أثار التحقيق الذي نشرته «المساء»، قبل أيام، بخصوص استفادة مسؤولين من عقارات في الدارالبيضاء بأثمنة بخسة لا تتعدى 900 درهم للمتر المربع، مثل حالتي «المصلى» قرب عين الذياب و«فرماجة» في الحي الحسني، ضجة واسعة. أعقبت المقال مطالبة موظفين صغار في ولاية الدارالبيضاء الكبرى ومجالسها المنتخبة وعمالاتها بفتح تحقيق في طرق استفادة مسؤولين كبار من عقارات. منذ ذلك الحين والغليان مستمر. تتبعت «المساء» خيوط قضية استفادة مسؤولين نافذين من عقارات وامتيازات في الدارالبيضاء وتمكنت من الحصول على وثائق جديدة تكشف كيف أن العاصمة الاقتصادية تحولت إلى «كعكة كبرى» وزّعها نافذون بينهم.. في هذا التحقيق نواصل كشف الحجب التي تغطي فضائح وخروقات، ونرصد حقيقة استفادة مسؤولين ومقربين منهم من امتيازات مالية وعقارية. داخل كل إدارة ومؤسسة عمومية ومجلس منتخب في الدارالبيضاء حكاية.. شخوصها أشخاص نافذون ورؤساء وموظفون عموميون. تدور حبكة الحكاية حول فضائح مالية وإدارية وعقارية تكشف جزءا من حقيقة تدبير مسؤولين لمؤسسات عمومية وتحويلها إلى «ضيعات» لجني محاصيل ريعية تتجلى في تفويت فيلات وشقق والاستحواذ على مساكن وظيفية والانخراط في وداديات سكنية من أجل اقتناء عقارات فاخرة بأثمنة بخسة، فضلا على تفويت امتيازات أكرية ومشاريع بأثمنة مثيرة للانتباه. تكشف الأمثلة التي سنعرضها، والمُعزَّزة بوثائق وأدلة، فضائح تجري داخل مؤسسات عمومية أوكلت إليها مهام تدبير مدينة الدارالبيضاء. خيوط اللعبة متشابهة: رؤساء مجالس منتخبة يشتركون مع مدراء الوكالة الحضرية للاستحواذ على عقارات بأثمنة بخسة، سلطات الوصاية تغض الطرف عن ممارسات مثيرة للانتباه يقوم بها مسؤولو مجالس منتخبة، مقابل سكوت هؤلاء عن فضائح ولاة وعمال، والتأشير لهم، في المقابل، على الاستيلاء على أملاك عمومية. بيع في السر في نهاية الأسبوع الجاري، ينعقد اجتماع للمجلس الإداري للوكالة الحضرية في الدارالبيضاء. سيكون هذا الاجتماع الأولَ بعد كشف اختلالات تشهدها الوكالة في تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2010. وردت في هذا تقرير المجلس الأعلى «فضائح» دون تفصيل. في هذا التحقيق نفصل ما أجمله التقرير. فقد تحدث قضاة مجلس الحسابات عن اختلالات مالية وإدارية وأخرى عقارية. من ضمن الاختلالات الإدارية والمالية المرصودة، كما سبق أن كشفنا، ضبط حالة إرشاء لمجلة دولية فرنسية، أو ما أشار إليه التقرير بالحرف: «أداء على مقال في الصحافة من طرف الوكالة الحضرية للدار البيضاء»، عبر دفع مبلغ يقارب 8 ملايين سنتيم. المقال، الذي حصلنا على نسخة منه، مجرد مقابلة صحافية لمدير الوكالة الحضرية السابقة، جاء في ربع صفحة، نُشِر في عدد الأسبوعية الدولية ما بين 30 مارس و12 أبريل 2008، بينما أُدّي عنه بعد أزيد من شهر على نشره، بتاريخ 30 ماي 2008، ضمن حساب «عملية صاحب المشروع المنتدب القطب الحضري في النواصر»، رغم أن المقال، حسب تقرير الحسابات، لا يتعلق بمقال يهدف إلى إنعاش تسويق هذا المشروع سالف الذكر، بل تحدث فيه المدير السابق عن «إنجازاته» في مجال التهيئة الحضرية للدار البيضاء، وضمنها «النواصر». تواصلَ صرف مبالغ كبيرة في الوكالة الحضرية لا طائل منها وشمل أمورا أخرى لم ترد في تقرير مجلس الحسابات. من بين هذه الأمور ما تبتلعه مصاريف السكن الوظيفي للعامل المدير العام للوكالة الحضرية وتعويضات تنقله والوقود الذي يُخصَّص لسيارته، إذ تشير وثائق اطلعت عليها «المساء» إلى أن العامل المدير العام السابق للوكالة الحضرية كان يستخلص من أموال الوكالة الحضرية مبلغ 45 ألف درهم (أربعة ملايين سنتيم ونصف) شهريا من أجل سداد كراء سكن عبارة عن فيلا تقع على مساحة هكتار في منطقة «بوسكورة». وإلى جانب هذه السومة الكرائية الباهظة، كان يخصص مبلغ 8 آلاف و500 درهم شهريا لسداد فواتير الماء والكهرباء لهذه الفيلا الفاخرة، بينما تُخصَّص 6 آلاف درهم للكهرباء و2500 درهم مقابل استهلاك الماء.. تُخصَّص للتنقلات التتي تدخل في إطار قيام موظفي الوكالة الحضرية للدار البيضاء، سنويا، ميزانية قدرها 120 ألف درهم. كان العامل المدير العام السابق يحتفظ بنصف هذه الميزانية لنفسه، إذ توضح وثائق اطلعت عليها «المساء» أن المدير العام كان يوقع لنفسه، عدة مرات في الشهر، على وصولات وقود بقيمة تصل إلى 4 آلاف درهم للوصل الواحد، كما تخصص له سبع سيارات، من نوع «ميرسيديس سي 240» و«هوندا أكور» و«هوندا سيتي» و«لوغان» و«فياط أونو» و«كونغو»، فضلا على سيارة رباعية الدفع من نوع «بْرادا».. وتصل تكاليف استعمال هذه السيارات السبع، شهريا، إلى 76 ألف درهم. إلى جانب هذه الامتيازات الخاصة، استفاد مسؤولون قائمون على أمور الوكالة الحضرية للدار البيضاء، وحتى بعض زوجاتهم وأقاربهم، من امتيازات أخرى، ناتجة عن فضائح عقارية رصدَ بعضَها تقريرُ مجلس الحسابات الأخير. هذه الامتيازات مرتبطة بما أسماه تقرير الحسابات «ورطة الاستثناءات»، كما أنها ناتجة عن تحول الوكالة إلى مستثمر في مجال العقار، منذ سنة 1993، من خلال اقتناء 1000 هكتار من الأراضي، مناصفة مع وزارة المالية، 60 في المائة منها موجودة في «النواصر». ففي الوقت الذي انصرف اهتمام الوكالة الحضرية إلى السمسرة العقارية أو ما تسميه ضمن هيكلتها «العمليات العقارية»، متخلية عن دورها الذي أحدِثت من أجله، وهو التهيئة والتصميم الحضريان، فقد تحولت الوكالة إلى أكبر باب يدخل منه المضاربون العقاريون. بدأ ذلك عندما شرعت الوكالة الحضرية في بيع العقارات التي حصلت عليها، خاصة في ضواحي المدينة. شهدت عمليات البيع هذه عدة اختلالات أدت إلى توسيع هامش استفادة مسؤولين ترابيين وأمنيين ومنتخبين كبار ورجال أعمال وأقارب مسؤولين من بقع أرضية بأثمنة بخسة للغاية. وتكشف دلائل عدة هذه العمليات، بعضها ذكِر في تقرير مجلس الحسابات الأخير وحصلنا على معطيات خاصة ببعضها الآخر. نبدأ من التقرير الذي أشار إلى أن الوكالة الحضرية قامت ببيع بقع أرضية بثمن أقل مما حدده مجلسها الإداري. شملت عمليات البيع هذه «النواصر»، حيث بيعت بقع فيلات مقابل 490 إلى 675 درهم فقط. كلف هذا الأمر الوكالة الحضرية خسارة قاربت 4 ملايير سنتيم. وبلغت الخسارة التي تكبدتها الوكالة ببيع بقع في منطقة «ليساسفة» مقابل 1750 و2100 درهم للمتر المربع أزيد من 10 ملايير سنتيم، بينما وصلت الخسارة التي أعقبت بيع بقع في تجزئة سميت «النورس» -دار بوعزة، حوالي 3 ملايير ونصف مليار سنتيم، على اعتبار أنه تم تخفيض ثمن البيع إلى النصف وبيعت بقع فيلات مقابل 500 درهم للمتر المربع. فتح ثمن البقع المتدني الباب أمام مضاربين عقاريين سارعوا إلى اقتنائها وإعادة بيعها، إلى درجة أن بقع مشروع «النورس»، والبالغ عددها 414، تمت إعادة بيع 225 منها، أي 61 في المائة من مجموع البقع، حتى إن بقعا بيعت أكثر من ثلاث مرات وراكم بائعوها أموالا طائلة. ولكنْ من هم المستفيدون من هذه البقع بأثمنة تفضيلية؟ تكشف الجواب عن هذا السؤال تفاصيل لم ترد في تقرير مجلس الحسابات. هذه التفاصيل تكمن في أن مسؤولين وأقاربهم ومعارفهم استحوذوا على عدة عقارات في المشاريع المذكورة، قبل أن يعيدوا بيعها بطريقة «ذكية». حصل بضع المستفيدين على بقع بمجرد أن مسؤولين وزرايين زكّوهم وأرسلوا نسخا من بطاقات تعريفهم الوطنية إلى مدير الوكالة الحضرية السابق. وما يجعل عمليات البيع هذه مثيرة للانتباه هو أنها كانت تتم بدون إعلان وفي سرية تامة، وفق ما يؤكده قضاة مجلس الحسابات. نبدأ من تجزئة النواصر، والذي اقتنت أراضيه الوكالة الحضرية بشراكة من إدارة أملاك الدولة، التابعة لوزارة المالية. ضمن هذا المشروع، الذي يضع 40 وحدة سكنية من فئة عمارات من خمسة طوابق، على مساحة هكتار، حصل أشخاص على البقع كلها مقابل مبالغ تترواح ما بين 2200 درهم و2400 درهم للمتر المربع. بلغت الخسارة الناتجة عن ثمن البيع المتدني أزيد من مليار درهم (100 مليار سنتيم). ضمن هذه التجزئة استفادت زوجة مسؤول ترابي من بقعة فيلا بلغت مساحتها 750 مترا مقابل 600 درهم للمتر المربع، لتقوم الزوجة المستفيدة ببيع البقعة، في شهر فبراير الماضي، بأضعاف الثمن الذي اقتنتها به. وحتى جمعية معروفة تقدم خدمات اجتماعية استفادت، بدورها، من فيلا في التجزئة المذكورة، إلى جانب أطر في ولاية الدارالبيضاء الكبرى، والذين حصلوا على فيلات في هذا المشروع. شهدت الأمرَ ذاتَه عملية بيع بقع تجزئة «أولاد صالح»، إذ تشير وثيقة تتوفر عليها «المساء» إلى أن 60 عقارا، تتراوح مساحتها بين 299 مترا مربعا و506 أمتار مربعة، بيعت بثمن يقل على 2500 درهم، ولم تمضِ أشهر قليلة حتى أعاد المستفيدون بيعها مقابل 5 آلاف درهم للمتر المربع. وبلغت الخسارة التي تكبدتها الوكالة، عقب مناقصة أجريت بتاريخ غشت 2009، أزيد من 15 مليار درهم (150 مليار سنتيم)... يلجأ هؤلاء المستفيدون من البقع إلى بيعها في وقت قياسي باتباع حيلة ذكية تتجلى في أنهم لا يعمدون إلى تحفيظها بأسمائهم، بل يتركونها في اسم الوكالة الحضرية ويبيعونها على هذه الوضعية، على اعتبار أنه لو أدرجت في أسمائهم فسيضطرون إلى أداء ضريبة باهظة مقابل عمليات بيع العقار في مدة تقل عن 8 سنوات. بين المستفيدين منتخبون كبار يتولون مناصب مسؤولة ويشتغلون في الوقت نفسه في المجال العقاري، بينهم رئيس مجلس منتخب في الدارالبيضاء، هذا الرئيس عضو في المجلس الإداري للوكالة الحضرية، بحكم ما ينص عليه قانون الوكالة الحضرية للدار البيضاء، والذي نتوفر على نسخة منه. يملك هذا المسؤول شركة عقارية استفادت من عملية استبدال لقطعة أرضية في ملكية «قطب النواصر»، ذات الرسم العقاري رقم 47/5875، تبلغ مساحتها 10 هكتارات، مخصصة للسكن الجماعي، مقابل منح الشركة للوكالة الحضرية قطعية أرضية في ملكيتها، رسمها العقاري هو 166796، واقعة في جماعة بوسكورة، أي في المجال القروي، وغير موصولة بشبكة الماء والكهراء والتطهير السائل، كما أن عملية تجهيزها مكلفة جدا، فضلا على أنها مخصصة للسكن الفردي. تم قرار الاستبدال، كما يسجل تقرير الحسابات، بناء على طلب غير معلل من طرف ما أسماه التقرير «السلطات المحلية»، أي أنه كان هناك تدخل رسمي، كما اتخذ قرار بشأنه من طرف المجلس الإداري للوكالة الحضرية دون تبرير. هنا سكت تقرير الحسابات. تتمة المسكوت عنه استقته عليه «المساء» من مصادر مطلعة، وبناء على وثائق رسمية تشير إلى اجتماع للمجلس الإداري للوكالة برسم دورة مارس 2009. وشهد هذا الاجتماع، الذي ترأسه كاتب الدولة المنتدب في وزارة الداخلية آنذاك، سعد حصار، ولم يحضره، كعادة اجتماعات المجلس الإداري للوكالة، سوى ممثلين عن الوزارات والسلطات المحلية والمجالس المنتخبة، تمرير قرار الاستبدال سالف الذكر بطريقة غاية في الدهاء.. فحسب الوثيقة المتمخضة عن الاجتماع والمتعلقة بقراراته، فقد عمد العامل المدير العام السابق للوكالة الحضرية إلى استصدار قرار من المجلس يخول له حق بيع تجزئات وبقع أرضية في ملكية الوكالة دون الرجوع إلى المجلس الإداري، لسبب وحيد هو «تشجيع الاستثمار». أعقب هذا القرارَ قرارٌ آخر، يحمل رقم 5، يجيز فيه المجلس الإداري للوكالة الحضرية للعامل المدير العام حق القيام بعملية الاستبدال سالفة الذكر. تمكّنَ المسؤول الترابي المستفيد، وهو نفسه عضو المجلس الإداري، من الاستفادة من 10 هكتارات في «النواصر» وجزّأها وباعها مقابل 5 آلاف درهم للمتر المربع الواحد من أجل إقامة عمارات من خمسة طوابق. وكان أحد المستفيدين طبيا ابن مسؤول ترابي وأمني سابق في ولاية الدارالبيضاء الكبرى، حصل عن عقار قصد إقامة مصحة خاصة. فضيحة في فندق ساهم الحصول على امتيازات من ميزانية الوكالة الحضرية للدار البيضاء، والذي ما زال متواصلا حتى الآن، فضلا على تحول هذه الوكالة إلى «وسيط عقاري»، في تحول الوكالة من مؤسسة عمومية مكلفة بوضع تصاميم للدار البيضاء الكبرى إلى مستثمر يقتني عقارات لا حاجة له بها ويهيء لافتتاح مشاريع فنادق، بعيدا عن دائرة اختصاصه. يشهد على هذا الأمر فندق «لينكولن»، الشهير، في شارع محمد الخامس في الدارالبيضاء، وهو الفندق الذي تحول إلى خراب، والذي اقتنته الوكالة الحضرية قبل سنوات بطريقة تدعو إلى الارتياب. حسب الوثائق المتعلقة بهذا الملف، والتي حصلنا عليها، فقد صدر بتاريخ نونبر 1989 قرار بهدم البناية من طرف مالكيه. لم يطبق القرار بسبب اختلاف بين الولاية ووزارة الداخلية، على اعتبار أن الأولى رفضت الترخيص بالهدم سنة 1994، بينما رخّصت الداخلية بذلك في 1995. في مقابل هذا التلكؤ، كانت السلطات المحلية تخبر مالكي البناية أنهم مسؤولون قانونيا عن أي انهيار للبناية يخلّف خسائر، في الوقت الذي لا ترخص لهم بالهدم والتخلص من المشكل نهائيا.. تخبط زاد من حدته ظهور نتج خبرات أكدت أنه لا يمكن ترميم البناية، لأنها في وضعية «متهالكة» جدا، إلى درجة أن الشركة التي تكلفت بتأمين عمال الترامواي الذي سيمر من أمام البناية رفضوا أن يشمل التأمين الجزء المقابل لفندق «لينكولن».. في ماي 2000، جددت جماعة سيدي بليوط رخصة هدم البناية لأصحابها. في الوقت نفسه، خرجت وزارة الثقافة معتبرة، في قرار نُشِر في الجريدة الرسمية، أن بناية «لينكولن» تعد أثرا تاريخيا لا يجب هدمه. في الوقت أيضا، أرسل وزير الداخلية رسالة إلى والي البيضاء يؤشر فيها على هدم البناية. أمام اشتداد التخبط، تم تقديم مشروع ترميم للبناية، حيث تم الاتفاق على أن يتكلف مالكوها بالترميم داخل البناية، بينما تتكلف المصالح العمومية المتدخلة بترميم الواجهة، بميزانية قدرها 18 مليون درهم، تعهدت وزارة الثقافة بمنح جزء من هذا المبلغ. فجأة توقف المشروع، فبعدما كانت المؤشرات تسير في اتجاه أن يتكلف مجلس مدينة الدارالبيضاء بالمشروع، رفض الأخير ذلك. هنا ستدخل الوكالة الحضرية للدار البيضاء على الخط، عبر مديرها العام، الذي حاول إقناع العمدة محمد ساجد، سنة 2009، بشراء بناية «لينكولن»، وهو ما رفضه ساجد، مشيرا إلى أنه لا حاجة إلى مجلس المدينة بالبناية به، إلى درجة أن المدير العام للوكالة والعمدة تشاجرا حول هذه النقطة، في اجتماع حضره الوالي السابق محمد القباج. انتهى الاجتماع بأن قال المدير العام للوكالة الحضرية لساجد بالحرف: «أنا غادي نْورّيك عْلاش قادّ وغادي نشْري لُوطيلْ».. أياما بعد ذلك، صدر قرار في الجريدة الرسمية، بتاريخ 13 يناير 2009، موقّع من طرف الوزير الأول، عباس الفاسي، يقضي بنزع ملكية فندق «لينكولن» للمنفعة العامة، كما ستتم إعادة تهيئته وتجديده. بعد هذا القرار بأربعة أيام، تقدم محمد الناصري، وزير العدل السابق، والذي كان يتقاضى 10 ملايين سنتيم شهريا من الوكالة مقابل نيابته عنها أمام القضاء، بمقال استعجالي إلى المحكمة الإدارية في الدارالبيضاء، بتاريخ 17 يناير 2009، يرمي إلى الحكم بحيازة فندق «لينكولن». سارع مالكو البناية إلى الطعن في قرار الوزير الأول أمام الغرفة الإدارية في المجلس الأعلى، برفع دعوى ضد الوزير الأول ومن معه. استفسرت هيأة الحكم عن طبيعة «المنفعة العامة» المحدَّدة في القرار، فأشار محامي الوكالة إلى أن الأمر ما زال محل دراسة، لتصدر الهيأة حكما تمهيديا جاء فيه «لم يتضح للمجلس الأعلى بوضوح الهدف الذي قامت الإدارة من أجله بممارسة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة، والتي من المفروض أن يكون مضمونها واضحا لتكون ممارستها مشروعة ومتوازنة في تقديرها للمصلحتين العامة والخاصة»، كما قضى المجلس الأعلى بإجراء بحث في الموضوع. بعد النظر وتغير هيأة الحكم، قضى المجلس الأعلى برفض طلب إلغاء قرار الوزير الأول بنزع الملكية. طلب مالكو الفندق إعادة النظر في الحكم بسبب عدم التعليل، كما طلبوا مرافعة شفوية لمحاميهم، لكن طلبهم رُفِض. هنا، استشعر مالكو الفندق أن في الأمر ما يثير الانتباه. في 4 فبراير 2009، خرجت لجنة مختلطة للوقوف على حالة البناية. ضمت اللجنة عدة أطراف، باستثناء الوكالة الحضرية. كما قررت، وفق محضرها، الذي تتوفر «المساء» على نسخة منه، أن البناية لا تحتمل الترميم ويجب هدمها، وفي حال القيام بذلك، ارتأت اللجنة تحويلها إلى حديقة، يُفوَّت تدبيرها إلى جمعية «كازا ميموار»، التي يرأسها مهندس معماري شهير في الدارالبيضاء. اتضحت بعض معالم هذه التوصية الخاصة المثيرة للانتباه قبل أشهر، عند بداية أشغال ترميم البناية، والتي أسندتها الوكالة الحضرية إلى مكتب دراسات ليس رئيسه سوى رئيس جمعية «كازا ميميوار».. بدأت الأشغال ، لكن المثير أكثر أنها تتم بناء على شهادة ملكية المالكين الأصليين للوكالة، أي أن الوكالة الحضرية شرعت في أشغال في عقار ليس بعدُ في ملكها.. اتصلت «المساء» بالمهندس المذكور ومدير الجمعية التي تعنى بالحفاظ على آثار الدارالبيضاء غير أنه لم يجب. يقول مالكو العقار إنه إذا كان هناك مشروع لترميم البناية وإعادة فتح فندق «لينكولن» فهم أولى بالقيام بذلك، أما إذا كان الأمر يتعلق بمنفعة عامة، مثل مدرسة أو مستشفى، فهم يتبرعون بالعقار للدولة. ويلفت تقرير مجلس الحسابات الانتباه إلى هذا الملف، مشيرا إلى أنه لاحظ أن الوكالة الحضرية لم تقم بترميم البناية، رغم الطابع الاستعجالي الذي أثارته من أجل اقتنائه، ورغم إيداع مبلغ يفوق 11 مليون درهم في صندوق الإيداع والتدبير كتعويض احتياطي لنزع ملكية الفندق. فيلا وشقق ومشاريع «مجانا» الملفات سالفة الذكر، كما تبدو، معقدة، لذلك لا يشغل بها مسؤولون أنفسَهم، مفضلين الحصول أو منح امتيازات بطرق سهلة وأقل تعقيدا. تتجلى هذه الامتيازات في السمسرة في تفويت خدمات توفرها جماعات محلية. دققت في هذه العمليات، في 11 يناير الماضي، لجنة تشكلت بناء على ميثاق الشرف الذي جمع مكونات مجلس مدينة الدارالبيضاء. سميت هذه اللجنة لجنة مراجعة العقود والامتيازات. بعد عمل، تم الوقوف على ملفات تخويل امتيازات تحوم حولها شبهات، وكان أمس الأربعاء موعد انعقاد اجتماع للجنة للنظر في بعض هذه الملفات.. بين الملفات التي تتوفر «المساء» على نماذج منها ما يتعلق، بشكل غير مباشر، بتخويل امتيازات لأشخاص مقابل تقديم خدمات انتخابية. هكذا، على سبيل المثال، أشّر كل من رئيسة مقاطعة آنفا، ياسمينة بادو، وعمدة الدارالبيضاء، محمد ساجد، في مارس 2008، على اتفاقية مع شخص يعمل تاجرا، يتم السماح له بموجبها باستغلال حمام عمومي في آنفا ولمدة 20 سنة.. كان الحمّام مكريا لشخص مقابل 22 ألفا و600 درهم، ونظرا إلى عجزه عن الالتزام ماديا وتمديد العقد، تم تفويت استغلال الحمام لشخص آخر، ولكنْ بدون مقابل.. تمت العملية دون سمسرة عمومية ولم تستهدف تنمية الموارد المالية للجماعة، إذ لم يشترط تسديد مقابل مادي، باستثناء إلزام المستفيد ب«تقديم الدعم المادي للجمعيات والفرق الرياضية، التي تنشط في نفوذ مقاطعة آنفا وتزويدها باللوازم الرياضية الضرورية مقابل الاستفادة من استغلال المرفق المذكور». تشهد الأمرَ ذاتَه مستودعات وحمامات «دوش» في كورنيش عين الذياب. تم تفويت هذه المرافق لأشخاص دون اللجوء إلى مسطرة طلب عروض. والمثير أن موظفين جماعيين سابقين وحاليين يستفيدون منها. مرافق أخرى في ملكية الجماعة الحضرية للدار البيضاء تم منح أشخاص حق الاستفادة منها بشكل ريعي ومقابل أكرية زهيدة للغاية. بين هذه المرافق معلمة أثرية هي «الصقالة». في هذا الفضاء التاريخي يوجد مقهى ومطعم. كان هذان المرفقان عبارة عن فضاءين شعبيين غير مُجهَّزين. لهذا الغرض عمدت جماعة سيدي بليوط، بتاريخ 22 دجنبر 2001، أيام نظام المجموعة الحضرية وعندما كان إدريس بنهيمة واليا للدار البيضاء الكبرى بتخويل شركة اسمها «ريسطو برو»، يديرها أجنبي، ورأسمالها 10 ملايين سنتيم، حق استغلال مقهى ومطعم «الصقالة»، لمدة خمس سنوات تم تجديدها، قبل أن نهاية السنة الماضية. والمثير في هذه العملية، كما يثبت ذلك العقد الذي تتوفر «المساء» على نسخة منه، أن الشركة المستفيدة مطالَبة بتسديد عائد شهري محدد في 750 درهما لجماعة سيدي بليوط مقابل استغلال الفضاء وتجهيزه، علما أن أقل عائد شهري يجب استخلاصه، بحكم مداخيل المقهى والمطعم، هو 10 آلاف درهم.. يشمل الريع، أيضا، أكرية بنايات تابعة للجماعة الحضرية الدارالبيضاء ومقاطعاتها، بينها فيلات وشاليهات في ضواحي المدينة الشاطئية، وضمنها أيضا 44 مسكنا. يتعلق الأمر، وفق لائحة مؤرخة ب20 أبريل 2012، معنونة ب«لائحة بأسماء المحلات المعدة للسكن الوظيفي»، بفيلات وشقق ومنازل يستغلها أشخاص، وأحيانا أرملاتهم، علما أن السكن الوظيفي لا يُورَّث، مقابل سومات كرائية متدنية للغاية. ضمن هذه «المساكن الوظيفية» منازل في شوارع رئيسية، مثل شارعي الزرقطوني وعبد المومن، مكتراة بقيمة شهرية لا تتعدى 250 درهما، أي ما مجموعه 3 آلاف درهم في السنة.. مساكن أخرى توجد داخل مقرات إدارات ومصالح عمومية مكتراة مقابل 150 درهما للشهر، أي ما مجموعه 1800 درهم في السنة. كما أن مستفيدين وردت أسماء مرتين، يستفيد من مسكنين اثنين. إلى جانب هذه المنازل، يستفيد أشخاص من 26 شقة مملوكة للجماعة الحضرية، قرب مسجد بدر في حي «بوركون» مقابل سومة كرائية ترجع إلى ستينيات القرن الماضي، وتتراوح بين 40 و60 درهما في الشهر.. هذه ملفات كشفت الآن.. ملفات أخرى تظل مختفية.. إلى حين.
مسؤولون وموظفون كبار يخلقون وداديات ويتهافتون على مشاريع سكنية في الوقت الذي كان موظفون في مختلف مصالح ولاية الدارالبيضاء الكبرى يطالبون بكشف حقيقة استفادة مسؤولين وموظفين كبار من فيلات وشقق فخمة في المشروع المعروف ب«المصلى»، رغم مسارعة مستفيدين إلى بيع ما استفادوا منه، هم وأقاربهم، كما أن العقار، الذي تم شراؤه مقابل 900 درهم للشهر، ما زال لم يحفظ باسم الجمعية التي اقتنته بسبب مشاكل قانونية.. (في هذا الوقت) كان موظفون كبار في عمالة الحي الحسني، والذين استفادوا من مشاريع سكنية، أشهرها تجزئة معروفة باسم «فرماجة»، يستحثون الخطى لإتمام إجراءات توزيع شقق من مشروع سكني جديد قرب أكبر سوق ممتاز في الحي الحسني، وقرب سوق «ولد مينة» القصديري. عوض محاربة السكن العشوائي، والذي تعقّدَ بعد إضافة حوالي 300 «براكة» جديدة في حي سيدي الخدير و70 «براكة» في دواوير ليساسفة، على يد أستاذ جامعي وموظف جماعي، وبدل التأشير على تصاميم خرجت إلى حيّز التنفيذ منذ يناير الماضي، فإن مصالح العمالة صرفت أنظارها الآن إلى المشروع السكني الجديد، فرغم أن مشروع «فرماجة» شمل عدة شقق تكفي لجميع موظفي العمالة، فإن جمعية الموظفين، التابعة للعمالة، سارعت إلى عقد جمع عام وتم الاتفاق على تسريع وتيرة بناء مجمع سكني جديد قرب السوق الممتاز. ضمن المستفيدين من هذا المشروع الجديد شخصيات نافذة، كما يجري الحديث عن استفادة قائد جديد في الحي الحسني. الرغبة في الاستحواذ على عقارات بأثمنة بخسة وإقامة مشاريع سكنية فيها حذيا بكبار موظفي الوكالة الحضرية للدار البيضاء الكبرى، هم أيضا، بالشروع في عملية بناء تجزئة سكنية لفائدتهم في منطقة بوسكورة. وتسللت أسماء نافذين أيضا إلى لائحة المستفيدين.
ميزانيات خيالية لشراء مبيدات حشرات وجرذان و31 مليارا للأسفار والإقامة في الفنادق 82 مليون سنتيم لصباغة جدران قبل الزيارة الملكية و«منشأة فنية» ابتلعت مليار سنتيم في الوقت الذي تقرؤون هذا التحقيق، يجري التحقيق القضائي مع أربعة موظفين في مجلس مدينة الدارالبيضاء، متابَعين في حالة سراح.. سبب متابعتهم ملفاتُ تسيير مالي وإداري تحوم حولها شبهات. بين الملفات ما يتعلق بكيفية صرف ميزانيات على مشاريع تزفيت طرق وأزقة وتدبير مداخيل. يتضمن الحساب الإداري لمجلس مدينة الدارالبيضاء، والذي تتوفر «المساء» عليه، أمثلة عن صرف مَبالغ مُبالَغ فيها وأخرى مثيرة للشبهة. بين هذه المصاريف، مثلا، تخصيص أكثر من 82 مليون سنتيم من أجل صباغة جدران وتهيئة ساحة محمد الخامس، استعدادا لزيارة ملكية سنة 2010. بين المصاريف، أيضا، تخصيص أزيد من 310 ملايين درهم (31 مليار سنتيم)، خلال سنة 2011 لوحدها، لما سمي «الإدارة العامة». ضمن هذه الإدارة العامة رصدت مبالغ كبيرة للسفريات والإقامة في فنادق وحفلات استقبال. من بين ما صرفه مجلس البيضاء في السنة الماضية أزيد من 146 مليون درهم (14 مليارا و600 مليون سنتيم). خُصِّص هذا المبلغ الضخم لبناء أو تهيئة 19 مرفقا اجتماعيا ومركبا رياضيا وثقافيا في مقاطعات الدارالبيضاء. كما تم تخصيص قرابة 6 ملايين درهم ونصف المليون لأشغال تهيئ وصيانة الإشارات الضوئية المرورية. كُلِّفت بهذه الأشغال شركات بعينها. خصصت 11 مليون درهم ونصف المليون (أزيد من مليار سنتيم) لصفقة بناء ما سمي «منشأة فنية» في سيدي مسعود، في ضواحي الدارالبيضاء. وحتى الأنشطة الثقافية والفنية خُصِّصت لها ميزانية مثيرة للانتباه، بينها صرف مليوني درهم من أجل شراء كتب لمكتبة «لمعاريف»، بينما خصصت لمهرجات صغيرة ومعارض فنية في مقاطعات 7 ملايين درهم من ميزانية مجلس المدينة في سنة 2011، كما خُصِّص مليون درهم لشراء معدات رياضية بموجب ثلاث صفقات توزع على شركتين اثنتين. شملت الميزانية تخصيص 16 مليون درهم لاقتناء أدوية خلال حملات طبية وصرف أزيد من 197 ألف درهم من أجل شراء قفازات وكمامات طبية، كما خصص، في إطار مصاريف حفظ الصحة والسلامة الصحية، مبلغ 760 ألفا و900 درهم لاقتناء مبيدات الحشرات سنة 2010، كما خصصت ميزانية قدرها 32 ألفا و382 درهما لشراء مواد سامة لإبادة الفئران. ووصف مصطفى رهين، وهو عضو غير متحزب ومعارض في مجلس مدينة الدارالبيضاء ملفات التسيير المالي والإداري التي جرّت الموظفين المذكورين إلى الوكيل العام للملك بملفات «الفساد المستشري في دواليب التسيير الجماعي». كشف رهين عن بعض هذه الملفات بقوله: «تفوق ميزانية المجلس 200 مليار سنتيم، تُبدَّد عبر صفقات تتم بطرق مشبوهة، حيث إن اغلبها لا يخضع لقانون الصفقات العمومية، بل يتم عبر ما يسمى «الصفقة المتفاوضة»، التي تعطي الحق للرئيس لمنحها لشركة بعينها، بدعوى الاستعجال، ثم إنه لا يتم إنجاز هذه الصفقات بالشكل المنصوص عليه في دفتر التحملات». يسجل رهين، أيضا، ما يقول إنه «إفراط في توقيع الاتفاقيات مع مكاتب الدراسات دون جدوى، والهدف «إرضاء» أقارب بعض النافدين، كما يتم تبديد الأموال بطريقة باذخة، عبر سفريات المنتخبين إلى الخارج واستقبال الضيوف». كما يكشف طرقا خاصة لاستخلاص أموال، وهو ما يبرزه بقوله: «يتم التواطؤ مع بعض «المحترفين» لتغريم الجماعة أموالا طائلة عبر الأحكام القضائية الصادرة ضدها، كما يقوم مسيرون في الجماعة بالتلاعب في مداخيل الميزانية بالتواطؤ مع مستغلي الملك العمومي، عبر التغاضي عن المساحات الحقيقية التي يستغلونها، فضلا على التغاضي عن مداخيل الأراضي العارية، كما أن الجماعة قامت بكراء محلات تجارية وسكنية في ملكيتها لأشخاص متنفذين بمبالغ زهيدة لا تغطي حتى مصاريف ورق العقدة.. إضافة إلى تفويت أراضي الجماعة بأثمان بخسة، في الوقت الذي تعمد الجماعة إلى شراء أراضٍ أخرى وبأثمان خيالية، ناهيك عن التلاعب في مداخيل الأسواق الجماعية والمنتزهات وغيرها».