تظهر التجربة البريطانية، التي لها نظام حكم ملكي برلماني، أن الجمع بين النيابة والوزارة يساهم في توطيد التعاون بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية، حيث الحكومة مكونة من الأغلبية المشكلة للبرلمان، واختيار الوزراء يكون من النواب. هذا الأمر أعطى تعاونا وتنسيقا بين السلطة التشريعية والتنفيذية، حيث يشرك ذات الأشخاص في الوظيفتين التشريعية والتنفيذية، ومع ذلك يطرح إشكالا على اعتبار أن الجمع بين النيابة والوزارة من خصوصيات النظام البرلماني البريطاني. إن التجربة البريطانية تظل تجربة عريقة بفعل التراكم في الممارسة الديمقراطية ومراس الأحزاب السياسية في المجتمع، وهذا ما جعلها تجربة تتسم بالخصوصية في الحياة السياسية البريطانية. نص الدستور في الفصل الأول - الفقرة الثانية: «يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة». إن فصل السلطات يقتضي إدخال استثناءات على الأصل المتمثل في حرية الترشيح كحق متصل بالحقوق الأساسية للمواطن والمنصوص عليه في الفصل 30 من الدستور الحالي؛ وبذلك فإن التنصيص على التنافي بين النيابة والوزارة لا يشكل مساسا بحقوق البرلمانيين، بل إنه، على العكس من ذلك، يدعم مؤسسة البرلمان كمؤسسة مستقلة تجاه السلطة التنفيذية، واقتضته الرغبة في تقوية المؤسسات، فالمنع لا يحول دون تحقيق رغبة البرلمانيين في الاستوزار، إذ لم يُحرم البرلمانيون من بلوغ الوزارة كطموح مشروع، يعد مسألة طبيعية عند السياسيين، غير أن هذا الطموح قد يكون جارفا وينعكس على العمل البرلماني، فقد أظهرت التجربة البرلمانية المغربية أن طموح بعض السادة البرلمانيين يفقد مؤسسة البرلمان قوتها، ويصل إلى درجة تهديد استقرار الحكومة في ظل مجتمع مغربي لازالت الحياة الحزبية الديمقراطية فيه لم تتجذر بعد، مما يجعل العديد من النواب داخل فرق الأغلبية الحكومية تحدوهم رغبة جارفة نحو الاستوزار مع ما يؤدي إليه ذلك من تهديد لاستقرار الحكومة، الأمر الذي ينعكس سلبا على التضامن الحكومي. إن القوانين الانتخابية المتعاقبة أنتجت تمثيلا مبلقنا، حيث لم يشهد أي مجلس وجود أكثرية حزبية أو تحالف منسجم يشكل أغلبية متجانسة. وكان من نتائج ذلك أن الحكومات المتعاقبة اضطرت إلى الدخول في تحالفات لا تجمع بينها سياسات ولا برنامج، وإنما الرغبة في الدخول إلى الحكومة، وهذا ما أدى في معظم الأحيان إلى غياب تضامن حكومي داخل الحكومة ووجود من يعارض الحكومة وهو عضو في الأغلبية الحكومية. لهذا، فالتجربة الطويلة فرضت على المشرع المغربي الفصل بين الصفة النيابية والوزارية. هذا الفصل بين صفة نائب برلماني ووزير لا يحد من طموح النواب بل يفسح المجال أمامهم للتفرغ لمهامهم النيابية وتحقيق الانضباط في تمثيلهم للشعب، فعطاء النائب الوزير في النيابة هو بالتأكيد عطاء دون المستوى المطلوب. لأجل مأسسة مؤسسات الدولة، فإنه ليس من مصلحة الحكومة أن يكون البرلمان ضعيفا في مواجهتها، فالغاية من الفصل بين النيابة والوزارة أن يكون البرلمان سيد نفسه ويستقل، من الناحية التنظيمية والمالية، بوضع لائحته الداخلية كما يشير إلى ذلك الفصل 69: يضع كل من المجلسين نظامه الداخلي ويقره بالتصويت، إلا أنه لا يجوز العمل به إلا بعد أن تصرح المحكمة الدستورية بمطابقته لأحكام هذا الدستور. ويتعين على المجلسين، في وضعهما لنظاميهما الداخليين، مراعاة تناسقهما وتكاملهما، ضمانا لنجاعة العمل البرلماني. ويحدد النظام الداخلي بصفة خاصة: - قواعد تأليف وتسيير الفرق والمجموعات البرلمانية والانتساب إليها، والحقوق الخاصة المعترف بها لفرق المعارضة؛ - واجبات الأعضاء في المشاركة الفعلية في أعمال اللجان والجلسات العامة، والجزاءات المطبقة في حالة الغياب؛ - عدد اللجان الدائمة واختصاصها وتنظيمها، مع تخصيص رئاسة لجنة أو لجنتين للمعارضة، على الأقل، مع مراعاة مقتضيات الفصل 10 من هذا الدستور. ويستقل بوضع ميزانيته بعيدا عن تدخل الحكومة؛ فالحكومة لا تتدخل في أمر تنظيم البرلمان، إلا بخصوص كيفية تنظيم العلاقات بينهما، وبخاصة عملية اقتراح القوانين ودراستها وإقرارها، وأيضا عملية استخدام أدوات الرقابة من جانب أعضاء البرلمان. باعتبار هذا الوزير هو المكلف الوحيد الذي يتعامل مع البرلمان بشكل دائم -وحده- يقع عليه عبء ضمان إقامة علاقة مستقرة ومتوازنة بكافة الأطياف السياسية التي يتكون منها البرلمان، وذلك خلافا لما كان عليه الحال قبل حضور الجمع بين الصفة النيابية والوزارية، حيث كانت الفرق البرلمانية وجماعته هي التي تسهل له الحصول على موافقة البرلمان على مشاريع القوانين المتعلقة بأعمال وزارته، أو تسانده عند تعرضه لأداة من الأدوات الرقابية.