- لماذا لجأت السلطات إلى إغلاق دور القرآن بعد تفجر قضية المغراوي تزامنا مع الحديث عن إصلاح الحقل الديني الرسمي؟ < لقد لجأت السلطات إلى إغلاق دور القرآن لأنها اعتبرتها مؤسسات تتلقى الإيديولوجيات التي يحكمها عقل سلفي أصولي يتمثل في الشيخ المغراوي. فالسلطة اعتبرت دور القرآن امتدادات لفكر هذا الرجل الذي لا يتماشى مع السياسة الدينية العامة التي حددتها الدولة المغربية. إن دور القرآن من الناحية العملية مؤسسات لتعليم القرآن والعلوم الدينية، لكنها من الناحية الإيديولوجية، تابعة، في غالبيتها، لجمعيات تتبنى الفكر السلفي الأصولي. إن قرار الإغلاق الذي طال كل هذا العدد من دور القرآن يعتبر امتدادا للبيان شديد اللهجة للمجلس العلمي الأعلى والذي اعتبر أن المغراوي يشوش على ثوابت الأمة ومذهبها. - هل هناك علاقة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بقرار الإغلاق؟ < إن السياسة الدينية في المغرب تتدخل فيها مجموعة من الجهات الوصية وليس جهة واحدة فقط. فوزارة الأوقاف تترك هامشا لوزارة الداخلية في تدبير بعض الأمور التي لها علاقة بالحقل الديني. بخصوص إغلاق دور القرآن، صحيح أنه، من الناحية القانونية، كان من الأولى أن تتدخل وزارة الأوقاف بدلا من أن يصدر القرار عن وزارة الداخلية، وهذا الأمر يؤكد أن السياسة الدينية في المغرب تتجاذبها عدة أطراف. لقد سبق أن قامت وزارة الداخلية سنة 2004 بإغلاق تسع دور للقرآن بمراكش، ثلاث منها تابعة لجمعية الدعوة إلى القرآن والسنة والدور الباقية مكتراة من طرفها. وبعد مدة من الإغلاق، تمت إعادة الست دور المكتراة إلى مالكيها، فيما استولت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الثلاث التي تملكها الجمعية وحولتها إلى مدارس قرآنية تابعة لها. - هل تعتبر أن دور السلفية التقليدية قد حان بعد مواجهة السلفية الجهادية منذ 2003؟ وهل يكون إغلاق دور القرآن مقدمة للقضاء على نمط التدين الذي يروج له السلفيون المرتبطون بدول الخليج هنا في المغرب؟ < لقد تمكنت الحساسيات السلفية من تكوين شرائح اجتماعية عديدة والتغلغل فيها، وأصبح التيار السلفي جزءا لا يتجزأ من مظاهر التدين في المغرب، ولا يمكن أن تتم إزاحته فقط عن طريق إغلاق مجموعة من دور القرآن. منذ الخطاب الملكي لسنة 2004 الذي حدد المعالم الكبرى للسياسة الدينية في المغرب والسلطات تحاول إزالة كل مظاهر التدين الخارجة عن حدود هذه السياسة والتي لا تتماشى معها. وربما كانت السلطات تنتظر هفوة مثل التي قام بها المغراوي عبر إصداره تلك الفتوى للقيام بإغلاق دور القرآن التي تروج لفكر مختلف عن ذلك الذي يتبناه المغرب. بدأت معركة السلطة في المرحلة الأولى مع السلفية الجهادية، وقد استعانت في ذلك ببعض وجوه السلفية التي تنبذ العنف، ومنها الشيخ المغراوي. لكن بعد الفتوى التي أصدرها، فقد المغراوي هذا التحالف الذي كان يربطه بالسلطة وبالتالي بادرت وزارة الداخلية إلى الحد من امتداداته عن طريق إغلاق دور القرآن التابعة له. إن النمط الديني السلفي راسخ في المغرب، ويقوم بأدوار متعددة، منها الاجتماعية والإقتصادية والدينية. ويتمثل الدور الاجتماعي الاقتصادي في التقاط عدد من الشباب الذي يعاني من البطالة وإدماجه في مقاولات صغيرة ومتوسطة، وذلك عن طريق استهداف الفئات الأكثر فقرا. إذن، فالتدين السلفي تمكن من التغلغل في عدة فئات اجتماعية، فهو يعطي نوعا من الاعتراف بالفئات المهمشة والفقيرة . إن التنظيمات السلفية لديها إيديولوجية قوية وتنظيمات متماسكة وعلى قدر كبير من الانسجام وقوة الإيمان. إنها حركة اجتماعية قائمة بذاتها، وبالتالي فمن الصعب القضاء عليها بسهولة. * باحث