المسؤوليين المنتخبين يتهربون من المسؤولية، رغم أننا كنا نراهم يتسابقون على التقاط الصور وإطلاق التصريحات هنا وهناك عند انطلاق مشروع تهيئة المدينة القديمة. المسؤولية في الكارثة تتقاسمها عدة جهات، لكن مجلس المدينة هو الجهة المسؤولة بالدرجة الأولى، لأنها مسؤولة سياسيا عن الساكنة، وبالتالي يجب عليها تتبع جميع الملفات التي لها علاقة بالمواطن. ثم إنها مسؤولة قانونيا، لأنها تتوفر على قسم يسمى «قسم التعمير»، و هو المخول له إعطاء تراخيص البناء والإصلاح والترميم».
بعد الحادث، تشكلت لجنة مختلطة.. لجنة أخرى على هامش صفحة الموت.. سيتم إجراء إحصاء جديد للدور الآيلة للسقوط، أكيد، فهل سيتم الانتقال، أخيرا، إلى صفحة الحل؟..


حقيقة تفويت أراض لبناء مقرات ملحقات إدارية ومقاطعات بدون ترخيص أو تصميم
رئيس مجلس منتخب يستولي على ممر عمومي وآخر يبني تجزئة فوق طريق مخصصة ل«تي جي في»
يتصرف بعض كبار المنتخبين ورؤساء المجالس المنتخبة كأن الدار البيضاء «ضيعة لهم»، هذه خلاصة اتفقت عليها مصادر استقت منها «المساء» معطيات تكشف استغلال رؤساء مجالس منتخبة أملاكا وأراضيَّ عمومية، وحتى الطرق لم تسلم من هذا الاستغلال.
من بين الملفات التي تتوفر عليها «المساء» بهذا الخصوص ملف رئيس مجلس جماعي في عمالة «النواصر». فقد تمكن هذا الرئيس، الذي يتحدر من الجماعة ذاتها التي يرأسها، من الصعود سريعا، مستعينا بربط شبكة علاقات مع عمال وممثلي الملك.
لرئيس المجلس المنتخب هذا أملاك مشتركة مع إخوته وأقاربه. أراضٍ شاسعة تمتد على هكتارات. ورغم شساعة أرضه، فقد عمد، في سنة 2006، إلى الاستيلاء على طريق عمومية عرضها 10 أمتار، حيث قلّص هذا العرض إلى خمسة أمتار، واضعا أعمدة خشبية فيها ومحيطا إياها بسياج. بعد السياج، بُني جدار إسمنتي وصارت الطريق العمومية ضمن «الملك الخاص» للرئيس..
رغم أن التصاميم التي تتوفر «المساء» على نسخ منها تؤكد أن هناك طريقا عمومية تسمى «مرجانة» في المنطقة، فلم يجرؤ أحد على التدخل لإرجاع الطريق إلى وضعيتها السابقة. ورغم أن حكما قضائيا صدر عن محكمة الاستئناف، في يونيو 2011، يأمر رئيس المجلس المنتخب وشقيقه ب«إرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، بتوسعة الطريق العمومية إلى عشرة أمتار صافية متكاملة، طولا وعرضا وعلى طول الطريق العمومية المسماة «مرجانة»، تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 100 درهم عن كل يوم تأخير من تاريخ الامتناع»، فإن رئيس المجلس لم يزحزح حجرة من على الطريق. لم يطبق الحكم القضائي، بل أخرَج مهندس تابع للمحافظة العقارية مطلب تسجيل وتحفيظ يشير إلى أن الجزء المأخوذ من الطريق العمومية في ملكية رئيس المجلس المنتخب وأخيه، تمهيدا لإدخاله، بصفة نهائية، ضمن الرسم العقاري المملوك لهما.
يحدث هذا في «النواصر»، العمالة التي تحولت إلى أكبر مسرح للفضائح العقارية في الدار البيضاء، والتي يبني فيها وزير سابق يتحدر من المنطقة مشاريع فيلات فاخرة.
غير بعيد عن «النواصر»، وتحديدا في «تيط مليل»، تجري فصول فضيحة أخرى، «بطلُها» أيضا رئيس مجلس منتخب في جهة الدار البيضاء الكبرى وأحد كبار المجزئين في المدينة. شرع هذا الرئيس، قبل مدة، في تجزئة وحدات سكنية في «تيط مليل». شملت عملية التجزيء جزءا من ملك غير تابع له. وما عقّد الأمور أن هذا الجزء بالتحديد هو الذي تم التخطيط لأن يمر عبره القطار فائق السرعة، «التي جي في»، القادم من طنجة. وصار الوضع الآن يتطلب هدم هذا الجزء من التجزئة السكنية أو تحويل مسار مشروع «التي جي في» الذي يرعاه الملك بنفسه.
في الحي الحسني هذه المرة، الكل يخالفون قوانين التعمير في تراب هذه المقاطعة، حتى السلطات المحلية والقياد بأنفسهم. ففي الأسبوع الجاري، تقدم الفريق الاستقلالي في مجلس مقاطعة الحي الحسني بطلب عقد دورة استثنائية، أحد أسباب هذا الطلب ما اعتبره الفريق، في مراسلته، تفويت أراض لبناء مقاطعات وملحقات إدارية بدون موافقة المجلس.
يتعلق الأمر، حسب مصادر «المساء»، بتفويت أرضين للعمالة من أجل بناء ملحقتين إداريتين ودار شباب. الأدهى هو أنه تم بناء هذه المقرات، وفق المصادر ذاتها، بدون تصميم ولا ترخيص. يضاف إلى المقرات سالفة الذكر سكنى قائد الملحقة الإدارية الحي الحسني، والذي خُصِّص له منزل قرب مقر الملحقة، بني -بدوره- بدون ترخيص، فضلا عن لجوء القائد ذاته إلى هدم جدار يفصل بين مقر الملحقة ومنزله ووضع باب وممر ودرج يربط منزله بمكتبه مباشرة، حيث يمكنه الدخول دون المرور على البوابة الرئيسية للمقاطعة، حتى لا يعلم المواطنون بدخوله أو خروجه..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.