تهاجم الكثير من المواقف والآراء ووجهات النظر في مجالنا الثقافي والإعلامي، وتسمح أحيانا الظروف بمناقشتها والرد عليها، وفي الكثير من الأحيان لا يتوفر ذلك، مما يجعل أصحابها يحسون بأنهم على حق. من هذه المواقف الموقف السلبي من فعل الأندية السينمائية. وقد برز هذا الموقف منذ زمان، خاصة من طرف فئة عاشت حرقة الارتباط بالسينما وثقافتها وسعت إلى إطفائها عبر الممارسة داخل أندية السينما، ثم الاقتناع، لأسباب موضوعية أو ذاتية، بلاجدوى هذا الفعل، وهكذا بدأ الحديث من طرف هؤلاء عن استنفاد النادي لمهامه التاريخية، وربط عمله بمرحلة الشباب، فيما تتحمس فئة قليلة إلى تبني فكرة تقول إن الأندية السينمائية ماتت منذ مدة مع روادها الأوائل، وإلى هذه الفكرة لمح أحد ضيوف برنامج إذاعي خصص ملفه لقضية السينما المغربية على أمواج الإذاعة الوطنية. لقد تحدث الضيف عن كون الحديث عن أندية السينما والحاجة إليها وإلى فعلها الآن ليس إلا نوستالجيا إلى زمن مر وانقضى، وهذا برأيي يستجيب لمنطق التعمية الذي يصر البعض على تكريسه خدمة لتصور سائد يهمه إعلان موت كل الأشياء الجميلة التي ميزت حياتنا الثقافية، كما يهمه تحسيس كل مرتبط بهذه الأشياء بذنبه، فقط لأنه يؤكد الحاجة إلى استمرار هذه الأشياء، أو يحاول العمل على إنعاش حضورها. ورفض مثل هذا المنطق هو من صميم المسؤولية الثقافية، خاصة أن الأندية السينمائية لم تمت اليوم، والدليل على ذلك أن أندية عديدة تنظم أنشطة متميزة وتقترح مبادرات ثقافية رائدة، وتكرس النضال والكفاح كاستراتيجية لإدامة الاستمرارية وتجديد الفعل، وهذا ما نمثل له أندية إيموزار وسيدي قاسم وخريبكة ومارتيل وسيدي سليمان وفاس والراشيدية وسطات... طبعا فعل الأندية انحبس كثيرا في السنوات الأخيرة، وكانت وراء ذلك مجموعة من الأسباب الموضوعية بالإضافة إلى الأسباب الذاتية، خاصة ما ارتبط بغياب المبادرة والتصورات الفاعلة لتجديد عمل هذه الإطارات لدى الجامعة الوطنية ولدى بعض المسؤولين في مكاتبهم، الذين انشغلوا، لبؤس وعيهم، بالبحث عن صيغ للمحافظة على مسؤوليتهم في المكتب الجامعي عوض البحث في ما يفيد تجديد جواسم وإعادة بناء موقع حقيقي لها في المشهد الثقافي والسينمائي المغربي. إن وجود هذا الخلل لا يعني نهائيا موت الأندية، والشيء الأهم الذي لم يستحضره ضيف برنامج إذاعة الرباط هو أنه حتى لو أن الأندية لم توجد قط من قبل، وحتى لو سلمنا برأيه غير الموضوعي، فالمرحلة الحالية بحاجة إلى أندية السينما وإلى فعلها، خاصة بعد أن تضخم حضور الصورة، وأصبح الناس ضحايا لخطابها، وبشكل أخص لأن المجال استقطب الكثير من الناس للفعل فيه بصيغة الإبداع أو النقد أو المتابعة الصحافية، ومن ضمن هؤلاء من ينشغل بالفعل بالسينما وثقافتها، ويهمه أن يساهم من موقعه في مساندة الأطراف الإيجابية فيها، التي يهمها بناء صناعة سينمائية حقيقية، وإنضاج ملامح المشروع السينمائي الوطني، وبلورة نقد سينمائي فاعل، وتحيين الدور الإيجابي لأندية السينما، لكننا نجد إلى جانب هؤلاء فئة أخرى جاء بها تطفلها وتهافتها على الحقل، وتنشغل أساسا بما يخدم مصالحها، ويفرحها كثيرا أن يتكرس منطق التعمية الذي يقول بلاجدوى تحيين الوعي الوطني لا في الإبداع السينمائي ولا في ثقافة السينما، ومن هذا المدخل يعلن موت أندية السينما، مع العلم بأن كل شيء في الواقع يؤكد الحاجة الاستعجالية إلى دورها وفعلها.