كنا نترقب أن يخصص الإعلام الفرنسي حيزا وافرا للحريق الفاجع الذي أتى على مجمع «فيلاجيو مول»، أكبر متجر للتسوق بالدوحة، والذي أودى بحياة 19 شخصا من بينهم 13 طفلا، لكن الصحافة اكتفت بإشارات خفيفة في قصاصات وجيزة. المهم أن الإعلام تعامل مع قطر، بلد الغاز والبترول وإمبراطورية «الجزيرة»، كما يتعامل مع سقوط القطارات المكتظة بالمسافرين أو تصادمها في البانغلاديش، بخبر قصير! لكن لما يتعلق الأمر بسباق الخيل والجمال والسيارات والدراجات النارية، التي تبرع المشيخة في تنظيمها، فإن التحقيقات «تطلي» الشاشات وصدريات الصحف. المفارقة الأخرى هي أن قناة «الجزيرة» تحرم في الداخل ما تحلله في الخارج؛ فبعد مرور خمسة أيام على الفاجعة وبدون تنكيس للأعلام، بدون حداد وطني ولا يحزنون، أطلقت قطر يوم الجمعة الماضي انطلاقا من فرنسا، وتحديدا من قصر شايو بالتروكاديرو، بحضور كوكبة من نجوم كرة القدم، قناة «بي إن سبورت 1»، وهي القناة الناطقة بالفرنسية والتابعة لشبكة «الجزيرة» القطرية. وسيعمل بالقناة 150 موظفا، من بينهم 50 صحفيا. رافقت ولادة هذه القناة حملة إعلامية وترويجية مكثفة لاستجلاب عشاق كرة القدم للتعرف على القناة الجديدة والاشتراك فيها. وقد حدد سقف الاشتراك في مبلغ 11 أوروها شهريا، وهو ثمن «لوكوست» مقارنة بالأثمنة التي تمارسها القنوات الرياضية الأخرى مثل «كانال بلوس»، التي تطبق سعر 39,5 أوروها. وتملك «بي إن سبورت 1» حقوق بث ثماني مباريات من الدوري الفرنسي، وذلك ابتداء من الموسم المقبل، علاوة على بثها للعديد من البطولات الأوربية، وبالأخص كأس أمم أوربا لكرة القدم لعام 2012 وأولمبياد لندن والبطولة الإيطالية وقرابة 300 مباراة من بطولات أمريكا اللاتينية. أما القناة الثانية، «بي إن سبورت 2»، فستنطلق في الثامن والعشرين من يوليوز القادم. وللتذكير، فقد تسبب تسلل «بي إن سبورت» إلى المشهد الإعلامي والرياضي في نشوب حرب مفتوحة وقضائية بين هذه القناة وبين «كانال بلوس»، الموزع التاريخي لمباريات البطولة الفرنسية، وذلك على خلفية انتقال بعض المدراء المشرفين على القسم الرياضي في «كانال بلوس» وبعض المعلقين الرياضيين إلى القناة الجديدة التي أغرتهم برواتب خيالية. ولم يتوقف نهم القطريين عند هذا الحد، فبعد «بي إن سبورت 1» و«بي إن سبورت 2»، تطلق قطر، لكن هذه المرة من السنغال وعند متم غشت، قناة للأخبار بالفرنسية. ولو تأكدت صحة الخبر، الذي أوردته صحيفة «لوفيغارو»، فإن هذا المشروع، الذي عارضه نيكولا ساركوزي «مخافة أن تتحول القناة إلى صندوق بريد لشباب الضواحي من المغاربيين»، قد تكون له انعكاسات إعلامية واقتصادية خطيرة داخل فرنسا، إذ قد تتسبب في ضرب قناتي «فرانس 24» و«فرانس 5» الفرنكوفونية في الصميم؛ فبعد العالم العربي والآسيوي، بعد إطلاقها لقنوات جديدة باللغة السواحلية والصربية الكرواتية، تطمح «الجزيرة» إلى بسط هيمنتها على العالم الإفريقي الذي يبقى في غالبيته فرونكوفونيا. المهم أن هاتين الخطوتين تندرجان في استراتيجية إعلامية واقتصادية كاسحة للمشهد الإعلامي والرياضي الفرنسي. وقد استثمرت المشيخة 400 مليون أورو للتمتع بحقوق البث والتوزيع، كما تتكئ على قوة ردع مالية هائلة تؤهلها لشراء خيرة الإعلاميين والخبراء الرياضيين.