حقيقة، ودون ماكياج ولا كلمات رنانة، فالثقافة في المغرب، وبمفهومها الشاسع، تعيش أسوأ أيامها وحالاتها، فهي مُهمَّشة ومقصية ومُحتقَرة من طرف قاعدة واسعة من المجتمع المغربي.. وهذه القاعدة تحتوي، للأسف، عيّنات كان، حسب المنطق، يتوجب أن تكون إلى جانبها وليس ضدها. تضم هذه القاعدة كثيرا من الفئات المشتغلة في الفكر والمُعوَّل عليها في خلق النقاش داخل المجتمع وصنع الأفكار وتحويل هذا الواقع البئيس، الذي كان من النتائج الحتمية لوصول كثير من الأميين والمُهرِّجين و«جحافل الجراد» إلى مراكز معينة في السلطة.. فعاثوا فسادا في كل شيء. وكانت الثقافة أكبرَ الخاسرين. فما كان من اجتهادات هؤلاء و«عبقرياتهم الفريدة» هو الإجهاز على ما تبقى من نفَس فيها وجر جثتها إلى القبر والجلوس بقربه للبكاء والنحيب، وأيضا، للتسول باسمها. رحمك اللهُ ثقافتنا، وإنا لله وإليه راجعون.. إنه ليأخذني العجب، كل العجب، لما أجد أن من كان يجب أن يكون في صف الثقافة ومن أشرس المدافعين عليها هو من يحفر لها حفرة من أجل دفنها. فكثير من الذين ينتمون إلى عالم الثقافة، والذين كان من المفروض أن يكونوا من المساهمين في حلحلة هذا الواقع البئيس، تحولوا -بقدرة قادر- إلى مجرد شحاتين ومساكين، نزلت عليهم الذلة والمسكنة وتاهوا في الأرض باحثين عمن يلقمهم لقمة. وهكذا أعاد التاريخ نفسه، لكنْ بشكل أسوأ، فبعدما كان الشعراء و«المفكرون» والكتاب «يشدون الصف» أمام أبواب الملوك والسلاطين والولاة عاد مثقفو آخر الزمان يقفون بأي باب ويمدون أيديهم لأي كان، حتى ولو كان ضبع الضباع!.. لا إله إلا الله. فاللهمّ نسألك حُسنَ الخاتمة. من أعداء الثقافة تجد الصحافيين و الكتاب والشعراء والنقاد ورجال التعليم ورجال السلطة ومدراء الجرائد.. وهذا أخطر، حيث إن البعض لا ينظرون إلى الثقافة إلا كمجرد «خْضرة فوقْ طعام».. ومن تم فهم لا يلتفتون إليها إلا لشيء في نفس يعقوب.. ولا يعرفون أنها موجودة إلا حينما يموت «هرم كبير»، فيُخرجون ألسنتهم ويُدبّجون خطاباتهم ويُخرجون من أرشيفاتهم بعض الصور التي تَصادَف أن كانت لهم معه ليضعوها في الصفحة الأولى، فيقولون عنه إنه كان «طبيبَ العقل العربي» أو كذا كلام.. لكن الحقيقة أن كثيرا ممن يحملون القلم يفعلون ذلك بعيدا عن أي موهبة وبدون أي مشروع، حيث إنهم عوض أن يكون همّهم هو خلق جدال وتثوير الأفكار، صاروا يطبعون كتبهم مثل «بوتي بّان»، ويبيعونها كما يبيعون «البطاطس». إن واقع الثقافة لا يمكن فصله عن ميادين أخرى، وعلى رأسها التعليم والإعلام، وإن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من بؤس فنتيجة الاعاقة التي وصلت اليها تلك المجالات.. وهذه البلاد لن تركب قطار التحول الكبير إلا إذا عرفت داءها في هذه المجالات ودواتها ولو بالكيّ. فيا أيها الناس، تداووا فما أنزل الله من داء إلا وأنزل معه الدواء.. ودواء الجهل العلم!..