عرفت المنظومة التعليمية بالمغرب العديد من الإصلاحات منذ الاستقلال إلى الآن، كان آخرها تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين. إلا أن التصنيف الأخير للمغرب في ما يخص الوضعية التعليمية، يفرض التساؤل بإلحاح عن واقع وآفاق التعليم، خاصة من ناحية عياب الإنصاف بين الجنسين، الذي يجعل التمييز ضد الفتاة سببا رئيسيا في الهدر المدرسي. وبينت مجمل الأبحاث، التي تناولت إفرازات غياب الإنصاف، المؤدي عموما إلى الهدر المدرسي، أن أول ضحايا هذه الظاهرة بالمغرب هن الفتيات، بنسبة 58.4 في المائة، وأطفال البادية، بنسبة 80 في المائة، و40 في المائة من الأطفال المغادرين يحترفون الآن مهنا مختلفة. وحسب دراسة، أنجزت بتعاون مع منظمة "اليونيسيف"، حول "الانقطاع عن الدراسة بالمغرب"، وأحصت الأرباح التي كان من الممكن أن يجنيها المغرب لو لم تكن أمية أبنائه مرتفعة، ظهر أن كل سنة يقضيها الطفل بالمدرسة الابتدائية كفيلة بتحقيق 12.7 في المائة من رفع مستوى الدخل، مقابل 10.4 في المائة بالمدرسة الثانوية. ويزداد الربح بنقطة عند الفتيات، إلى أن يصل مجموع الخسائر بالنسبة للمجتمع إلى نصف نسبة الدخل السنوي لسنة 2004، أي ما يقارب 2.8 مليار درهم. ومن خلال البحث الذي أنجزته اليونسكو سنة 2004، تبين أن المغرب يتوفر على أكبر نسبة من الهدر المدرسي في العالم العربي، وهو يحتل، في الوقت نفسه، المرتبة الثانية على مستوى المغرب العربي، بعد موريتانيا. ورغم ذلك، حقق المغرب نتائج مشجعة في ما يتعلق بنسبة التمدرس والمساواة بين الفتيات والذكور، وعلى سبيل المثال، أنجزت وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحت العلمي، بتعاون مع منظمة اليونيسيف، بحثا حول الفتيات والذكور، لاحظت من خلاله تراجع نسبة الهدر المدرسي ب12 نقطة بين 1997/98 و2002/03 على المستوى الوطني. وسجلت 22 نقطة على مستوى الوسط القروي. ورغم هذا النجاح المسجل، يبقى هناك الكثير من العمل للتقليل من هذه الظاهرة. وبناء على إحصائيات وزارة التربية الوطنية المسجلة في نهاية 2004 على شريحة من التلاميذ، بلغ عددها 1000 تلميذ، مسجلين للمرة الأولى في السنة الأولى من التعليم الابتدائي، فإن 620 وصلوا إلى السنة السادسة، أما 380 منهم فغادروا مقاعد الدراسة قبل الوصول إلى هذا المستوى. وحول موضوع استمرار إرهاصات اللامساواة بين الجنسين في الفضاء التعليمي، أفاد رشيد أوبجا، أستاذ وباحث في مجال المنظومة التعليمية، في تصريح لملحق "مساواة"، أن الإنصاف بين الجنسين يشكل أحد مرتكزات الإنصاف في الفضاء المدرسي، مبرزا أن تحسين وتطوير التعليم، والإنصاف في الفضاء المدرسي، عنصران مرتبطان، في علاقة جدلية لا يتحقق أحدهما في غياب الآخر. وأضاف أوبجا أن المقررات والعهود الدولية لحقوق الإنسان تؤكد ضرورة توزيع عادل للثقافة والتعليم بين الجنسين، وكذا بين الفئات، وبين البلدان والثقافات على اختلافها، مشيرا إلى أن "الإنصاف بين الجنسين لا يمكن أن يتحقق دون استحضار إشكالية النوع الاجتماعي في الخطاب والواقع التربويين، أي في النصوص الرسمية، التي توجه المنظومة التربوية، وكذا في المقررات والكتب المدرسية، إلى جانب توفير الإمكانيات اللازمة، من أطر وفضاءات ومرافق، وتدبير وأجرأة الخطاب على مستوى الممارسة الصفية، والتفاعلات بين المتعلمين والمتعلمات في الفصول الدراسية، والفضاء المدرسي، بشكل عام" . وبخصوص إشكالية النوع الاجتماعي في المنظومة التربوية بالمغرب، أضاف أوبجا أن التعليم بالمغرب كان، تاريخيا، مرآة لمستويات وأنماط التفكير السائد داخل المجتمع، إذ كانت الصورة السائدة داخل المجتمع التقليدي تجاه المرأة والرجل، من حيث الأدوار والمسؤوليات، مجحفة في حق المرأة، لأن هذه الصورة ظلت وثيقة الارتباط بالفكر الأبوي. ورغم ذلك، أوضح الباحث، أن فرص تعليم المرأة في المجتمع التقليدي لم تكن منعدمة، إلا أنها اقتصرت، في غالب الأحيان، على المعارف الدينية. وأوضح أوبجا أنه، بعد حصول المغرب على الاستقلال بسبع سنوات، أحدث ظهير 13 نونبر 1963، الذي ينص على إجبارية التعليم بالنسبة للأطفال بين سن 7 و13 سنة. كما جرى إحداث مجموعة من الإصلاحات في المنظومة التعليمية، أهمها خطة 1957– 1959، والمخطط الخماسي 1960 – 1964، وإصلاح 1980، إضافة إلى المخطط الخماسي 1992 – 1998، ملاحظا، في الوقت ذاته، أنه رغم كل ذلك، فإن نسبة تمدرس الذكور ظلت مرتفعة بالمقارنة مع الإناث، خصوصا في العالم القروي. ورغم التطور النسبي لنسبة تمدرس الإناث مقارنة مع الذكور، يرى أوبجا أن صورة الإناث من خلال البرامج والكتب المدرسية ظلت تعكس الأدوار التقليدية للمرأة في المجتمع، وتحمل تنميطات وتمثلات غير منصفة. والأمر نفسه بالنسبة لحضور الإبداع النسائي، وقال "نلاحظ سيطرة المبدعين الذكور على مجمل النصوص المقررة، مقارنة مع الحضور الإبداعي للإناث. ويكاد الحضور الذكوري يكون مطلقا، رغم ما ينص عليه الميثاق الوطني للتربية والتكوين من مبدأ الإنصاف والمساواة، وأن تحترم، في جميع مرافق التربية و التكوين، المبادئ والحقوق المصرح بها للطفل و المرأة، والإنسان بوجه عام، كما تنص على ذلك المعاهدات والاتفاقيات الدولية المصادق عليها لدى المملكة المغربية، بالإضافة إلى تحقيق مبدأ المساواة بين المواطنين وتكافؤ الفرص أمامهم، وحق الجميع في التعليم، إناثا وذكورا، سواء في البوادي أوالحواضر، طبقا لما يكفله دستور المملكة"، مضيفا أن "كل ذلك لا يعدو أن يكون من بين الشعارات التي اعتادت الدولة رفعها دون أن تتحقق على أرض الواقع". من جهتها، ترى فاطمة أكوراي، مستشارة في التوجيه التربوي وناشطة جمعوية، أن هناك فرقا بين النوايا الحسنة والشعارات المرفوعة وبين الواقع المعاش، وقالت "هناك فرق بين ما تنادي به وزارة التعليم وتدعو إليه، وبين ما تطبقه وتدعو إلى أجرأته"، مبرزة ل"مساواة"، أنه، من خلال جولة قصيرة في المؤسسات التعليمية، يتبين مدى أجرأة مقاربة النوع، "فالذكور يجلسون في الصفوف الأمامية، عكس الفتيات، اللواتي يجلسن في آخر الصف. وأوضحت أكوراي أنه، من خلال مسح سريع للكتب والمقررات الدراسية، تتأكد كيفية تطبيق التعليمات الرسمية في إدماج مقاربة النوع، فرغم الجهود المبذولة والتنقيحات العديدة للصور التقليدية والنمطية للمرأة، إلا أن "الكتاب المدرسي ما زال يروج صور وأدوار المرأة التقليدية المخالفة للواقع"، مضيفة أن تعاملات وخطاب بعض رجال ونساء التعليم أنفسهم مازالا يطغى عليهما التمييز. وتعتبر أكوراي أن إدماج مقاربة النوع في المنظومة التربوية رهين بإرادة حقيقية لقبول هذه المقاربة، قائلة "للوصول إلى هذه الغاية، لابد من تغيير العقليات القروسطية والمتكلسة، الرافضة للتغيير". واستشهدت الناشطة الجمعوية بالتعامل داخل المؤسسات التعليمية، إذ يلاحظ التمييز بين الجنسين، رغم أن الميثاق الوطني للتربية والتكوين حدد حقوق وواجبات أفراد الطاقم التربوي بالمؤسسة التعليمية، مؤكدة أنه "من المفروض أن ترتكز علاقة المدير بالأساتذة على الحوار والاحترام، وتفهم المشاكل، والمساعدة على حلها، دون تمييز بين الرجال والنساء". وأضافت أن ما يلاحظ، أحيانا، على أرض الواقع هو عكس ذلك، إذ هناك "بعض المديرين تطغى على علاقتهم بالأساتذة الذاتية والسلطوية، خاصة مع العنصر النسوي، كما أن بعضهم يميز بين الأستاذات المحجبات والأخريات". واستطردت أكوراي قائلة "رغم كل الجهود المبذولة في إطار المساواة بين الذكور والإناث في التعليم، مازال الفرق شاسعا في نسبة التمدرس بين الجنسين، خصوصا في العالم القروي، حيث يفضل الآباء الاستثمار في تعليم الأبناء، وتسخير البنات للأشغال المنزلية، ما يعتبر إجحافا في حقهن وتهميشا"، مشيرة إلى أنه من بين ركائز التنمية البشرية المستدامة مبدأ تكافؤ الفرص والحظوظ في جميع المجالات، ومنها مجال التعليم. وأوضحت أن المغرب يعمل جاهدا لإلغاء جميع الفوارق بين الجنسين، في أفق 2015، في جميع مستويات التعليم الأولي و الابتدائي والإعدادي، مع إعطاء الأولوية لتمدرس الفتاة، خاصة القروية. وقالت "نحن في بداية الألفية الثالثة وما زلنا نتحدث عن الأمية بلغة التأنيث في بلدنا"، مضيفة أن "نسبة الهدر المدرسي تمس، هي الأخرى، فئة الإناث أكثر من الذكور، وهذا من الآفات الوخيمة التي تنخر تعليمنا، إذ، رغم كل المجهودات المبذولة للحد منه، ما زالت نسبته مرتفعة، باعتبارها تناهز 5.7 في المائة، أي ما يعادل حوالي 250 ألف طفل سنويا يغادرون المدرسة، أغلبهم من الإناث، وزهاء مليون طفل تقل أعمارهم عن 15 سنة ليسوا ممدرسين، 65 في المائة منهم من الإناث، أغلبهن من العالم القروي."