في إحدى مقاهي شارع ادريس الحارثي بحي سباتة الشعبي، اضطر مسير مقهى إلى أن يوقف، بلمسة زر جهاز التحكم عن بعد، البث المباشر لمباراة الكلاسيكو بين البارصا والريال في جولتها الثانية، بعد اندلاع أعمال شغب داخل المقهى بسبب هجوم عدواني استهدف النادل، نتجت عنه خسائر في ممتلكات مقهى مختنقة بعشاق الفريقين الإسبانيين. تجاوزت أعمال الشغب مدرجات الملاعب إلى كراسي وطاولات وكؤوس المقاهي، بينما كان المعلق على المباراة يواصل وصفه لما يجري في كامب نيو ببرشلونة دون أن يعبأ بما يحصل في مقهى سباتة، أما النادل المسكين فقد كان يجفف سيلان الدم ويعيد إحصاء طاقم أسنانه، وهو يلعن كريستيانو وميسي ويقسم بأغلظ الإيمان أن يصادر الكرة من شاشة المقهى ويعيد الشياشة إلى قواعدهم. اندلعت أعمال الشغب في هذه المقهى وتحول الفضاء المختنق برائحة العرق ودخان السجائر إلى ما يشبه مشهدا مستقطعا من حفل زفاف في الصعيد المصري انتهى بتطاير «أشلاء» الكراسي واختفاء العريسين، والسبب هو محاولة النادل تطبيق بنود دفتر تحملات ومنع القاصرين من دخول المقهى إلا بمرافقة ولي الأمر، وهو ما رفضه كثير من المراهقين الذين قرروا التمرد على القانون الداخلي الجديد، ومارسوا ما تيسر من أعمال الشغب. ينص دفتر التحملات الوضعي المعتمد من طرف النادل ومسير المقهى على منع القاصرين من متابعة المباراة، وعلى الأداء المسبق للمشروب وإلغاء الحجز المسبق للمقاعد، وفصل البارصاويين عن الرياليين، وإلغاء الرهان على الفائز من بين الفريقين المتباريين، وعدم السماح للعنصر النسوي بمشاهدة المباراة،.. وغيرها من الالتزامات التي وافق عليها رواد المقهى على مضض بالسكوت الذي هو علامة الرضى. احتج كثير من الزبناء على دفتر تحملات جلول، الذي شبهه أحدهم بدفتر الخلفي، وذهب أحدهم إلى حد التشكيك في سن النادل الذي لا يزيد على القاصرين إلا ببضعة أعوام، وادعى متقاعد انتماءه إلى جمعية حماية المستهلكين وهو أكثر الناس استهلاكا للسجائر، قبل أن تندلع أحداث الشغب بإحصاء الخسائر وغضب الجيران الذين حرروا على الفور شكاية مذيلة بلائحة توقيعات تطالب بسحب بطاقة الاشتراك في قناة «الجزيرة» من المقاهي الضيقة، وتدعو السلطات إلى القيام بحملة تطهيرية لمنع الشغب الأثيري وتطبيق حكم «الوي كلو» على كل مقهى تتحول في المشاهدة إلى تراجيديا. قبل أيام، هيأ أرباب مقاهي الشيشة دفتر تحملات خاصا بهم يمنع القاصرين وألعاب الحظ ويلغي دعم النرجيلة بمنشطات مسكرة وخلق خط أخضر للتبليغ الفوري عن الانفلاتات، وهو دفتر جاء انسجاما مع دفاتر أخرى لقطاعات ظلت تشتغل بدفاتر الوسخ أو بوسخ الدفاتر، لكن كلما أطل دفتر ظهرت على الفور جيوب مقاومة تعبث تارة ببنوده وتارة تكشف عوراته وترص صفوف المعارضين وتؤسس تنسيقيات وطنية لمحاربة كنانيش التحملات، فقد انتفض مهنيو وهواة التلفزيون ضد دفاتر وزير الاتصال، واحتج رؤساء الفرق الرياضية ضد دفتر البطولة الاحترافية ومدونة الفاسي الفهري، وعارض رؤساء الجمعيات الخيرية دفتر تحملات دور الرعاية الاجتماعية، وغضب أرباب سيارات تعليم السياقة بسبب دفتر تحملات قطاعهم وقرروا وقف تخريج السائقين، واشتكى الأحياء من دفتر تدبير مرافق نقل الأموات وقالوا لواضعيه إن كل نفس ذائقة الموت، وداست شركات النقل الحضري على دفتر التحملات، وكتب مناهضو الدفاتر في ربوع الوطن لافتات الغضب واعتبروا هذه المدونات الجديدة إجهازا على مكسب الفوضى وتضييقا على الحريات، بل إن العدوى انتقلت إلى جيراننا في الجزائر الذين يطلقون على هذه الالتزامات دفتر الأعباء. للمجتهد أجران إذا ما أصاب وأجر واحد إذا ما أخطأ.