أتعلمين سيدتي أنك أرقى من الرقي، وأنك أشمخ من أهرامات مصر وجبال تهامة، وأن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أوصى بك خيرا في حجة الوداع، بل إنه خاطب فيك الرومانسية عندما وضعك بين أروع أريج وأعظم نسك في قوله (ص): «حبب إلي من دنياكم الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة». أتعلمين سيدتي أنك أرق من نسائم فجر ندي وأعذب من قطر طل نقي، وأنك تطربين أروع من أي موسيقى عزفتها آلة أو ترنمت بها الكائنات في شدو طير أو خرير غدير. أتعلمين سيدتي أن وقعك على النفس كوقع الندى على أكاليل الياسمين وقت ربيع، أو كشدا أنواع الزهر الرفيع. ألم تعلمي سيدتي أن الشعر ما خلق إلا لك، وأنك ألهمت القوافي فغنت لك، وتنافسك الشعراء غزلا وبكاء وهياما بك، فأنت من صنعت قيس ليلى، وجميل بثينة وكثير عزة، وملكت شعر نزار حتى سمي بك. فأنت صانعة العشق والإلهام والموسيقى والألحان بل وأنطقت رسومات كل فنان، ألم ترسمي البسمة على محيا موناليزا دافنشي، ألست أنت سيدتي من قهرت الجبابرة وكسرت القياصرة فتهاوت نواصيهم إكبارا لك، بل روضت فرسانا أرهبوا الوغى لكن أُرهبوا منك. أتعلمين سيدتي أنك الأم الرؤوم والصدر الحنون، وأنك إشراق وضياء وقبس نور يتخافت رويدا لتقتبس منه الأجيال نورها واستمراريتها، فأنت سيدتي التي تعطين للأجنة من دمك، وتربين، ويتهاوى قوامك الجميل، وتحتضر فتوتك بفعل السنين وأنت تشقين في أركان أوكار أو فسيح قصور أو إدارات خارج وكرك الأمين؛ فالأمومة فيك سيدتي أعظم قرابة وأبلغ آصرة وتكفيك وترية للارتقاء بك حيث مرتعك الطبيعي. أتعلمين سيدتي أنك رفيقة عمري، وحوريتي التي أبتها وجدي، تقبل رومانسيتي وآدميتي، تتحمل حبوري وقرحي، تمسح دمعي، تقاسمني وكري أو قصري، فأنت زوجتي ونصفي بل أروع نصف مني. ألست شقيقتي سيدتي، فقد لا تسع الدنيا حزني ولكن يسع صدرك كل أحزاني وكل معاناتي. ألست بنيتي التي تقهر نرجسيتي وكبريائي الذكوري، فأقر أنك ندي بل أكبر مني، وتكشفين ضعفي وتهزمين جبروت رجولتي التي قد تتعالى عليك سيدتي. فأنت أمي وزوجتي وأختي وبنيتي، فما يضيرك سيدتي أن تجرد بعض الذكران من هذه الصلات، وتجردوا منك أما وبنتا ورأوك أنثى، ولم يعلموا أن الأنوثة شرف وقيمة، ما يضيرك سيدتي أن فصلا من فصول القانون بدا لك مجحفا مع أن روحه تروم لملمة صيتك إن رضيت، لم تغضبين وأنت تملكين تعديله، بل ونسفه إن شئت، ألست تملكين التشريع. ما يضيرك سيدتي أن فصلا يبغي تزويجك حتى دون سن رشدك إيمانا منه بأنه يرضيك إن رغبت، وتحت مراقبة قاض حتى لا تكون رغبتك مجرد نزوة أو أن صلاحك في غيره، فانظري سيدتي إلى أخت لك قد ترضاه خوفا على عفة أو تبديدا لوحدة. فأنت سيدتي تملكين النصوص والقوانين، تملكين جمودها، وتملكين إحياءها وحتى وأدها أو بعثها. فلا تجزعي سيدتي فأنت أم الرجال وأخت الرجال وبنت الرجال، فإن أكرموك فهم الرجال، وإلا فهم صبية الرجال، فالأنوثة فيك سيدتي هي صانعة الرجال.