بالرغم من اللهجة الإيجابية التي طبعت التقرير الأخير حول حرية الأديان في المغرب، فإن التقرير لم يخل من كيل بعض العتاب وحتى النقد لتدبير الاختلاف والتعددية في مغرب محمد السادس. دينيا انتقد التقرير التضييق الممارس ضد من يختارون التحول عن الاسلام والانتقال إلى دين آخر، وثقافيا انتقد التقرير منع السلطات للأسماء الأمازيغية، وسياسيا شدد التقرير على ما أسماه «قمع السلطات المغربية للأنشطة الدينية لبعض الجماعات السياسية» وحظر التجمعات العامة لجماعة العدل والإحسان. 400 بهائي، 3000 شيعي، ما بين 5.000 مسيحي، وما بين 4.000 و6.000 يهودي والباقي مسلمون. هذه هي الخريطة الدينية المغربية التي كشف عنها تقرير الخارجية الأمريكية حول «أوضاع الحرية الدينية في العالم» لسنة 2008. واعتبر التقرير أن الطوائف اليهودية والمسيحية في المغرب تمارس أديانها علانية، ويمكن للطائفة الأجنبية الهندوسية أن تقوم بحرية بحرق جثث الموتى وبالطقوس الدينية، كما أن الحكومة تقدم مزايا ضريبية وتمنح الأراضي والبناء وإعانات وإعفاءات جمركية على الواردات الضرورية للأنشطة الدينية لأهم الجماعات الدينية، أي المسلمين واليهود والمسيحيين. كما أضاف التقرير أن الحكومة تراقب وتعمل على مكافحة التطرف باسم الدين من خلال تشجيع التسامح الديني في البلاد، معطيا مثالا بكون عدد من المغاربة المسلمين يتابعون دراستهم في المدارس المسيحية واليهودية، كما يقوم مستشفى تديره الجالية اليهودية بتوفير الرعاية للمواطنين ذوي الدخل المنخفض بغض النظر عن الدين الذي يعتنقونه. اليهود المغاربة يقيم أغلب اليهود المغاربة، معظمهم من كبار السن، في مدينة الدارالبيضاء فيما يقدر التقرير الأمريكي حجم الجالية اليهودية في الرباط ما بين 150 إلى 200 شخص، فيما ينتشر ما تَبَقى من السكان اليهود في أنحاء البلاد. وذكر التقرير أن المغرب يوفر حماية خاصة لأفراد المجتمع والزوار والمؤسسات اليهودية، كما يجرى إحياء الذكرى السنوية لليهود في أرجاء البلاد، ويقوم الحجاج اليهود بزيارة الأماكن المقدسة بانتظام. كما أن الحكومة المغربية تمول دراسة الثقافة اليهودية وتراثها الفني والأدبي والعلمي. كما تدرس العبرية والدين المقارن في قسم الدراسات الإسلامية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ويقوم حوالي 13 أستاذا بتدريس العبرية في جميع أنحاء البلاد. ويعتبر المغرب البلد الوحيد في الأمة العربية الذي يتوفر على متحف يهودي. كما قامت المكتبة الوطنية هذه السنة بتوقيع اتفاق لتقاسم السجلات ذات الصلة بالموضوع مع المتحف التذكاري للهولوكست بالولاياتالمتحدة. الجالية المسيحية يقيم أغلب المسيحيين، الكاثوليك منهم والبروتستانت، في الدارالبيضاءوالرباط، وفيما يقدر عددهم ب5.000 شخص يؤكد البعض أنهم حوالي 25 ألف شخص. ولدى المغرب كنائس وجمعيات مسجلة تشمل الكاثوليكية، الأرثوذكسية الروسية، الأرثوذكسية اليونانية، البروتستانتية الفرنسية، البروتستانتية الإنجليزية، والكنائس الأنغليكانية. وتقوم طائفة مسيحية أجنبية صغيرة، حسب التقرير، بإدارة الكنائس ودور الأيتام والمستشفيات والمدارس دون قيود حكومية. وذكر التقرير أن الحكومة تسمح بعرض وبيع الأناجيل باللغة الفرنسية والإنجليزية والإسبانية ولكنها، يضيف التقرير، «تقوم عموما بمصادرة الأناجيل باللغة العربية وترفض تراخيص استيرادها وبيعها على الرغم من عدم وجود أي قانون يحظر مثل هذه الكتب». أما بخصوص النشاط التبشيري المسيحي، فإن المبشرين الذين يمتنعون عن التبشير لا يتعرضون لأية عراقيل، في حين أن أولئك الذين يقومون بأنشطتهم علانية يواجهون الطرد. كما أن وزارة الداخلية ما زالت مستمرة في رصد الأنشطة التبشيرية، ولا سيما في جبال الأطلس، منطقة سوس، والمدن الكبرى. كما أعربت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عن قلقها إزاء نشاط التبشير في بعض المناطق المنعزلة. البهائيون يعتبرون مرتدين في عيون المسلمين تحدث التقرير عن المضايقات التي يتعرض لها ال400 بهائي مغربي، حيث ذكر أن العديد من المسلمين ينظرون إلى العقيدة البهائية باعتبارها «هرطقة منبثقة عن الإسلام»، ويعتبرون بذلك البهائيين مرتدين، مضيفا أن أغلب البهائيين المغاربة يتجنبون الكشف عن معتقداتهم الدينية، «لكن مخاوفهم حول سلامتهم الشخصية وسلامة ممتلكاتهم لم تمنعهم من العمل في المجتمع واحتلال مناصب حكومية». القيود المفروضة على الحرية الدينية تحدث التقرير الأمريكي عن القيود التي يفرضها المغرب على الأديان، خصوصا الإسلام والمسيحية، حيث ذكر أن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية تراقب خطبة الجمعة في المساجد والمدارس القرآنية لضمان تدريس المذهب المعتمد، مضيفا أن السلطات تقوم، في بعض الأحيان، بقمع أنشطة الجماعات الدينية ذات الطابع السياسي ولكنها تسمح عموما بأنشطة محدودة لنشر الإسلام والتعليم. وأضاف أن السلطات تقوم بإغلاق المساجد أمام الجمهور بعد فترة وجيزة من إنهاء صلاة الجمعة لمنع استخدامها للأنشطة السياسية «غير المشروعة». وذكر التقرير أن المتحولين عن الإسلام من المغاربة إلى ديانات أخرى يتعرضون إلى مضايقات وتقترف في حقهم انتهاكات، حيث نقل عن مصادر في الجالية المسيحية أن عددا من المواطنين، في يناير 2008، تعرضوا إلى مضايقات من طرف الشرطة المحلية حين كانوا يحاولون حضور مراسيم جنازة مسيحية في الدارالبيضاء. وتطرق التقرير أيضا إلى مشكلة الأسماء الأمازيغية التي أثيرت على صفحات الجرائد، حيث ذكر أن عددا من المواطنين الأمازيغ، ومن بينهم أتباع ديانات أخرى غير الإسلام، يشتكون من صعوبة تسجيل أسماء أبنائهم «غير المسلمة» لدى السلطات، وأن بعضهم يتم إعطاؤه إذن بذلك لكن بعد مسلسل طويل بيروقراطي يستمر في بعض الأحيان لسنتين. وأضاف أنه «بعد إثارة النقاش في الصحافة، صرح وزير الداخلية أنه لا يوجد أي قيد رسمي على الأسماء، لكن تسجيل الأسماء غير التقليدية ما زالت تشوبه صعوبات في التطبيق». قمع جماعة العدل والإحسان تحدث التقرير الأمريكي عما أسماه «قمع السلطات المغربية للأنشطة الدينية لبعض الجماعات السياسية» مع استثناء ل«الأنشطة المحدودة لنشر الإسلام، التعليم والأنشطة الخيرية». وذكر التقرير أن المغرب ما زال يمارس حظرا على التجمعات العامة لجماعة العدل والإحسان، غير المعترف بها من طرف الدولة، معللا ذلك باستخدام هذه الأخيرة للدين لتحقيق أغراض سياسية، مضيفة أن الصراع ما زال مستمرا، حيث تم في مارس 2007 الحكم على أربعة أعضاء من العدل والإحسان بسنة سجنا نافذا لمشاركتهم في تجمعات غير قانونية. وذكرت مصادر في العدل والإحسان، لصانعي التقرير، أن هذين العضوين تعرضا إلى مضايقات بصورة منتظمة. وتابع التقرير أنه في 23 فبراير 2008، ذكرت وسائل الإعلام أنه تم اعتقال 53 عضوا من جماعة العدل والإحسان في الصويرة لمشاركتهم في تجمعات غير مرخص لها في منزل قائد إقليمي. وقد كان حاضرا في الاجتماع قادة الجماعة في كل من مراكش، الدارالبيضاء، المحمديةوالصويرة. أهم النقط الإيجابية محاربة المغرب للتطرف تطرق التقرير السنوي الأمريكي إلى مجموعة من النقط الإيجابية التي قام بها المغرب في حقله الديني والتي اعتبرها التقرير «تطورات إيجابية في احترام الحرية الدينية»، حيث ذكر أن وزارة الأوقاف ما زالت مستمرة في الإصلاحات التي بدأت سنة 2004 لمواجهة الإيديولوجية المتطرفة وتعزيز الاعتدال والتسامح الديني. وتابع التقرير أن الوزارة تشرف على التنقيحات على المناهج الدراسية الدينية لإزالة المقاطع والدروس التي تسيء تفسير المقاطع القرآنية بطرق تحرض على الكراهية أو عدم احترام المرأة والثقافات الأخرى والأديان المختلفة. كما تقوم بتدريب وتعيين النساء كمرشدات روحيات في المساجد في جميع أنحاء البلاد، حيث تم، منذ بداية البرنامج، تدريب أكثر من 200 من النساء وتم تعيينهن في مناصب قيادية دينية. كما نظمت الوزارة، حسب التقرير، الذكرى الرابعة عشرة ل«مهرجان فاس السنوي للموسيقى الروحية» الذي يضم موسيقيين من التقاليد الروحية الإسلامية والمسيحية واليهودية والهندوسية والبوذية وغيرها في الفترة ما بين 6 إلى 14 يونيو 2008. و خلال شهر رمضان المعظم، يتابع التقرير، يستضيف الملك محمد السادس ندوة سنوية لعلماء الدين المسلمين من جميع أنحاء العالم، بمن فيهم علماء من الولاياتالمتحدةالأمريكية، «تناقش سبل التفسير الديني السلمي والمعتدل وتشجع التسامح والاحترام المتبادل في الإسلام وبين الإسلام والأديان الأخرى».