طفت «قضية» من يعرفون ب«الرجال الزرق» في «الصحراء الكبرى» على واجهة الأحداث الدولية، مباشرة بعد إعلان رجال من العسكر الانقلاب على الرئيس المالي، الذي اتهم من قبلهم ب«التقاعس» في التدخل لمواجهة «الفوضى» في شمال البلاد، في إشارة إلى ما يعرف ب«تمرد» الطوارق الذين كانوا، في السابق، يطالبون بالاستقلال الذاتي، قبل أن يفاجئوا الجميع بالإعلان عن قيام جمهورية الأزواد أياما بعد تنفيذ «قصة» الانقلاب على الرئيس المالي. ووسط تحفظ عدد من الدول الكبيرة التي لها تأثير على المنطقة، كانت الحركات الأمازيغية بشمال أفريقيا وحدها التي غردت خارج السرب، ورحبت بهذه «الجمهورية»، التي رأت فيها «مخرجا» لما تسميه مأساة الطوارق في الصحراء الكبرى منذ أزيد من 50 سنة، حين قسمت القوى التي استعمرت الصحراء الكبرى «الشعب الطوارقي» على كل من ليبيا والجزائر في الجنوب ومالي والنيجر في الشمال وبوركينافاصو، دون أن تمكنهم، حسب أدبيات الحركات الأمازيغية، من الحد الأدنى من «الاعتراف المادي والمعنوي». «اليوم، قرر الطوارق أن يقرروا مصيرهم بأنفسهم بتحرير بلادهم الأزواد من الاستعمار المالي»، هكذا كتبت بانتشاء جمعية تمازغا بفرنسا، التي ينخرط فيها عدد كبير من نشطاء الحركة الأمازيغية بالقبائل الجزائرية، في موقعها الإلكتروني، وهي «تحلل وتناقش وتدافع» عن قضية «الرجال الزرق»، موضحة بأنه ليس هناك أي مبرر لكي يبقى هذا «الشعب» دون دولة. وفي المغرب أعلنت الحركة الأمازيغية بالريف «دعمها المطلق واللامشروط» للطوارق في مبادرتهم إعلان «استقلالهم». وانتقدت موقف فرنسا الذي قرر عدم الاعتراف باستقلال الأزواد بشكل أحادي الجانب. وهو الموقف نفسه الذي تبنته الجزائر. وفي المغرب أكد وزير الخارجية، سعد الدين العثماني، بأن إعلان استقلال منطقة الشمال عن جمهورية مالي من جانب واحد «أمر غير مقبول بالنسبة للمملكة المغربية. ودافع الاتحاد الأفريقي عن حرصه «الشديد» على «الوحدة الوطنية ووحدة وسلامة أراضي مالي». ويقدم الطوارق على أنهم أمازيغ الصحراء ويطلق عليهم «رجال الصحراء الزرق» و«الملثمون»، وهم يعيشون على الترحال ويتحدثون «التاركية»، وهي تنويعة من التنويعات اللغوية الأمازيغية في شمال أفريقيا. ويفضل الطوارق تسمية أنفسهم ب«إيموشاغ»، وهي تنويعة للكلمة الأمازيغية «إيموزاغ»، التي تعني، حسب أدبيات الحركات الأمازيغية، «الرجال الأحرار». وتقول الحركات الأمازيغية، بكثير من الاعتزاز، إن الفضل في الحفاظ على الخط الأمازيغي «تيفيناغ» يعود إلى هذا الشعب إلى أن أصبح، بتعديلات أدخلت عليه من قبل اللغويين في هذا المجال، الخط الرسمي المعتمد لكتابة الأمازيغية وتدريسها في المدارس العمومية بالمغرب، بعدما أقره المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، في اجتماع لمجلسه الإداري. ويعتز الطوارق بوضعية المرأة المتقدمة لديهم. فالرجل عندهم من يلبس اللثام، بينما المرأة تكشف عن وجهها في مجتمع يفتخر بأن المرأة تتمتع فيه باستقلالية كبيرة، ويعرف على أنه من «المجتمعات الأميسية» التقليدية عبر التاريخ. ولا زال هذا «الشعب» يحتفظ بكثير من هياكله الاجتماعية التقليدية التي تحل في إطارها النزاعات وتتخذ القرارات. و«يتشتت» هذا الشعب في «الصحراء الكبرى»، وهي منطقة أصبحت، في الآونة الأخيرة، تشكل مرتعا للحركات الإسلامية المتطرفة، التي تحاول أن تخرج من رقابة الأنظمة التي تطاردها، نحو «شساعة» الصحراء حيث الجبال والتضاريس الوعرة والكثبان الرملية المتحركة، تسمح لها ب«التحرك» بعيدا عن أي مطاردات، استعدادا لتنفيذ هجمات إرهابية، عادة ما تكون إما اختطافات أو أعمال قتل أو تفجيرات. وتمكنها هذه المنطقة، المعروفة بكونها من قلاع التهريب الدولي للمخدرات والأسلحة، من عائدات مهمة تستطيع أن تصرفها لهيكلة خلاياها، وتوفير المتطلبات اللازمة لتنفيذ عملياتها. ولم تستطع أحاديث الطوارق في شمال مالي عن توجهاتهم «العلمانية» وتحررهم، واستعدادهم لترسيخ مجتمع الحوار والتعددية، وعدم استبعاد الدخول في مواجهات مسلحة مع تنظيمات محسوبة على «القاعدة» في المنطقة، إقناع عدد من مكونات المنتظم الدولي بشرعية الخطوة التي أقدموا عليها، في 6 أبريل الجاري، في منطقة الأزواد، التي تمتد على مساحة شاسعة تعادل مساحتي فرنسا وبلجيكا مجتمعتين. وحاول موسى أغ الطاهر، وهو من قياديي حركة إعلان الاستقلال بشمال مالي، الاستعانة بما تخوله المواثيق الدولية، ومنه الحق في تقرير المصير، لشرعنة هذه الخطوة. وتحدث أغ الطاهر، في ظهور له في إحدى القنوات التلفزية الموجهة إلى العالم (فرانس24) في صيغتها الفرنسية عن مجازر تعرض لها «الشعب الطوارقي» منذ حوالي 25 سنة، ووعد بأن الشعب الطوارقي سيحترم كل الحدود الموروثة عن الاستعمار، والتي تفصله عن دول الجوار، في رسائل منه لتهدئة عدد من الدول المجاورة التي تعتبر فيها قضية الطوارق قنبلة قابلة للانفجار في أي لحظة، ومنها الجزائر وليبيا والنيجر وبوركينافاصو، فيما يشبه وضع الأكراد في سوريا والعراق وتركيا وإيران. لكن هذا الحضور في الإعلام الفرنسي لم ينفع في تغيير موقف فرنسا، التي توصف بأحد اللاعبين التاريخيين الكبار في المنطقة من هذه القضية، وهي التي تتهم عادة بالوقوف وراء صنع الخريطة في المنطقة، وترسيم الحدود، والتحكم في الخطوط الكبرى للعب فيها. ولا تستبعد فرنسا، حسب تصريحات مسؤوليها، من الدعم اللوجستيكي لأي تدخل عسكري أفريقي في المنطقة ل«تهدئة» الوضع، وإرجاع الأمور إلى ما هي عليها. لكن بعض المتتبعين يعتبرون بأن الدخول في الحرب مع الطوارق في المنطقة سيمتد سنوات، بالنظر إلى طبيعة المنطقة التي لا يفك طلاسم تضاريسها سوى قاطنوها. قاد الطوارق أول تمرد لهم على مالي سنة 1962. واستمر نحو عامين، وتدخل النظام المالي بقسوة لإخماده، وفرض حكما عسكريا على المنطقة. وعمد نخبة من الطوارق سنة 1988 إلى الإعلان عن تأسيس الحركة الشعبية لتحرير الأزواد. واندلع التمرد الثاني سنة 1990، واستمر نحو خمس سنوات. ومنحت السلطات المالية حينها حكما ذاتيا لمنطقة كيدال بالشمال، مما أدى إلى احتواء التمرد الذي لم ينجح اتفاق 1991، الذي وقع بين السلطات والطوارق برعاية جزائرية في تنمراست، في إيقافه. وبمقتضى الحكم الذاتي للمنطقة، تم توقيع اتفاق سلام في تومبوكتو بالشمال مع الطوارق سنة 1996. وعادت أجواء الانتفاضة مجددا إلى الشمال، وانتهت في سنة 2006 بالتوقيع على اتفاق سلام برعاية الجزائر، الدولة التي تتدخل بسرعة دوما لإطفاء حرائق التمرد في الشمال المالي. لكن التمرد عاد سنة 2007، وامتد هذه المرة إلى شمال النيجر، واستمر إلى 2009، التاريخ الذي تدخل فيه العقيد الليبي معمر القذافي لإنهاء التمرد. وفي سنة 2011 تأسست الحركة الوطنية لتحرير أزواد. وربط بعض المتتبعين بين العودة الكبيرة للطوارق إلى واجهة القتال وبين عودتهم من ليبيا التي قاتلوا فيها إلى جانب نظام معمر القذافي المنهار. إذ بدؤوا في المواجهات مع السلطات المالية منذ يناير الماضي، ودخل المئات من المواطنين في عمليات نزوح، وأغرقت المنطقة في الفوضى، حسب أطراف من الجيش استغلت هذه الأوضاع لتنظيم انقلاب ضد الرئيس المالي أمادو توماني توريه. ولم ينفع هذا الانقلاب, الذي أدخل مالي في فوضى أخرى، وفي عزلة دولية، في إيقاف زحف الطوارق، وإعلان جمهوريتهم التاريخية في منطقة الشمال.
بيان استقلال فوق الرمال استحضر الطوارق، وهم يعلنون في بيان للحركة، يوم 6 أبريل الجاري، عن استقلالهم في الشمال عن مالي، رسالة سبق أن وجهها وجهاء وزعماء الطوارق إلى الرئيس الفرنسي في 30 مايو 1958، وهي الرسالة التي عبروا فيها عن رغبتهم في الاستقلال. لكنه في عام 1960، وبمناسبة منح الاستقلال لدول غرب أفريقيا، ألحقت جمهورية فرنساإقليم أزواد بمالي، دون موافقة الأزواديين، حسب بيان إعلان الاستقلال. كما استحضروا ما أسموه «المجازر» التي تعرضوا لها سنوات 1963، 1990,1995، 2006و2012، وهي الفترات التي شهدت أعنف المواجهات بين السلطات المالية وبين نشطاء الطوارق من المطالبين بالانفصال. وتحدث البيان عن تراكم أكثر من 50 عاما من الفساد وسوء الحكم، بتواطؤ الجيش مع السياسيين في مالي، مما عرض حياة «شعبهم» للخطر، وهدد الاستقرار الإقليمي والسلم الدولي. وقالت الحركة إن إعلان استقلالها عن مالي «لا رجعة فيه»، ودعت المجتمع الدولي إلى الاعتراف ب«دولة الأزواد». واستنكرت الحركة، في بيان آخر لها، قيام مجموعة مجهولة باختطاف القنصل الجزائري ومن معه، في مدينة غاوو، فجر يوم الخميس 05 أبريل الجاري (أي يوما واحدا قبل إعلان خطوة الاستقلال)، ووصفته ب«العمل الإجرامي». واعتبرت بأن هذه الحادثة «تأتي في إطار الحملة التي تسعى إلى تشويه سمعة الحركة الوطنية لتحرير أزواد، التي تعمل على ضبط الأمن، وإعادة الحياة الطبيعية إلى المدن المحررة».