تواجه الحكومة الإسبانية صعوبات جمة في العثور على مقعد لها في مؤتمر واشنطن الذي سيتدارس الأزمة المالية العالمية منتصف الشهر المقبل، فرئيس الوزراء الإسباني ثباتيرو بات يركض في جميع الاتجاهات باحثا عن دعم دول كبرى، مثل الصين وفرنسا، ويدعو إلى أن المشاكل العالقة بينه وبين إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش لا يجب أن تكون سببا في إقصاء بلاده من مؤتمر سيضع الأرضية لقواعد لعب اقتصادية جديدة. استطاعت إسبانيا أن تحقق نموا اقتصاديا سريعا في ظرف ثلاثة عقود. لكن آلتها الديبلوماسية لم تقم بالترويج، بالشكل المطلوب، لصورة إسبانيا الناهضة اقتصاديا، مما جعلها تلبس قميصا دوليا أضيق من جسدها النامي. فهي لا تنتمي إلى أية مجموعة اقتصادية كبرى، مثل مجموعة الثماني للدول الأكثر تصنيعا أو مجموعة العشرين، لذلك بدا صعبا، خلال هذه الأيام، تحقيق رغبتها في المشاركة في مؤتمر الأزمة المالية العالمية الذي دعت إليه الدول الكبرى من أجل البحث في صيغة جديدة للنظام المالي العالمي، واصطدم رئيس الوزراء الاسباني بمعارضة الولاياتالمتحدة الرافضة لمشاركتها في المؤتمر، وتشبث ثباتيرو بضرورة مشاركة بلاده بحكم أنها تعد القوة الاقتصادية الثامنة عالميا. مثلما أن الدعوة إلى عقد القمة المالية نادى به الاتحاد الأوروبي وليس الرئيس الأمريكي جورج بوش الذي تجمعه خلافات مع ثباتيرو بحكم إقدام هذا الأخير على سحب الجنود الاسبان من العراق بعد فوزه للمرة الأولى في الانتخابات عام 2004، إلى درجة أن بوش ما زال يرفض استقبال ثباتيرو في البيت الأبيض منذ خمس سنوات، وما يرفضه رئيس الوزراء الإسباني هو أن تكون علاقته السيئة ببوش سببا في إقصائه من المشاركة في المؤتمر العالمي الذي سيقرر مصير الكرة الأرضية ما بعد عاصفة الأزمة المالية. فالمؤتمر سيخرج بأرضية على أساسها سيتم وضع بنيات وقواعد لعب مالية جديدة، واهتمام إسبانيا بالمشاركة يأتي من كونها ترغب في أن تكون حاضرة في هذا المسلسل منذ البداية حتى لا تكون لاعبا هامشيا فيه مستقبلا. ودخل ثباتيرو ووزير خارجيته ميغيل أنخيل موراتينوس في ما يشبه حربا باردة مع البيت الأبيض عندما أكد رئيس الوزراء الإسباني أن هذا الأخير ليس من حقه أن يقرر من سيشارك في القمة المرتقبة في منتصف شهر نونبر المقبل. مناورة ساركوزي خلال زيارته هذا الأسبوع للعاصمة الصينية، بكين، من أجل المشاركة في القمة الأورو آسيوية، ركز ثباتيرو كامل جهوده على حشد أكبر تأييد من الدول الكبرى لدعم مشاركة بلاده في المؤتمر الذي تقوم الإدارة الأمريكية بتحديد لائحة الدول التي ينبغي أن تشارك فيه، واهتم ثباتيرو بالدعم الذي يمكن أن تقدمه الصين إلى بلاده بحكم القوة التي تمتلكها على المستوى الدولي، لذلك عقد اجتماعا مع الرئيس الصيني «هو جينتاو» من أجل التباحث في هذا الموضوع. وبمجرد خروج الرئيس الصيني من الاجتماع، صرح أمام ميكرفونات الصحافيين بأن الأزمة المالية العالمية الحالية تمثل تحديا حقيقيا للجميع، مما يتطلب البحث عن حلول عاجلة، مضيفا أن إسبانيا بلد مهم وله دور أساسي ليلعبه في طريق إيجاد هذا الحل». وبما أن السياسة هي لعبة مصالح متبادلة، فقد أعاد ثباتيرو التأكيد على أن بلاده تدعم الصين لدى الاتحاد الأوروبي، مثلما اغتنم الرئيس الصيني المناسبة وشكر إسبانيا على دعمها لسياسة الصين الموحدة، في إشارة مبطنة إلى مشكلة منطقة التبت المطالبة بالاستقلال عن الصين الشعبية. لكن المراقبين يرون أن ثباتيرو يعول أكثر على دعم الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بحكم أن هذا الأخير يتوفر على هامش مهم للمناورة نظرا إلى علاقاته الجيدة ببوش إضافة إلى رئاسة فرنسا حاليا للاتحاد الأوروبي، فساركوزي يمكن أن يقنع بوش بعدم تمادي إدارته في تصفية حساباتها القديمة مع ثباتيرو. ومن جانب آخر، فإن خورخي ديسكييار، سفير إسبانيا في الأممالمتحدة كشف عن مجهودات جارية من أجل ايجاد البحث عن صيغة تمكن بلاده من المشاركة في المؤتمر المقبل لمجموعة العشرين، موضحا أن هناك نوايا حقيقية وطيبة من أجل ضمان حضور إسبانيا، خصوصا أنه لمس تفهما من جانب الأمريكيين. وقال ديسكييار إنه في حالة فوز الديمقراطي باراك اوباما أو الجمهوري جون ماكاين، فإن العلاقات الاسبانية الأمريكية ستتحسن في المستقبل. أما ماريا تيريزا دي لافيغا، النائبة الأولى لثباتيرو، فقد أكدت أن بلادها تتوفر على اقتصاد يفوق حاليا اقتصاد ثلاث عشرة دولة مشاركة في مجموعة العشرين، لذلك فهي مقتنعة بأن بلادها ستكون حاضرة في جميع الاجتماعات. رئيسة الجواسيس يبدو أن الإسبان يثقون، بشكل كبير، في المواهب الاستخباراتية للنساء لذلك عينوا قبل شهور إيلينا سانشيث بلانكو في منصب حساس في الجهاز الاستخباراتي الإسباني. ورغم أن طبيعة عمل هذا الجهاز سرية فإن رئيسة جواسيس شبه الجزيرة الإيبيرية لم تتوان في التأكيد على نية القائمين على الجهاز الدفع به صوب الانفتاح على المجتمع خلال المؤتمر المنعقد حول الأجهزة الاستخباراتية. وإيلينا سانشيث ليست المرأة الأولى التي تصل إلى هذا المنصب داخل جهاز الاستخبارات الإسباني الذي يميل، في بعض الأوقات، إلى تأنيث المعلومة الاستخباراتية. وترى إلينا سانشيث أن المفهوم الأمني لم يعد فقط عسكريا وسياسيا بل أصبح يكتسي أبعادا ديمغرافية واقتصادية واجتماعية، كما أن العولمة وأحداث 11 شتنبر بالولاياتالمتحدة و11 مارس بمدريد فرضت تعاونا بين الأجهزة الاستخباراتية لدول الجوار من أجل تبادل المعلومات، فاليوم لا توجد أية دولة يمكنها وحدها حماية أمنها وتوفير المعطيات الاستخباراتية كاملة دون اللجوء إلى التعاون مع أجهزة أجنبية، لذلك فإن جهاز الاستخبارات الإسباني رفع من تعاونه، كما وكيفا، في السنوات الأخيرة مع الدول الأوروبية ودول المغرب العربي وافريقيا، بل ذهبت سانشيث بلانكو إلى حد القول إن بلادها بقيامها بتدريب عناصر استخباراتية لدول أخرى تساهم، إلى حد كبير، في ضمان أمنها، مثلما أن التغييرات التكنولوجية المتسارعة بشكل متواتر تفرض على الأجهزة الاستخباراتية الاسبانية تحديثا متواصلا لهياكلها. ويعمل جهاز الاستخبارات الإسباني الجديد «سي ني اي»، الذي عوض جهاز «السي سيد» عام 2002، على استباق الأخطار وتزويد السياسيين بالمعلومات حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات الصائبة في جملة من القضايا، مثلما أنه يضع نصب عينيه مواجهة الإرهاب، سواء كان الذي تمثله إيتا الباسكية أو ذاك الذي تجسده الخلايا النائمة لتنظيم القاعدة. والهدف الرئيسي للأجهزة الاستخباراتية الاسبانية، كما ينص على ذلك القانون المنشئ لها هو تزويد الحكومة الإسبانية بالمعلومات الضرورية من اجل توقع وتجنب الأخطار والتهديدات التي تمس باستقلالية ووحدة إسبانيا والمصالح الوطنية واستقرار دولة القانون ومؤسساتها ومصالح الدفاع الوطني والقوات المسلحة. ويوضح القانون الذي أنشئت بموجبه «السي ني اي» أن وزارة الدفاع تقوم بالتعديلات الضرورية مثلما تصادق على الأهداف الرئيسية للأجهزة الاستخباراتية في المجلس الوزاري الذي يرأسه رئيس الوزراء وتضمن في وثائق سرية يتم حفظها. ولهذا الغرض، أنشئت في إسبانيا مندوبية الحكومة لشؤون الاستخبارات التي تقترح على رئيس الوزراء الأهداف السنوية التي يجب أن تشتغل وفقها الاجهزة الاستخباراتية وإجراء المتابعة وتقييم عمل هذه الأجهزة وتحسين التنسيق مع المركز الوطني للتجسس ال»سي ني أي» ومصالح الاستخبارات التابع لاجهزة الأمن والمصالح الإدارية المدنية والعسكرية، والتي تشكل في مجموعها «دولة» تجسسية. ويقوم البرلمان الاسباني بمراقبة الأجهزة الاستخباراتية الإسبانية، وخصوصا جهاز ال»سي ني اي»، عبر تقارير سرية ترفع إلى البرلمانيين دون أن تعطى فيها تفاصيل كثيرة أو بعض الأسرار الخاصة، ومن الناحية الهيكلية ينتمي ال»سي ني أي» إلى وزارة الدفاع الاسبانية بالرغم من وجود قانوني تنظيمي خاص به، وتعد من انشغالات قضايا الإرهاب وتسيير شبكات للتجسس في عدة بلدان توجد بها مصالح إسبانية كبرى، وعلى رأسها المغرب، لذلك لم يكن من محض الصدفة تماما أن يعين السفير الإسباني الأسبق في الرباط، خورخي ديسكيار، رئيسا لهذا الجهاز قبل أن تطيح بها تفجيرات قطارات الموت ويعين في مكانه ألبيرتو سايس، ويشتغل هذا الجهاز بتوظيف تكنولوجيا عالية وعبر تجنيد عملاء والقيام بعمليات للتنصت وجمع المعطيات وتحليلها، والقيام بتوقعات لبعض الأحداث. كاريو ينتقد خطوة القاضي غارثون رغم أن القاضي الإسباني في إجازة مرضية هذه الأيام إلا أن القنبلة السياسية التي ألقاها في شبه الجزيرة الإيبيرية ما زالت تخلف ردود فعل مختلفة، فبعدما عبر الزعيم اليميني ورمز الحزب الشعبي مانويل فراغا عن عدم جدوى فتح ملفات الماضي بحكم صدور قانون للعفو عام 1977، انضاف إلى لائحة الرافضين للخطوة رمز الحزب الشيوعي الإسباني سانتياغو كاريو الذي اعتبر أنه من الخطأ وضع الذاكرة التاريخية لإسبانيا بين يدي قاضي، مذكرا خلال تقديمه يوم الثلاثاء الماضي لكتابه الجديد بعنوان التشنج في إسبانيا، بأن الأشخاص الذين ارتكبوا اعمالا وحشية والمنتمين إلى الجمهوريين تمت محاسبتهم ومعاقبتهم في عهد الجنرال فرانكو. وأوضح كاريو أن الشكل الذي يوجد عليه القضاء في إسبانيا حاليا لا يمكن من القيام بهذا الدور، مركزا على أنه لا يمكنه أن ينتقد غارثون كقاضي بحكم أن كل ما فعله هو لفت الانتباه إلى مسألة معينة، بينما تبقى من مسؤولية الدولة الإسبانية تحديد المقابر الجماعية وتحديد هوية الرفات وإحصاء عدد القتلى المدفونين في المقابر الجماعية. ورغم ابتعاد سانتياغو كاريو، البالغ من العمر حوالي 95 سنة، عن أضواء السياسة الإسبانية، بيد أنه يعد أحد رموز الشيوعيين الإسبان، بل ورمزهم الأبرز طيلة عقود، كما أنه كان عضوا في اللجنة الوطنية التي تشكلت عام 1936 في مدريد من أجل الدفاع عن العاصمة الإسبانية، وذاق بعدها مرارة السجون والمنفى في عهد الجنرال فرانكو، ورغم تقدمه في السن فما زال شخصية منتجة يصدر بين الفينة والأخرى كتابا تاريخيا أو سياسيا.