بل سنتين فقط، لم يكن أحد من الخبراء والباحثين والسياسيين والاقتصاديين في أمريكا أو خارجها يتوقع أن يصل مرشح أسود إلى البيت الأبيض. لما تقدم باراك لمنافسة هيلاري كلنتون عن ورقة الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، قال الجميع: «إن المجتمع الأمريكي غير مؤهل لأن يحكمه أسود أو امرأة، وإن الفوز سيكون لماكين، ليس لأنه الأفضل ولكن لأن عائقا سيكولوجيا وفكريا ضد المرأة والأسود سيمنع الناس من التصويت لأحدهما...». أمريكا هي من أكثر البلدان التي ترتبط فيها السياسة بمراكز البحث والدراسات الاستراتيجية ومعاهد استطلاعات الرأي وعجلات الإعلام والدعاية الانتخابية، علاوة على مؤشرات قياس حجم التحولات التي يعرفها هذا البلد الغني والكبير. ومع كل هذا، عجزت كل هذه المؤسسات عن توقع –مجرد توقع- وصول مرشح أسود، كان الكثير من السود في أمريكا يوم ولد، قبل 47 سنة، ممنوعين من المشاركة في الانتخابات. ماذا يعني هذا؟ إنه درس آخر حمله وصول أوباما إلى الرئاسة في البيت الأبيض. هذا الدرس يقول: إن النخب السياسية والحزبية والعلمية والتكنوقراطية أصبحت عاجزة عن إدراك حجم التحولات المتسارعة في بطن المجتمع نتيجة عوامل معقدة ومتعددة، أبرزها تطور الثقافة الإعلامية لدى الجمهور نتيجة تغلغل تكنولوجيا الاتصال، وتطور أنماط العيش بفعل زيادة تأثير الاقتصاد في حياة الناس، وتراجع سيطرة الإيديولوجيات بكل أشكالها على وعي الكثير من الناس، وارتفاع منسوب «الوعي الفردي» لدى المواطنين الذين أصبحوا يعملون ويربحون ويخسرون ويسافرون ويتزوجون ويغامرون وينتخبون بحرية أكبر، مبتعدين أكثر فأكثر عن «الوعي الجمعي» وعن «الروابط التقليدية» التي كانت تتدخل كثيرا في اختياراتهم الحياتية، مثل العائلة والقبيلة والأصل والعرق والدين واللون... مازال الوقت مبكرا لفهم سر هذا التحول الكبير في المجتمع الأمريكي الذي استطاع أن يتجاوز عقدته العنصرية، وأن تصوت أغلبيته (52%) سياسيا واقتصاديا بصرف النظر عن لون وعرق المرشح. إن هذه الملاحظة الجوهرية والسريعة تدفعنا إلى التساؤل محليا عن درجة معرفتنا بالمجتمع المغربي، وما إذا كان هو الآخر –مع كل التحفظ الذي تستوجبه المقارنة مع وجود الفارق- يعيش تحولاته الكبيرة بعيدا عن أعين نخبه السياسية والعلمية والاقتصادية والدينية... كثيرا ما نسمع عبارة: «إن المجتمع المغربي غير مهيأ بعد لهذا النوع من الأفكار ولهذا الجيل من الإصلاحات وهذا الشكل من الحكم، وهذه العلاقة بين السلط...»، ومن كثرة تكرار هذه الجمل الاعتراضية عند كل إقدام على الإصلاحات الجذرية، بات مجتمعنا ميتا أو هكذا نتصور. وقليل هم من يسائلون هذه الفرضية، وقليلون هم من يشككون في هذه «القاعدة»، رغم أن المجتمع يتعرض لكم هائل من التحولات التي طرأت على مجالات عدة، وفي مقدمتها وسائل الإعلام التي أصبحت تنقل المواطن إلى عوالم أخرى وثقافات عديدة. فهل يمكن أن نصدق أن شيئا لا يعلَق بتفكير المجتمع وسلوكه مما يحدث في تلك العوالم؟ أنا أشك، والذين لا يشكون كان مصيرهم أنهم صدموا يوم 7 شتنبر 2007 عندما قاطع 80 % من المغاربة صناديق الاقتراع... وربما يفاجؤون أكثر إذا لم يقرؤوا رسالة هذه المقاطعة.