في ذكرى النكبة تمكن الأسرى الفلسطينيون من تحقيق انتصارهم على إسرائيل بعد أسابيع من معركة «الأمعاء الخاوية». الأسرى توصلوا مع مصلحة السجون الإسرائيلية إلى اتفاق تستجيب فيه لمجموع مطالبهم. استطاع الأسرى الفلسطينيون حسم معركة «الأمعاء الخاوية» لصالحهم، محققين بذلك انتصارا وصفته مختلف التيارات الفلسطينية ب«التاريخي»، بعد توصل الأسرى إلى اتفاق مع السلطات الإسرائيلية بفضل وساطة مصرية. إذ وقع الأسرى الفلسطينيون، أول أمس الاثنين، اتفاقا مع مصلحة السجون الإسرائيلية لإنهاء إضرابهم عن الطعام في سجن عسقلان. ويفرض الاتفاق على الأسرى وضع حد لإضراب عن الطعام استمر أسابيع عديدة، فيما يوجب على إسرائيل تلبية أبرز المطالب التي كانت وراء إقدام الأسرى على دخول غمار معركة «الأمعاء الخاوية». وأكد قدورة فارس، رئيس نادي الأسير الفلسطيني، أن «كافة الفصائل وقعت اتفاقا في سجن عسقلان لإنهاء الاضراب عن الطعام»، حيث أعلن فارس أيضا في بيان مشترك مع سيفان وايزمان، الناطقة الرسمية باسم مصلحة السجون الإسرائيلية، عن «التوصل إلى اتفاق لإنهاء الإضراب عن الطعام المستمر منذ 28 يوما»، عقب «تفاهمات تمت بلورتها في الأيام القليلة الماضية». غير أن رئيس نادي الأسير الفلسطيني لم يخف الصعوبات التي اعترضت بلورة هذا الاتفاق. وقال إن نقط الخلاف الرئيسية تمثلت في «العزل الانفرادي والاعتقال الإداري وزيارات غزة». وأكد فارس أيضا قدوم «ضابط مصري رفيع للمشاركة في المفاوضات»، التي جرت في سجن عسقلان، في إشارة واضحة إلى الدور المصري في الاتفاق الذي تم التوصل إليه أول أمس الاثنين. وساطة مصرية وفور الإعلان عن الاتفاق، كشف جهاز المخابرات المصري عن الخطوط العريضة للاتفاق المتوصل إليه. وقد التزمت إسرائيل بإخراج جميع الأسرى المعزولين انفراديا وتوزيعهم على السجون، خاصة أن بعضهم قضى فترات تزيد على 10 سنوات فى العزل الانفرادي، وكذا السماح لأهالي الأسرى بالضفة الغربية وقطاع غزة بزيارة ذويهم بالسجون الإسرائيلية بعد منع استمر خمس سنوات، إضافة إلى تحقيق مطالب الأسرى المتعلقة بظروفهم المعيشية خلف القضبان. وأفادت المخابرات المصرية أن القاهرة كثفت جهودها في الفترة ما بين 9 و14 ماي الجاري بإجراء لقاءات واتصالات مكثفة مع السلطة الفلسطينية وقادة الفصائل وممثلي الأسرى للتنسيق بشأن التحرك المشترك لتنفيذ مطالب الأسرى المشروعة وتحسين أوضاعهم تمهيدا لإنهاء الإضراب. وأجريت كذلك لقاءات واتصالات مكثفة مع الجانب الإسرائيلي لتلبية مطالب الأسرى وتحسين أوضاعهم المعيشية وإعادة الأوضاع داخل السجون الإسرائيلية إلى ما كانت عليه قبل عملية اختطاف الجندي جلعاد شاليط، الذي أطلقت حركة حماس سراحه قبل أشهر في إطار صفقة لتبادل الأسرى. ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال 7400 معتقل وأسير تم حصرهم ورصد أماكن اعتقالهم، منهم 107 نساء، و407 أطفال ومراهقين يتوزعون على 27 معتقلا ومركز تحقيق، من بينها مراكز رئيسية للتعذيب مثل سجن عسقلان. وتشير تقارير فسلطينية ودولية إلى أن عدد الأسرى المصابين بأمراض مزمنة وإعاقات يبلغ 1046 أسيرا، 35 في المائة منهم استشهدوا تحت تأثير التعذيب، 24 في المائة منهم نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، وهناك 12 أسيرا أمضوا في السجون الإسرائيلية أكثر من 20 عاما. ويقضي 311 أسيرا حكما بالسجن مدى الحياة، و319 آخرين أحكاما تزيد على 15 عاما، و703 أسرى يقضون أحكاما بالسجن ما بين 10 و15 عاما، و123 آخرين حوكموا بالسجن ما بين 5 و10 سنوات. ولا تشمل هذه الأرقام الأعداد الكبيرة من الأسرى والمعتقلين الموقوفين، خاصة الذين تم اعتقالهم في السنوات الثلاث الأخيرة، ويتوقع صدور أحكام قاسية بحقهم بعد عرضهم على المحاكم الإسرائيلية. الملف المطلبي أهم مضامين الملف المطلبي لنحو 1600 أسير فلسطيني من أصل 4800 أسير، خاضوا إضرابا عن الطعام منذ 17 أبريل الماضي، تتمثل في وقف الانتهاكات التي تمارسها سلطات إسرائيل في حقهم، وفي مقدمتها الحبس الانفرادي والسماح بالزيارات الأسرية. وكان الأسرى المضربون عن الطعام يطالبون بوقف سياسة التفتيش العاري والمذل، ووضع حد لسياسة فرض غرامات مالية على الأسرى، والسماح لجميع الأسرى بزيارة ذويهم، ووقف سياسة إبعاد الأسرى من سكان الضفة إلى قطاع غزة وإلى خارج البلاد، وإلغاء سياسة اقتحام غرف الأسرى وتدمير حاجياتهم ومصادرتها، بالإضافة إلى وقف السياسات القمعية والاعتداء على الأسرى لأتفه الأسباب، وإنهاء سياسة العزل الانفرادي والجماعي. وطالب الأسرى أنفسهم بتحسين شروط غرف الحجز، وبإزالة ألواح الصاج من الشبابيك، والسماح بفتح الشبابيك، وزيادة مواد التنظيف ومبيدات الحشرات، وزيادة مدة الخروج للساحة الخارجية، وتخفيف الاكتظاظ داخل الزنازين، والسماح للأسرى الأشقاء بالتواجد مع بعضهم في نفس الغرفة، وتحسين العلاج الطبي، وتوفير أطباء متخصصين وإجراء العمليات الجراحية لمن يحتاجها، بالإضافة إلى السماح للأسرى بإتمام دراستهم والسماح لهم بإدخال الكتب والمواد الثقافية والرسائل، وتحسين الطعام، والسماح للأسرى بطهي طعامهم بأنفسهم. ردود فعل جاءت ردود الفعل الأولى بعد النصر المحقق في معركة «الأمعاء الخاوية» من كل من حركتي فتح وحماس. إذ اعتبرت حركة فتح أن رضوخ سلطات الاحتلال الإسرائيلي لمطالب الأسرى يعد انتصارا لإرادتهم الحرة وإيمانهم العظيم بعدالة قضيتهم ومطالبهم وحقوقهم المشروعة المكفولة في القوانين الدولية. كما أشادت الحركة بروح الصمود البطولي لأسرى الحرية في معتقلات الاحتلال، الذين أعطوا المثل في التضحية من أجل تحقيق أهدافهم على طريق نيل حقوقهم وحريتهم، مضيفة أن هذه المطالب ما كان لها أن تتحقق «لولا الإرادة المثالية للأسرى والتفاعل الوطني الشعبي والرسمي اللامحدود معهم». في المقابل، دعت الحركة الى اعتبار التفاعل الوطني مع قضية الأسرى إحدى أهم علامات الوحدة الوطنية المضيئة ونموذجا يحتذى به للدفاع عن الثوابت الوطنية، مؤكدة على أهمية استراتيجية العمل الوطني المشترك لتحقيق الأهداف الوطنية، التي من أولوياتها قضية الحرية للأسرى. من جهتها، طالبت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة فتح بعدم استئناف المفاوضات مع السلطات الإسرائيلية بعد «هذا الانتصار التاريخي»، وجددت تمسكها بخيار المقاومة المسلحة من أجل تحرير الأراضي المحتلة. ودعت حماس في بيانها «الإخوة في حركة فتح والسلطة الفلسطينية إلى رفض المناورات الصهيونية الهادفة للعودة من جديد إلى طاولة المفاوضات». كما دعت حماس فتح والسلطة الفلسطينية إلى «الشروع فورا» في تطبيق اتفاق القاهرة وإعلان الدوحة الذي ينص على تشكيل حكومة توافق وطني انتقالية برئاسة الرئيس عباس، مهمتها التحضير للانتخابات وإعمار قطاع غزة من أجل «توحيد الشعب في مواجهة مؤامرة التهويد والاستيطان والعدوان والحصار». وأكدت حماس على أن مشروع المقاومة «بكافة أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة سيبقى خيارنا الحقيقي في استرداد الأرض والمقدسات وتحقيق التحرير والعودة».كما أكدت أن «حق عودة اللاجئين إلى مدنهم وقراهم التي هجروا منها حق جماعي وفردي غير قابل للتصرف، ولا تلغيه أية اتفاقيات أو معاهدات تتناقض مع هذا الحق». وأطلقت الحركة أيضا نداء إلى وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة إلى «الاستمرار في تقديم الاستحقاقات المطلوبة للاجئين والكف عن عمليات التقليص التي قامت بها في الآونة الأخيرة». نصر في ذكرى النكبة ويتزامن هذا النصر الذي حققه الأسرى الفلسطينيون مع حلول الذكرى الرابعة والستين لنكبة فسلطين، التي احتلت فيها إسرائيل الأراضي الفلسطينية وقامت بتهجير سكانها قسرا واستولت على أراضيهم وممتلكاتهم وارتكبت في حقهم أبشع المجازر، التي خلفت عشرات الآلاف من الشهداء. وبعد مرور 64 عاما على النكبة، أظهرت دراسات دولي، أن السياسات الإسرائيلية الممنهجة أدت إلى تهجير 31 في المائة من الفلسطينيين، منذ اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، سواء كان تهجيرا دائما أو مؤقتا، في وقت شهدت عمليات التوسع الاستيطاني، الذي تحول إلى عقدة مركزية في طريق التوصل إلى حل الدولتين، في السنوات الماضية، تصعيدا خطيرا في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، خصوصا في الجزء الشرقي من القدسالمحتلة. وقد أظهرت أحدث المعطيات الصادرة عن دائرة الإحصاء الفلسطيني، أن إسرائيل أصبحت تستولي على نسبة 85 في المائة من أرض فلسطين التاريخية، وتكشف أن عدد المواقع الاستيطانية بالضفة الغربية بلغ 474 موقعا إلى غاية متم السنة الماضية، في الوقت الذي التهم فيه الجدار العازل 13 في المائة من مساحة الضفة الغربية.