هل الولاياتالمتحدة معرضة لهزيمة استراتيجية أخرى في الشرق الأوسط؟ سيُعطى جواب هذا السؤال حينما تتبين نهاية المعركة في سورية وهي معركة لا تجري بين إدارة الأسد ومعارضيها فقط، بل بين الولاياتالمتحدة وحليفاتها (ومنها تركيا)، من جهة، وبين إيران (وروسيا بقدر ما)، من جهة أخرى. والمعركة هي على موقع التأثير المتقدم في الشرق الأوسط. وقد ترددت واشنطن في قراءة صحيحة للخريطة السياسية، ورغم أنها تحاول الآن تقويم الأعوج ربما تكون تأخرت عن الموعد. سيتبين في الأيام القريبة هل يُحرز وقف إطلاق نار بين السلطة السورية والمتمردين. ورغم أنه لا يوجد أي شيء نهائي، فإن الجهود الدبلوماسية للأمم المتحدة والجامعة العربية في هذه المرحلة تخدم مصالح الرئيس الأسد. وفي هذه الأثناء على كل حال، لا توجد علامة على أن سلطة المجموعة السياسية والعسكرية حوله ستنهار. وكذلك توقفت الدعوات الدولية إلى أن يتنحى عن السلطة، بل إنه يُنظر إليه على أنه شريك في تسوية محتملة. في منظار سياسي أوسع، فإن إيران -المؤيدة السياسية والعسكرية والمالية للأسد- هي الرابحة المباشرة من الوضع، أي من بقاء الأسد وربما تقويه، وإذا بقي نظام البعث على حاله فإن إيران هي التي ستحصد الثمار الجغرافية السياسية والاستراتيجية وتحظى، جزئيا على الأقل، بمكانة الهيمنة التي تطمح إليها في المنطقة. وستدخل طهران التفاوض حول السلاح الذري -الذي يوشك أن يبدأ بعد أسبوع- وأسهمها قوية، وهو ما قد يتم التعبير عنه، وربما تم التعبير عنه بارتفاع مستوى وقاحتها في المحادثات المخطط لها (ينبغي أن نرى هل المقترحات السخية التي قدمها أوباما إلى الإيرانيين بشأن الذرة «المدنية» لم تزد شهوتهم أصلا). وخلال ذلك، من المؤكد أن طهران راضية أيضا عن تصريح شاؤول موفاز بأنه لا يرى تهديد إيران الذري خطرا كثيرا. والاستنتاج هو أنه ليست مكانة الولاياتالمتحدة الإقليمية وحدها التي سيتم المس بها، بل سيزيد أيضا التهديد المحتمل من قبل سورية وإيران لإسرائيل والأردن وربما السعودية. وكما قلنا آنفا، فإن أمريكا عالمة اليوم، رغم أن هذا جاء متأخرا، بما هو قريب الوقوع. والتصريحات التي ازدادت صرامة لمتحدثي الإدارة تشهد بذلك. في الماضي البعيد، تجاوزت واشنطن المادتين: فقد دعت، من جهة، إلى تنحية الأسد ومواليه وأيدت مساعدة إنسانية للمتمردين؛ ومن جهة أخرى عارضت خطوات أكثر صرامة. واكتفت الإدارة، كما كانت الحال في ليبيا، بما عُرف بكونه «القيادة من الخلف»، أي ألا تقف في مقدمة العملية بل تؤيد من الخلف. وكما بيّن مارتن إينديك، الذي كان في الماضي سفير الولاياتالمتحدة في إسرائيل، في مقالته في صحيفة «واشنطن بوست»، فإن هذه هي سياسة أوباما الخارجية ما بقي يعتقد أن المصلحة الأمريكية في هذا الشأن أو ذاك ثانوية فقط. لكن «التأييد من الخلف» قد يكون معناه البقاء في الخلف، فهل يكون هذا مصير السياسة الأمريكية حينما تُكتب خاتمة المعركة في سورية؟ ويتبين من مقالة إينديك أيضا انتقاد لسياسة الرئيس أوباما في الشرق الأوسط لا في الشأن السوري وحده. وقد نبه إلى أنه رغم «خطبة القاهرة» ورغم الضغوط على إسرائيل وانسحاب القوات من العراق، فإن أوباما بدأ معركته الانتخابية في الوقت الذي أصبحت فيه شعبيته وشعبية الولاياتالمتحدة في العالم الإسلامي منخفضتين، بنفس قدر شعبية الرئيس جورج بوش بالضبط. في الأسبوع الماضي، عرض هنري كيسنجر، في مقالة أخرى، سؤالا صائبا يتعلق بالنظرة الأمريكية إلى الشرق الأوسط عامة والربيع العربي خاصة، وهو: ألن يفضي إهمال مصالح الولاياتالمتحدة القومية الأساسية في الشرق الأوسط، من أجل أهداف إنسانية وديمقراطية في ظاهر الأمر، إلى فشل الشيئين معا بالضرورة؟ أي أن كيسنجر يتساءل ألن تفضي سياسة أوباما آخر الأمر أيضا إلى إضرار بوضع أمريكا الاستراتيجي والجغرافي السياسي، وإلى إضرار أيضا بالقيم الديمقراطية والسياسية التي تعلن إدارة أوباما أنها تريد الدفع بها قُدما؟ هذا سؤال جيد. عن «إسرائيل اليوم»