ألقى عبد الباري عطوان، الصحفي الفلسطيني المعروف ورئيس تحرير جريدة «القدس العربي»، محاضرة بمدينة طنجة تطرق فيها إلى انعكاسات الثورات العربية على البلدان التي جرت فيها والنتائج التي تمخضت عنها، خصوصا في مصر التي شهدت الأسبوع الماضي أول انتخابات تعددية، حيث توقع عطوان ثورة ثانية أو انقلابا عسكريا إذا ما فاز مرشح الإخوان المسلمين في الانتخابات، كما تحدث عما سماه ب«الإرهاب الفكري» الذي يعيشه بسبب رفضه التدخل الأجنبي في الدول العربية، وانتقد بعض وسائل الإعلام العربية التي اتهمها بتضليل الرأي العام. توقع عبد الباري عطوان، رئيس تحرير جريدة «القدس العربي»، أن تشهد مصر انقلابا عسكريا إذا فاز أحد المرشحين الإسلاميين، أو أن تشهد «ثورة ثانية» في حال وصول مرشح ممن يوصفون ب«الفلول» إلى كرسي الرئاسة. وذكر عطوان، خلال محاضرة له بطنجة الخميس الماضي، أن صعود محمد مرسي مرشح جماعة الإخوان المسلمين أو عبد المنعم أبو الفتوح المرشح الإسلامي المنشق عن الجماعة قد يثير حفيظة العسكر، وقد يدفعهم إلى «الانقلاب» على اختيار المصريين، فيما لن يرضى المصريون عن وصول أحمد شفيق أو عمرو موسى المحسوبين على النظام السابق إلى كرسي الرئاسة، بعد ثورة طالبت بإسقاط النظام. غير أن عطوان أبدى تفاؤله بالانتخابات الرئاسية المصرية، معتبرا أن المؤشرات الأولية المتمثلة في الإقبال الكبير للناخبين على الاقتراع وقلة المشاكل والخروقات، تثبت أن شعب مصر يريد «تغييرا حقيقيا». وأضاف أن انتخابات مصر قد تغير العالم العربي لأنها قد تعيد لها زعامة فقدتها قرابة أربعين عاما، كما أن نهضة مصر المتوقعة ستنعكس، حسب عطوان، على كل العالم العربي. وفي مقارنة للحالة المصرية بنجاح الإسلاميين بكل من تونس والمغرب، قال الكاتب الفلسطيني إن الأمر لن يكون بالسلاسة نفسها، بحكم وجود «خوف» من تولي رئيس إسلامي مقاليد الحكم، ذاكرا أن من يحملون هذا «الخوف» هم أولئك «المتربصون بمصر والخائفون من استعادتها دورها المفقود». وقال عطوان إن الولاياتالمتحدة لا يهمها أن يأتي رئيس «يلتزم بتطبيق الديمقراطية»، بل ما يهمها هو أن «يحترم» الرئيس الجديد اتفاقية «كامب ديفد»، وأن يلتزم بحماية إسرائيل، كما أنها تريد «شريكا» في حروبها على المنطقة، خاصة في الحرب المتوقعة على إيران. وعرج رئيس تحرير «القدس العربي» على الحرب المحتملة بين إيرانوالولاياتالمتحدة وإسرائيل، والتي توقع أن تكون آخر حرب في منطقة الشرق الأوسط على غرار الحرب العالمية الثانية التي كانت الأخيرة لأوروبا، حيث ألزم حجم الدمار زعماء الدول المتطاحنة بالجلوس إلى طاولة الحوار. وذكر عطوان أن الحرب على إيران لا تدفعها فقط الرغبة في منعها من امتلاك سلاح نووي، قال عنه إن أمريكا لن تسمح لغير إسرائيل بامتلاكه، بل أيضا رغبة الولاياتالمتحدة في «وضع يدها على صنبور النفط»، متوقعا أن تقوم هذه الحرب في أي لحظة، بدليل تشكيل حكومة وحدة وطنية في إسرائيل، «وهي حكومة حرب وليست حكومة سلام»، حسب عطوان. وأضاف المحلل السياسي الفلسطيني أن أسباب غزو العراق تتكرر مع إيران، من حيث توفر الدولتين على مقومات النمو ورغبتهما في خلق توازن عسكري مع إسرائيل، إلى جانب توجه سياستهما الخارجية صوب روسيا والصين والدول الصاعدة. واعتبر عطوان أن صدام حسين، الذي أصر على وصفه ب«الشهيد»، دفع ثمن رفضه «الحج إلى البيت الأبيض»، قائلا إن ممانعته أدت إلى تدمير بلده وتقسيمه على أسس طائفية وعرقية، محذرا من مصير مماثل بدول عربية أخرى نتيجة التدخل الأجنبي في شؤونها. وقال عطوان إن العرب أصبحوا «فريسة» يرغب الجميع في الاستفادة منها، حيث إن وجود مشروع غربي وصهيوني وإيراني وتركي يقابله غياب أي مشروع أو طموح عربي، غير أن امتلاك العرب للمال وللثروات الطبيعية جعل أطماع الأمريكيين والأوروبيين تتجه إليهم، وساهمت حالة «الإفلاس» التي تنقاد إليه الدول الغربية بسبب الأزمة المالية العالمية، في حدة تلك الأطماع الهادفة إلى «الوصول إلى حقول النفط العربية»، مضيفا أن «من سيملك النفط العربي سيقود الاقتصاد العالمي». وأبدى الإعلامي الفلسطيني خشيته من أن تكون للغرب يد في الثورات العربية، من أجل ثرواتها الطبيعية، مستشهدا بتدخل حلف «الناتو» لإسقاط نظام القذافي بليبيا، وهو التدخل الذي لم يحدث سابقا إلا في العراق، ولم يتكرر في أي دولة أخرى، مشيرا إلى أن القاسم المشترك بين البلدين هو النفط واتجاه نظاميهما السابقين إلى الدول المنافسة للولايات المتحدة، وخاصة روسيا والصين. واعتبر عطوان أن العالم العربي يعيش حالة من «التضليل الإعلامي» غير المسبوق، حيث باتت القنوات الإخبارية تغيب الطرف الآخر، وتوجه الرأي العام، وتروج لضرورة التدخل العسكري الأجنبي، في حين باتت معظم القنوات الدينية تلعب دورا «تحريضيا»، بينما تحاول القنوات الرياضية وقنوات «الفيديو كليب» إبعاد الشباب العربي عن الاهتمام بتاريخه وثقافته، موضحا أن كل ذلك أدى إلى «ضحالة غير مسبوقة في الفكر العربي». وأورد رئيس تحرير «القدس العربي» أنه بات يعيش «إرهابا فكريا نتيجة التضليل الإعلامي» الكبير الذي تقوده قنوات إخبارية عربية، خاصا بالذكر قناتي «الجزيرة» و«العربية»، وأضاف أن موقف جريدته الرافض للتدخل الغربي في سوريا وقبلها في ليبيا جعلها موضع اتهام. وأبدى عطوان أسفه على تراجع القضية الفلسطينية في سلم أولويات المواطن العربي، داعيا إلى تنظيم احتجاجات أسبوعية عقب صلاة الجمعة لكي تظل القضية محل اهتمام المواطنين العرب، وسط اهتمامهم بباقي القضايا العربية، دون أن ينسى انتقاد ما يسمى ب«عملية السلام»، قائلا إن إسرائيل «تضحك» بها على العرب منذ 19 سنة، معلقا على ذلك بالقول: «أي سلام هذا الذي يجبر محمود عباس على تجديد تصريح انتقاله من رام الله إلى عمان كل ثلاثة أشهر؟»، معتبرا أن عباس ينساق وراء «الخداع» الإسرائيلي، الذي كان آخره دعوة العرب إلى «السياحة» بالقدسالمحتلة. ولم يخض عطوان كثيرا في الوضع السوري، لكنه أكد على موقفه الرافض للتدخل الأجنبي في أي دولة عربية، بينما اعتذر عن عدم اطلاعه الكافي على ما يدور المغرب، مرجعا ذلك إلى «علاقة الجريدة غير الجيدة مع الحكم»، غير أنه نوه بالحراك الشعبي المغربي، قائلا إن المغاربة أثبتوا قدرتهم على الوصول إلى ما يريدون بطرق سلمية.