تصل رشيدة داتي اليوم، 9 أبريل، إلى مراكش لتنشيط ندوة سياسية تليها مأدبة عشاء، فقد أناط بها حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية مهمة القيام بدور «رقاص» نيكولا ساركوزي لإبلاغ رسالته إلى الجالية الفرنسية المقيمة بالمغرب والتي يقدر عددها رسميا ب40 ألف شخص. وعهد إلى النائبة الأوربية وعمدة المقاطعة السابعة في باريس بمهمة عرض البرنامج الانتخابي للمرشح-الرئيس بغية الحفاظ على نفس الديناميكية التي سبق لساركوزي أن خلقها في الانتخابات الرئاسية لعام 2007 بحصوله في المغرب على نسبة 51,9 في المائة، متقدما على سيغولين رويال. ومقارنة بدول أخرى، فقد حصل ساركوزي على 90 في المائة من أصوات الفرنسيين المقيمين بإسرائيل! المهم أن «فرنسيي المغرب» يصوتون في معظمهم لصالح اليمين المحافظ أو لصالح اليمين المتطرف؛ ذلك أنه يقيم في بلد الماء والخضرة عنصريون وإسلاموفوبيون يحلمون بإعادة تطبيق نظام الرق على المغاربة! هل سيتغير الوضع مع الاستحقاق القادم، على خلفية التحولات السياسية المرتقبة في فرنسا وفي ظل التغيرات التي شهدتها المملكة والتي دفعت بالجالية الفرنسية المقيمة بالخارج إلى عقد الصلة مجددا بالسياسة والتخلص من خوف أن ينظر إليهم المخزن كمشاغبين؟ ذاك ما ستجيب عنه النتائج النهائية للاقتراع في السادس من ماي القادم. تأتي زيارة رشيدة داتي لمراكش بعد شهر على الزيارة التي قامت بها مارتين أوبري للرباط والدارالبيضاء (من 9 إلى 13 مارس) والتي جمعتها بالجالية الفرنسية، وأيضا برئيس الحكومة وبالعاهل المغربي. لماذا اختارت رشيدة داتي مراكش ولم تنزل بالعاصمة الرباط أو الدارالبيضاء، وهما مدينتا الجالية الفرنسية بامتياز؟ من الطبيعي أن تنزل «سيدة البيبول» في مدينة البيبول، حيث الفرنسيون في رياضاتهم العدنية راضين مرضيين. لقد ساهم ساركوزي وحاشيته السياسية والفنية في «شنعة» مراكش كقبلة للراحة والمرح. ومن الطبيعي أن تحل رشيدة في ضيافة الفرنسيين المقيمين في مراكش المعروف عنهم الثراء، «اللوكس». وعلى النقيض مما جاء في فتوى مصطفى الرميد، فإنها الفئة الناجية من النار! ستكون رشيدة إذن مثل «حوتة» في الماء! لكن اختيارها لمراكش مرده بالأساس إلى أسباب موضوعية، بل قسرية؛ فقبل وصولها بأسبوع، عين شارل فريس سفيرا لفرنسا بالمغرب، خلفا لبرينو جوبير الذي تم تعيينه سفيرا بالفاتيكان. وقد شغل شارل فريس منصب مستشار دبلوماسي لفرانسوا فيون، الوزير الأول الفرنسي، وهو أحد أصدقائه المقربين. وبحكم الصراع المرير الدائر بين فرانسوا فيون ورشيدة داتي حول الترشح للانتخابات التشريعية القادمة بالمقاطعة السابعة، فإن السفير الجديد غير مستعد، لا اليوم ولا في المستقبل لفتح ذراعيه لاستقبال رشيدة داتي ودعوة فرنسيي الرباطوالدارالبيضاء وما جاورهما إلى الاستماع إليها! أولا، لأنه لا يرغب في نقل الصراع الدائر بين فيون وداتي إلى الرباط؛ ثانيا، تم تعيينه في هذا المنصب حتى لا يجد نفسه في قائمة «لمشومرين» التابعين للوزارة الأولى الذين بدؤوا في مغادرة القارب بعد أن تأكد لهم أن ساركوزي هزوا الماء! الغريب أن زيارة رشيدة داتي تتم في ظرفية ضيق فيها ساركوزي ووزيره في الداخلية، كلود غيان، الخناق على المغاربة وعلى الأجانب عموما، وذلك تماشيا مع السياسة الأمنية الصارمة، وفي الوقت الذي لم تصدر فيه عن وزيرة العدل سابقا، التي تتفاخر بأصولها المغربية، ولو التفاتة مساندة أو تنديد بالإجراءات القمعية والإسلاموفوبية الموجهة ضد الجالية المغربية، من عمال وفلاحين وطلبة. يبدو أن رشيدة لم تفهم المنطق المقلوب والمفارقة الغريبة التي تحكم علاقة المغاربة بالفرنسيين: إذ هؤلاء أسياد في المغرب والمغاربة «شياطة» في فرنسا! إنها عقلية المعمر وعقدة المستعمَر (بفتح الميم) التي تجعل من المغرب مقاطعة من مقاطعات فرنسا لما وراء البحار، لذا فالمطلوب أن تتغير الأشياء في علاقات المغرب بفرنسا مع الرئيس القادم وأن يترجم «البعد الأوربي» للمغرب بتسهيل حركة التنقل والشغل. ولو كانت لرشيدة داتي غيرة على بلدها وأبناء جلدتها لكانت قد لعبت دور الوسيط بين حكومة البلدين في هذا الاتجاه. لكن وبما أنها ابنة حزبها وصاحبة مصالحها، فإنه لا خير يرجى منها. فهل ستصلح نجاة بلقاسم، المقربة من فرانسوا هولاند، ما أفسدته رشيدة داتي في حالة فوز المرشح الاشتراكي؟ «غادي نشوفو»!