ماحي بينبين هو أحد الفنانين المغاربة الأكثر حظوة في السوق العالمية. القطيعة على مستوى علاقاته بوالده، الذي كان مقربا من الملك الراحل الحسن الثاني، ألغت المسافة بينه وبين شقيقه عزيز ، الذي رزح في معتقل تازمامارت طيلة 18 سنة، في هذا الحوار، يعود بنا بينبين إلى ماضيه، ليحكي لنا عن طفولته وعن ازدواجيته الفنية ككاتب وتشكيلي. - أنت ابن الفقيه بينبين الذي توفي مؤخرا، ولم تكن أبدا علاقاتك معه جيدة. هل تحسنت علاقاتكما بعد وفاة الحسن الثاني؟ < أسباب تلك العلاقة المتشنجة ليست أسرار دولة. فعلا، كان أبي يسلي الملك الراحل الحسن الثاني، حتى وإن كان هذا الأخير قد أودع أخي عزيز معتقل تازمامارت، بل إن أبي أنكر حينئذ وجود أي علاقة بينه وبين ابنه. لقد أثر فينا ذلك بشكل كبير، وترك جرحا عميقا في أسرتنا. عشت سنوات طويلة مع أمي، مفضلا الابتعاد عن أبي. غير أن ما تجب معرفته هو أن حدة علاقاتنا خفتت قبل وفاته بقليل، حيث أصبحنا نتحدث بعد مدة طويلة من الجفاء. - إلى أي حد أثر فيك إنكار أبيك لأي علاقة بأخيك؟ < بكل بساطة، أعيش دائما على وقع ذلك الجرح. لم ينعكس ذلك فقط على حياتي اليومية، وإنما أيضا على عملي كفنان تشكيلي. كان أخي الأكبر، بالنسبة إلي، أبا ثانيا خلف غيابه فراغا كبيرا من حولي، وكانت أمي، على سبيل المثال، تخصص جزءا من الطعام خلال الوجبات لعزيز، وكانت تلك طريقتها الخاصة للحد من تأثير غياب الابن. إنه أمر رهيب. لم أستطع إلى حدود الساعة أن أنسى ما عاشه عزيز. فليس عبثا أنه كان يقول لي دائما: «أنا خرجت من تازمامارت، وأنت لا تزال فيه». - غياب أبيك (وأخيك) قربك، إذن، من أمك. هل هي التي وهبتك حساسية الفنان؟ < ما من شك في ذلك. كانت أمي امرأة قوية جدا. ناضلت حقيقة من أجل تربية أبنائها السبعة، وبفضلها تمكنت من أن أناضل بدوري لأفرض ذاتي وآخذ مستقبلي بين يدي بجدية. - حكى الطاهر بنجلون معاناة أخيك: «cette aveuglante absence de lumière». ما الذي يمنعك من الترويح عن نفسك عن طريق كتابة القصة التي طالما عذبتك؟ < اقترحت، بالفعل، على عزيز أن يكتب مذكراته. سعد بالفكرة، لكنه رفض تنفيذها بمعيتي. كانت هناك أشياء حميمية لم يكن يريد أن يتشاركها مع أحد من العائلة. لم يكن يرغب في الزيادة من هول الصدمة، ولذلك حكى القصة للطاهر بنجلون. - أنت بنفسك من ربط الاتصال بينهما... < لم أكن أعرف الطاهر بنجلون في ثمانينيات القرن الماضي. التقيته في نيويورك وقدمته إلى صديقة لنا نحن الاثنين، وبسرعة تولدت بيننا ألفة وصداقة جميلة، فقدمته إلى جميع معارفي واستحسن ذلك. ولما أردت الرجوع إلى باريس اقترح علي أن أرافقه، علما أنني كنت حينئذ في بداية مسيرتي، وكنت أعرف القليل من الناس ولم أكن أحظى بمتابعة إعلامية كبيرة. حينما أصدرت « Cannibal » (آكل لحوم البشر) كان بنجلون كاتب رأي في جريدة «لوموند»، فكان أول من كتب مقالا عن أول رواية لي. - هل كانت رواية قصة أخيك له طريقة لشكره؟ هل كنت تحس بأنك مدين له؟ < ذاك ما حصل بالفعل. تعلمون أنني لا أنكر أن الطاهر بنجلون هو من نشر « Cannibal » في فرنسا، صانعا بذلك نجاح تلك الرواية، إذ ليست الفرصة متاحة للجميع للاستفادة من صفحة كاملة في إحدى أرقى اليوميات في فرنسا. - من منكما أقدم على الخطوة الأولى؟ < أخبرني الطاهر بنجلون، بعد مرور سنتين على صدور «Cannibal»، برغبته في تأليف كتاب عن تازمامارت. كان يعلم أن أخي مر من هناك لأنني أطلعته على قصته حينما كنا معا في نيويورك، وكان يعلم كذلك أنني الشخص الذي بإمكانه أن يقنع أخي بأن يمنحه شهادة عن تازمامارت. ورغم أنني كنت متضايقا من ذلك، فإنني كنت مجبرا بطريقة ما على الاستجابة لطلبه لأنني كنت مدينا له. - غير أن ذلك لم يمنعك من انتقاد الطاهر بنجلون بعد صدور روايته التي أشرنا إليها سابقا. ما الذي حدث بالضبط؟ < فرض أخي شروطه عندما وافق على نشر قصته. لقد أكد للطاهر بنجلون أنه لايريد أن تنكشف هويته، ووقع عقدا مع دار النشر، حيث كان الناشر يمنحه 5 آلاف درهم في الشهر. كان ذلك شيئا رمزيا. المشكل أن الطاهر بنجلون خص أسبوعية فرنسية باستجواب، بعد صدور الرواية، كشف فيه هوية أخي، فلم نتحمل ذلك. وهكذا، احتججنا على هذه الوضعية بواسطة رسالة مفتوحة، وإن لم نستطع مع الأسف أن نلجأ إلى العدالة لأن الاتفاق بيننا كان شفويا فقط. ترجمة - محمد بوهريد