مولاي نصر الله البوعيشي نظمت الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة العيون بوجدور الساقية الحمراء ،يوم 05 ماي 2012 في قصر المؤتمرات في العيون، يوما دراسيا حول تكافؤ الفرص في المنظومة التربوية تحت شعار «الارتقاء بالمنظومة التربوية مسؤولية مجتمعية». لا أحبذ الدخول في تفاصيل الأسباب الثاوية وراء تنظيم هذا اليوم الدراسي في هذا الوقت من السنة الدراسية ولا حول طبيعة بعض المشاركين فيه (الجهات الأمنية المكلفة بالأمن المدرسي) وعلى كل حال، فهي بادرة ألقت بعض الضوء على أحد المظاهر السلبية التي تعرفها منظومتنا التربوية، كما أنها اعتراف ضمني بأننا نعيش، فعلا، أزمة حقيقية في عدم تكافؤ الفرص. ما المقصود إذن بمبدأ تكافؤ الفرص؟ تنهض فلسفة منظومة التربوية والتكوين على مجموعة من المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل، وللإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات والمواثيق الدولية. ومن جملة هذه الحقوق مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، إناثا وذكورا، سواء في البوادي أو في الحواضر، كما هو منصوص على ذلك في المادة ال26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وفي اتفاقية مكافحة التمييز في مجال التعليم (1960) واتفاقية حقوق الطفل (1989) وأيضاَ الاتفاقية الخاصة بالتعليم التقني والمهني (1989) وكما هو منصوص عليه في المادة ال6 من الدستور الجديد للمملكة. و يسعى مبدأ تكافؤ الفرص إلى تحطيم الحواجز الاجتماعية والطبقية في مجال التربية والتعليم، من خلال إعطاء فرص متساوية في التربية والتكوين لكافة أبناء الوطن الواحد، بغضّ النظر عن أصولهم الاجتماعية والاقتصادية والإقليمية، قصد اكتساب المعارف والمهارات لتحمُّل المسؤوليات في مجتمعهم ووطنهم. انطلاقا من ذلك فإن مبدأ تكافؤ الفرص يتجاوز الخطابات الرسمية الدعائية والاحاديث المثالية ولا ينحصر في الأيام الدراسية أو في خلاصات اشغال ورشات أو في المحاضرات والندوات (مهما خلصت النوايا).. كما أن مبدأ تكافؤ الفرص ليس قرارا إداريا أو إصدار مذكرات أو سن قوانين.. إنه مبدأ يجب أن يعاش ويلمس ويُفعَّل على أرض الواقع من خلال: - توفير البنايات والتجهيزات على قدم المساواة في جميع المؤسسات في الحواضر، كما في البوادي. والحال أن الفوارق شاسعة بل ورهيبة أحيانا. *تبني منهاج تعليمي يلبّي حاجيات المجتمع وتطلعاته، يكون نابعا من صميم المجتمع ونتاج أبنائه وليس منتوجا مستوردا، منهاجا يوحد بين كافة مكونات المجتمع، لا فرق فيه بين أبناء الميسورين وأبناء الأسر الفقيرة وبين ما يلقن في المدارس الخاصة والمدارس العمومية. - تقويم موضوعي يمنح للجميع القدرة على المنافسة النزيهة دون الشعور بالنقص والتهميش والحيف. إن تكافؤ الفرص كذلك أكبر بكثير من حشره في زاوية ضيقة وربطه بالغش في الامتحانات واقتصار الهدف في «التهييئ لفترة الامتحانات المقبلة في ظروف جيدة».. كما جاء في الكلمة التي افتتح بها مدير الأكاديمية هذا اليوم الدراسي. إن التلاميذ في جهة العيون بوجدور الساقية الحمراء، كما في باقي جهات المملكة، لا يملكون فرصاً متساوية للتحصيل، فأبناء الميسورين يتوفرون على كل شيء غرف خاصة قي بيوتهم، مع حواسيب مرتبطة بشبكة الأنترنت وعلى مدرّسين خاصين لكل تخصص وسيارات خاصة تُقلّهم، ذهابا وإيابا، إلى مدارسهم الخصوصية وطبيب خاص يتتبع وضعهم الصحي والنفسي، لتنحصر مهمتهم في الدراسة ولا شيء غير الدراسة، وهؤلاء لا تشملهم مفاهيم الهدر المدرسي والتسرب والاكتظاظ والعنف المدرسي وبعيدون كل البعد عن كل الآفات التي تعيشها المنظومة التربوية في المدارس العمومية ومقاعدهم محجوزة باسمائهم في المعاهد العليا المختارة الخاصة، بل إن وظائفهم، كمدراء شركات وكخبراء وكمهندسين، معروفة سلفا.. أما أبناء الطبقات المسحوقة فلا مكان لديهم في بيوتهم للمطالعة، وبالكاد يجدون ركنا ينامون فيه، وكل همّ أسَرهم لقمة العيش، أما الدراسة فهي عبء ثقيل، وإذا قدر لبعض أبناء الفقراء متابعة دراستهم فإنهم يلتحقون بشُعب معروفة مخصصة لهم أو يلتحقون بمعاهد التكوين والتأهيل المهني أو ينخرطون مباشرة في العمل المهني واليدوي.. لأن الأسرة الفقيرة تحتاج إلى من يكدح لجلب لقمة العيش.. هؤلاء جميع الأبواب مشرعة أمامهم، في الداخل وفي الخارج، وأولئك جميع الأبواب موصدة في وجوههم. فعن أي تكافؤ فرص تتحدثون؟! كيف يستطيع الجائع، الحافي، المعتلّ التنافسَ في نظام تكافؤ الفرص مع الميسور، الشبعان حتى التخمة؟ أليس إشباع حاجات الإنسان الأساسية في العدالة والتساوي أولى من الحديث عن تكافؤ الفرص؟.. في الماضي، كان التعليم في المغرب بالنسبة إلى العائلات الفقيرة مجالا للاستثمار وفضاء يضمن، نوعا ما، توزيعا عادلا للثروة ويقلص من درجة الفقر داخل الأسرة ويرفع من شأنها بحصول أبنائها على تعليم مناسب وعلى منصب عمل. أما الآن فقد استحوذ «أصحاب الشكارة» على كل شيء ولم يتركوا للفقراء غير فرص الاشتغال ك«عبيد» عندهم.