عندما تحتد المشاكل بين الأزواج -رغم نمطية الموضوع وتواتر تفاصيله- أجد نفس الصعوبة وأكابد نفس الألم، لأعلن لهم حين تستحيل بينهما الحياة: «أرجوكما.. أعِدّا من الآن حلويات الطلاق».. لكنني، في الأخير، ألتزم الصمت وأوصيهما بالصبر وانتظار الفرج. سميرة وتوفيق متزوجان منذ ثلاث سنين، كان انتقالهما من العزوبية إلى الزواج انتقالا من السعادة إلى الشقاء ونزولا في قاع بئر من البؤس الحقيقي، حين تأخذ كل واحد منهما على حدة وتحدثه، تسمع إلى قوله ويعجبك منطقه ويسلبك سحره، ولكنْ ما إن تضعهما جنبا إلى جنب حتى تنفجر بينهما قنبلة نووية من النكد والصراع والصراخ: توفيق لا يستطيع السيطرة على قبضة يده فيرسلها على جسد صاحبته كيفما اتفق، وسميرة لا تستطيع ابتلاع لسانها فتنفث به سما زعافا من الكلام الذي لا تقوى اللكمات والضربات على صده أو إخراسه.. أتساءل، كل مرة أستقبلهما فيها: أي حظ أسود أقحمهما في عش واحد؟.. وأي مارد وسْوَس لهما بالزواج؟.. قصتهما بسيطة وعادية تشبه قصصا كثيرة، فهما أستاذان جامعيان يعملان في نفس القسم والشعبة، جاء طلب يدها كنتيجة لرغبة في الزواج لا غير، وجاء قبولها لعرضه فقط «لأن مثله لا يُرفَض»، كما رددت مرارا.. لم يتطلب الأمر أكثر من نهاية أسبوع.. إلا أن هذه القصة البسيطة تضمر بين ثناياها الكثير من لَبِنات الفشل وعدم التبصر والدراسة والتخطيط وأوقعتهما في دوامة حياة مأساوية. أضطر إلى أن أتغابى أمامهما فأطرح أسئلة لمعرفة مكامن الخلل بكل بلاهة، وأنا في قرارة نفسي مقتنع تماما أنه بينها.. قد انتهى كل شيء، فأقول: «هل تزوجتما عن حب؟ عن إعجاب؟ عن تفاهم؟.. هل وجدتما بعد الزوج مودة، سعادة، سكينة أو تلبية لرغبة جنسية وحب في الأولاد؟».. تأتي إجاباتهما لتؤكد حدسي الأول، فهما لم يعرفا أي درجة من درجات الحب ولم يرتعش قلبهما له أبدا وارتفع بينهما سور الصين العظيم من التنافر والكراهية، أما الجنس فلم يمارساه منذ عدة شهور، واعترفا أنه حصة قرف وتقزز مجانية. وهل تزوجا لأجل الأولاد؟ لا!..لا يريدان ولدا ولا بنتا.. ولم يسعيا إلى ذلك، أو لنقل هو أمر مؤجَّل إلى وقت لاحق لم يحن أوانه. كل مرة، أتأكد، أكثر فأكثر، أنني أسبح معهما فوق نهر من الثرثرات والتوبيخات المتبادَلة نحو مصب محتوم: بحر الفراق والتحرر من العيش مع الآخر! قبل أن تصل العلاقة الزوجية إلى ما آلت إليه حياة سميرة وتوفيق، تبدأ بعض الإرهاصات المنذرة ببداية انحدار مؤسسة الزواج نحو هوة التواصل المرضي، الذي يلوّح ببداية النهاية الحتمية. ليست هذه الإرهاصات إلا «جياد النهاية الأربعة». هذا المفهوم وصفه غوتمان ومساعدوه (2000) وهذه الجياد هي طرق التحاور والتواصل المُختلّة بين الزوجين. وتشكل الأضلاع الأربعة لصندوق لا يحملهما إلى أي مكان ولا يصلح إلا لجمع رفات العلاقة الزوجية في مقبرة النهاية!.. وهي بالترتيب: الانتقاد، الاحتقار، السلوك الدفاعي، التهرب أو الانسحاب. الانتقاد يولد رسائل كلها هجوم على شخصية الآخر وطباعه: «لقد قلت لك، ألف مرة، إنني لا أطيق هذا التصرف، ولكنك «مْجلّجْ» لا تسمع ولا تفهم»، «لم تعودي تجيدين فعل أي شيء! لن تطالي أبدا «لاليّاتكْ»!.. الاحتقار يتضمن -قبل الحديث عن الجمل والكلمات- نظرات الازدراء والاشمئزاز التي يرسلها صاحبها من فوق، بتعال وتكبر، وينطق بعدها بكلمات الإهانة والاستخفاف بالآخر: «عاود تاني جاتك ديك الحالة!»، «فوقاش درتيها زينة باش ديرها اليوم؟»!.. أما السلوكات الدفاعية فإنها تؤدي إلى مقولات تعبّر، في عمومها، عن رفض تحمل المسؤولية تجاه المشاكل: «تصرفاتك هي السبب في كل مشاكلنا»، «تقول إنني لا أحترمك، ولكنْ تذكر الطريقة التي كلمتني بها في المرة الأخيرة حينما».. تتولد عن هذه الرسائل ردودُ أفعال من قبيل التوبيخ واللوم والعتاب والتأنيب، التي تتدافع في دوامة بلا نهاية. وأخيرا التهرب، ويتلخص في كل المواقف التي تعبر عن الانسحاب الذي يلمّح به أحد الزوجين إلى رفضه المشاركة والتعاون مع الآخر، وأحيانا، إنكار وجود الآخر وقطع أي إمكانية للتحاور بإسدال «الريدو» والانغلاق: «آسف، يجب أن أنام.. ينتظرني يوم شاق».. «يمكنك الاستمرار في الكلام كما تشاء، فأنا لا أستمع إليك».. تتخصص النساء في الانتقاد والاحتقار، في حين يستأثر الرجال بالسلوكات الدفاعية وبالتهرب. وحسب غوتمان، فإن العلاقات التي تبدأ بهذه الجياد الأربعة تنتهي بالفراق في أزيد من 80% في الغرب طبعا، أما عندنا فتستمر أغلبها، لأسباب اجتماعية واقتصادية وأسرية قد يطول شرحها... نتعب كثيرا ونحن نحاول، كأطباء، أن نقوم بدور المدقق النفسي، لمحاولة فهم الأسباب وراء استعمال بعض الأزواج وسائل مَرَضِيّة في التواصل، وتتفق جل الدراسات حول دور المكتسبات الثقافية والتربوية الرئيسي في صياغة الشخصية وإمدادها بأدوات وآليات السلوك كزوج أو كزوجة، أذكر مثالين واقعيين من واقعنا المغربي العربي يلخصان طريقة تربوية خاطئة: تجيبني شابة عندما سألتها عن التربية الأسرية التي تلقتها قائلة: «كل ما تعلمته من أمي هو أن آخذ حذري من الرجال.. لأنهم ليسوا أهلا للثقة».. وقال لي شاب آخر إن والده «رباه جيدا!» وعلمه كيف يتعامل مع النساء قائلا: «النساء.. يجب أن تعاملهن يا ولدي كالكلاب.. «تضرب».. ثم تهرب».. إذا تزوج هذان «النموذجان» ماذا عسانا نرتقب من ورائهما غير المشاكل والطلاق؟!.. هناك أشخاص معلولو الفكر يظنون الطلاق نهاية كارثية ومصيبة سوداوية، رغم أنه في أحيان كثيرة يمثل عقدَ الحرية لمعانقة السعادة المفقودة. في ديننا أجد الطلاق مقرونا بالجمال، والمعروف والإحسان فنقرأ: «فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا» «فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا» «فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف» «الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان».. لماذا لا يكون فراقنا وطلاقنا جميلا، نصنع لأجله حلويات خاصة بهذه المناسبة؟..! استشاري علوم جنسية