لذا سيدتي .. اطوي صفحة المساواة ، ولا تعذبي نفسك بمتابعة سرابها الضال ، إنها حقا شبح تتشوقين إليه ، دون أن يتحقق لك ذلك أبد الدهر، أما إن شاء القدر المحتوم ووصلت إلى مبتغاك المنشود ؛ الذي تنفقين جاهدة وبسخاء من أجل تحقيقه ثمنا باهظا ومجهودا مضنيا عقيماُ تفتقدين معهما أصالتك وعزتك وكرامتك ، فإن ذلك سيؤدي بك لا محالة إلى الملل والندم ، فتعيشين معذبة مهمومة على الدوام يراودك حلم الراحة الكاملة ونعيمها باستمرار. إن رجاءك في تحقيق المساواة سيدتي ، هو الذي جعلك ضعيفة أمام التجربة ، فأحسست بالوحشة ، وعشت حياة مضطربة ، وانحرفت دون تفكير نحو الشهوات ، والمطامع ، ومغريات المادة ، ورجعت إلى ظلمات الماضي الدفين دون شعور منك .. إلا أن هذا الرجوع الفاظع غير السليم جاء في صورة أخرى عصرية تخالف القديم ومخلفاته ، لأنك لم تكوني أشد تيقظا ووعيا للدور التخريبي في مجال نشاطه المعادي لقضية الحرية المثلى لانحرافه الممسوخ عن سبيل النهج التحرري المأمول ؛ ذلك أن الحرية الحقة ليست انفلاة من كل قيد أو شرط ، بل الحرية أن يضع الإنسان نفسه داخل حدود معقولة ، وفي دائرة مسطرة ، و تحت تحكم رقابة العقل السليم ، لأن العقل يتبع خطى الحقيقة ويرشد إلى سبيل الهداية ، ولأن العقل المستنير يعرض على المرء أشياء جليلة لخوض غمار حياة عظيمة إيجابية ، لا أشياء بسيطة لحياة تافهة سلبية ؛ أما الأفعال بميولاتها ونوازعها فتصدر عن النفس ، والنفس أمارة بالسوء ، إذا الإنسان انساق وراء وساوسها انحرف عن جادة السبيل ، وانجرفت سلوكياته في هاوية الاضطرابات النفسية. فإن كنت يا سيدتي .. في غابر الأزمان ألعوبة بين أيدي الرجال في كل الأمصار والبلدان – كما تقولين عن قناعة - فأنت اليوم ألعوبة بين أيد أتفه الرجال بالمعنى الحقيقي .. دمية عارية كما خلقها الله ، ودون أدنى شعور بالحياء .. يتخذها رجال الأعمال في المجالات السينمائية والإشهارية للحصول على الأموال الطائلة ؛ كما تتخذ أيّ مادة مغرية لفتح الأبواب أمام النفوس الدنيئة و الطامعة نحو فضاءات عالم متفسخ لا مجال لسلطة الأخلاق فيه ... فأين تهربين الآن سيدتي ..؟ هربت من الماضي القاتم الذي استعبدك فيه الرجل حيث وضعك تحت مرارة سوط ربقة الاستبداد والسيطرة ، فوقعت مكبلة على الدوام بأغلال وقيود زمن قراصنة الحاضر الذي حطّ من قدرك الوافر ؛ أما أنا فأرى أن المهرب الوحيد الذي ينبغي الالتجاء إلى ظلاله الوارفة ، هو الاقتناع بنصيبك في الحياة ، لتعيشي حياة موفورة الكرامة في ظل المباديء النبيلة ، وفي نفس الوقت تشاركين في ارتقاء المجتمع الإنساني وتنظيمه ؛ واعلمي أنه مع التقدم الحضاري المشهود له بالازدهار ، ما زالت هناك تقاليد نبيلة وعادات جميلة تحف بالمرأة بسياج من الضبط حتى لا تضل الطريق الأقوم ، ولكن أسباب عدم الاطمئنان لديها، جعلها تعبر عن نزوات شاذة تتمثل في تمرّدها الدائم على القيود ، ومع ذلك لا يتحقق لها الهدوء التام ، مما خالته حلا نهائيا، من موجات الإحباط النفسي الجارف ، الذي لن يجلب لها إلا المهانة . إنك المرأة في كل زمان ومكان .. المرأة التي لن تستقر على حال أمام عاطفتها الجياشة والمتلونة .. وأن التي ادعت النبوة ، وحمّلت نفسها أعظم الرسالات .. قد انهارت أمام نزواتها لنبي كذّاب مثلها بعد موت النبي الحق محمد صلوات الله عليه وسلامه ، لا لشيء سوى أنها لم تستطيع الصمود أمام ما يعتلج في أعماقها من ميولات ورغبات أنوثية أنستها ما أقدم عليه عقلها من نزوع نحو الرفعة.. فجلبت لها فعلتها ولقومها الذل والمسكنة..إنك المرأة .. ومهما علوت ستبقين المرأة التي خلقت على أن تكون على الدوام امرأة .. المرأة التي بقدراتها ومكارم أخلاقها تستطيع رفع الإنسانية إلى أعلى عليين .. وبانحرافها عن السبيل القويم تحط من قدرها إلى أسفل سافلين ... قد تحتاجين سيدتي إلى الحمى .. قد تحتاجين إلى كامل العناية والعطف والحنان .. قد تحتاجين إلى الرؤيا الصائبة والتفكير العميق .. قد تحتاجين إلى أكثر من ذلك .. لأن طرحك العقائد والتقاليد جانبا دون بديل مقبول قد أوقعك في فراغ ممل ، مما أسدل على نفسك ظلام الانهيار المميت ، فكفى من تلويك الكلام ، واستوقفي جماح ثرثرتك المستمرة ، استجابة لمباديء الأخلاق السامية ، وكفى من الجري وراء السراب ، فقد أعياك الركض المتعب وراء اللاشيء ، اجعلي حياتك تفيض بالأنق .. وانشدي أغنية المودة والوئام ، بعيدة عن الصراع غير المجدي .. وبعيدة عما يعتمل في أعماق دخائلك من نوازع جعلتك تنعتين باللغز المتعذر على الفهم ... واعلمي أن الاستقرار لا بد أن يقوم على أساس من الفهم .. وأنت تستحقين أن يكون لديك قدر كبير من الفهم ، لما لك من قوة مؤثرة وفعالة في توجيه المجتمع ... إن الإنسان قد خلق ليقرأ .. ويطلب العلم من المهد إلى اللحد .. وهو حق مشروع تتساوى فيه كل الأطراف دون تحديد .. وما ذلك سوى عناية إلهية بالعنصر البشري الذي خلق لتحمل المسئولية الإنسانية بكل معانيها على أحسن وجه ، وإنك لم تحرمي من هذا الحق المقدس الذي يخرج المرء من الظلمات إلى النور، والذي يستطيع به السير ببصر وبصيرة لتحقيق الأهداف والغايات المحفوفة بسياج العيش الكريم الذي يرتضيه الإنسان العارف لما له وما عليه من واجبات وحقوق في نطاق حرية مسطرة الحدود .. ومساواة متكاملة ترقى إلى مستوى الحكمة والتبصر... اعترفي أنك حققت الحرية والمساواة على الوجه الأكمل، واعترفي بفضل الرجل الذي كافح وناضل باستمرار من أجل تحقيق نصيبك المغتصب في الوجود ، بعد أن كان اسمك قد انمحى من لائحة البشر .. ليعوض عن ذنبه الكبير إزاء شخصك الفذ .. إلا أنك تقابلينه بالصراع الدائم والمقاومة اللامتناهية .. فأين المغفرة والرحمة ، وأين صفات الرأفة والحنان التي اشتهرت بها يا ينبوع الإنسانية ...؟ إني لا أنكر أن الرجل لم ينصفك حقا ، حين أبقاك أحقابا طويلة تعيشين في أدنى المراتب في دنيا يسودها الرجل ، تمخض عن كل ذلك سلوكيات يشوبها صراع دائم لا فكاك لك منه ، صراع ثبّت في أعماق نفسك الخوف المرير من كونك امرأة ؛ لكنه حاول التكفير عن ذنبه العظيم الذي أرّق مضجع حياته ، وذلك برفع ألوية الإصلاح في كل مكان ، مخلدا اسمك على صفحات التاريخ ، فردّ لك إنسانيتك الضائعة في متاهات الزمن الغابر، ليجعل منك النصف المكمل له في المجتمع ، لأنه رأى بعين الفهم أنك قيمة أولية وأساسية في المجتمع ؛ ولأنه يرى أن لا ينبغي التقصير في حقوق المرأة؛ وكذا لا ينبغي التقصير في حقوق الرجال وتصغير حقوق النساء ، لكونهما أباء ، وأمهات ، وإخوان ، وأخوات ... إضافة إلى أنهما يمثلان المعنى الحقيقي للحياة. فإن كان ثمة ذنب كبير قد اقترف في حق شخصك يا سيدتي من لدن الرجل في العهود الغابرة .. فلا تنكري في جحود أبد الدهر أن هناك فضل عظيم قد عمت نتائجه الآفاق، وقد أكد ميثاق العمل لجامعة الدول العربية \" أن الرجل والمرأة شريكا حياة ومصير ولا بد لهما من الإسهام معا في صنع الحياة على أساس من التعاون والمساهمة \" ذلك أن إنكار المساواة مع الرجل جريمة مخلة بالعزة الكرامة الإنسانية . فهلا تعود إليك البسمة يا سيدتي؟ لقد أعياني الحديث إليك وأنت جالسة أمامي كتمثال متحجر .. كما أعياني تعداد فضائلك على الإنسانية جمعاء دون أن يتحرك لك ساكن .. أو تبدين أي اهتمام لأقوالي وأرائي ... فابتسمي يا عنيدة .. وانفضي عنك أعباء الماضي القبيح .. ابتعدي عن الغرور.. فإن ماضيك لم يكن كله قاتما كما تظنين ، رغم ما فيه من إهدار لحقك من الاحترام ، بل كان بعضه حافلا بالأعمال الجليلة ، والبطولات النادرة ، والانتصارات العظيمة ، ترددت على ألسنة رجالات عظام في الأزمان الماضية ، وفي كل بلدان العالم ،وأكثر من كل هذا وذاك .. فقد حققت وعن جدارة،مبتغاك من الرفعة والمساواة والقداسة منذ أن وطأت رجليكالأرض .. ومما يدل على صحة كلامي هو هذا التاريخ المجيد الذي لم يتأخر ولو لحظة واحدة منذ قديم الزمن ، دون أن يسجل لك بمداد الفخر والاعتزاز، طي صفحاته ما قمت به من بطولات نادرة وانتصارات خارقة جعلت الرجل يخر لك ساجدا في كثير من الأحيان اعترافا منه بدورك المذهل مند فجر التاريخ...