أين هي وزارة الفلاحة من معاناة الفلاحين المغاربة الذين يقدرون بالملايين في ظل موسم فلاحي ينذر بالجفاف؟ ولماذا لم تتدخل لحد الآن بشكل فعلي بعيدا عن الوعود «الجافة» لإغاثة «الفلاحين المنكوبين» خلال هذا الموسم؟ وهل سيتم تقنين عملية تقديم الإعانات للفلاحين المغاربة التي تم الإعلان عنها؟ وهل ستوزع بشكل متساو بين كبار وصغار الفلاحين؟... أسئلة كثيرة طرحها عشرات الفلاحين الذين استقت «المساء» آراءهم. تساءلوا واستنكروا عن «تغييبهم» من الإعانات التي قدمت في سنوات جفاف سابقة، وطالبوا وزارة الفلاحة بتقنين عملية توزيع الأعلاف المدعمة بسبب الاختلالات الكثيرة، التي ترافق عمليات التوزيع. قال بعضهم إنه لم يسبق لهم أن تلقوا أي إعانات تم الإعلان عنها رسميا من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري منذ سنة 1981. فيما قال آخرون إنهم اقتنوا الأعلاف المدعمة التي تحمل عبارة «مدعومة من طرف الدولة ممنوع البيع» بثمنها العادي من بعض المحلات المختصة ببيع الأعلاف. الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحا عندما ولجنا السوق الأسبوعي لحد السوالم بإقليم برشيد. مازال السوق يغص بالأبقار والأغنام والحمير وغيرها من الدواب المعروضة للبيع، فيما كانت نظرات الباعة، ومن بينهم «الشناقة»، تترصد أي «مشتر». في نظراتهم نوع من الترقب و»التوسل» في الآن نفسه بحثا الخلاص من «الرحبة» التي ولجوها منذ ساعات الصباح الباكر. لم يعتد تجار الأبقار والمواشي ولا حتى «الكسابة» منهم الانتظار إلى مثل هذه الساعة لبيع ما لديهم من بهائم لأن الإقبال عليها يكون كبيرا. لكن تأخر التساقطات المطرية، ونُذُر سنة «جفاف» جعل جميع الفلاحين ومعهم «الكسابة» يتوجسون خيفة من تكبد مزيد من الخسائر بسبب غلاء الأعلاف.إذ إن العرض يفوق الطلب، وهو ما جعل الجميع يعرض ما لديه إلى حدود ساعة متأخرة في يوم ملبد بالغيوم، مما جعل أسعار المواشي والأبقار تسجل انتعاشا طفيفا. وجوه يعلوها اليأس والأسف والعياء بسبب طول ساعات الانتظار بجانب المواشي والأبقار المعروضة للبيع دون أن ينالوا مطلبهم، والسبب بكل بساطة أن الفلاحين أنفسهم لا رغبة لهم في اقتناء المواشي، بل هم أنفسهم حضروا إلى السوق «للتخلص» مما بقي لديهم من أبقار ومواش، أو بيع بعضها من أجل اقتناء الأعلاف والتبن للأبقار والمواشي التي أبقوا عليها لديهم حتى يتجاوزوا هذه الأزمة. أحد التجار بالسوق أكد أن الكثير من «الكسابة» في مثل هذه الظرفية يجلبون بعض مواشيهم لبيعها بالسوق، وعندما يعجزون عن ذلك يتخلون عنها وسط الرحبة لأنهم لا يتوفرون على ثمن وسيلة النقل التي تعيدها إلى المنزل ولا علف لإطعامها. أزمة العديد من الأسر القروية فقدت رؤوس مواشيها بسبب قلة الكلأ. وقد يستغرب الملاحظ أحيانا أشخاصا يذرفون دموعهم على بقر أو ماعز أو كبش جائع. لكنها الألفة، كما تقول إحدى القرويات، التي انهمرت دموعها حينما سمعت خوار أبقارها المتواصل بسبب عدم وجود ما تأكله. كما أن منهم من يعتبر الأمر مسؤولية ملقاة على عاتقه تجاه «بهيمة» هي وسيلته في تأمين لقمة العيش لأسرته. لكن في سنة جافة مثل السنة الحالية، التي شحت فيها الأمطار وتمنعت الأعشاب عن الخروج من باطن الأرض العطشى، يجد الكساب المغربي نفسه عاجزا تماما عن تأمين ما تقتات به مواشيه. ويزداد الأمر سوءا كلما ارتفع عدد البهائم، خاصة عندما يجد نفسه في مواجهة ذاتية مع مخلفات الجفاف خلال الموسم الفلاحي الحالي دون أن تقدم له الدولة أي دعم يذكر. يقول سعيد(فلاح) إن والدته أجهشت بالبكاء بعد أن وجدت نفسها عاجزة تماما عن اقتناء الأعلاف لأبقارها بسبب ارتفاع الأسعار، فأصبحت تفكر جديا في بيعها جميعا حتى لو كان البيع ب»الخسارة»، مادام الحديث عن الأعلاف المدعمة من طرف الدولة ما يزال إلى حد الآن مجرد حبر على ورق، وحتى إن وصل هذا الدعم فإنهم لا يضمنون أنهم سيكونون من بين المستفيدين. «الفلاحون حريصون في مثل هذه الأوقات على بهائمهم أكثر من أبنائهم»، يقول عبد الإله (أحد «الكسابة» بمنطقة حد السوالم)، فهناك من يضطر إلى بيع نصف المواشي والأبقار من أجل تأمين الأعلاف، وآخرون يقلصون مصاريف القفة لتأمين القليل من العلف، بل منهم من أسقط عنه بعض الواجبات الأسرية الأخرى في سبيل ذلك. يقول (مصطفى.ر)، وهو فلاح وكساب من منطقة الكارة، إنه «اضطر إلى إجبار ابنه الذي يتابع دراسته على مغادرة المدرسة بسبب أتعاب التنقل إليها يوميا»، بعد أن أصبح عاجزا عن تحمل المزيد من الالتزامات، حيث فضل «التضحية» بتعليم ابنه على أن يترك ماشيته تموت من فرط الجوع بسبب ندرة العشب وغلاء الأعلاف. اختلالات «أبدا لم نتوصل اليوم ولا من قبل بأي أعلاف مدعومة من طرف الدولة منذ 1981»، يقول الحاج شعوب محمد(فلاح وكساب بمنطقة حد السوالم)، نافيا أن يكون قد سبق له أن توصل بأي أعلاف مدعومة من طرف الدولة منذ سنة 1981. نفس القول أكده السفري مجيد(فلاح وكساب من منطقة بوسكورة)، الذي قال بالحرف: «الأعلاف المدعمة وغيرها من مساعدات الدولة للفلاحين يتوصل بها «الكرايدية»، في إشارة إلى كبار الفلاحين أو بعض الشخصيات النافذة بالمنطقة. ويضيف «كنا مجموعة من الفلاحين عندما شاهدنا شاحنة محملة بالأعلاف تجاوزتنا عندما كنا في انتظارها، وتوجهت إلى جهة أخرى. نحن لم نتلق أي أعلاف ولم يسبق لنا نهائيا أن تلقيناها في سنوات الجفاف الماضية». السفري وبعض الفلاحين من منطقة بوسكورة أقروا أيضا بوجود العديد من الاختلالات في التعاونيات الفلاحية، حيث تتوجه الأعلاف إلى «الكرايدية»، في حين يتم استثناء صغار الفلاحين، مؤكدين أن الدعم والمساندة «يجب أن يوجها إلى صغار الفلاحين ممن يملكون بقرة واحدة وبقرتين ولا قدرة لهم على توفير العلف لها في ظل هذه الوضعية عوض أن يتم تجاهلهم وإقصاؤهم» باعتبارهم قوة غير منتجة في تجاهل تام للوضعية الاجتماعية لهؤلاء الفلاحين وبحاجتهم إلى هذا الدعم لأن الجفاف ندرة الأمطار تؤثر مباشرة على حياتهم اليومية المعيشية. وجه أغلب الفلاحين لومهم إلى المراكز الفلاحية الجهوية، مؤكدين أنها هي التي تتحكم في توزيع الإعانات الحيوانية «على هواها»، بالإضافة إلى بعض أعوان السلطة، حيث يتم «إغفال» بعض الفلاحين الذين هم في أمس الحاجة إلى هذه الإعانات، في حين يستفيد المحظوظون والمقربون. وطالب الفلاحون وزارة الفلاحة بتشكيل لجن مركزية مختصة تقف على مدى الالتزام بقائمة أسماء الفلاحين، الذين يتم تسجيلهم من أجل الاستفادة من الدعم، والسبب الذي يجعل أغلب الفقراء منهم على وجه التحديد يتم استثناؤهم، بالإضافة إلى تحديد طبيعة المعايير التي يجب توفرها في الفلاحين الراغبين في الاستفادة من الأعلاف المدعمة. بائعو الأعلاف «المساء» زارت مجموعة من محلات بيع الأعلاف بكل من مدينة حد السوالم والبئر الجديد، حيث أكد لها بعض تجار الأعلاف أن «لا علاقة لهم بالأعلاف المدعمة من طرف الدولة»، وأنها توجه إلى التعاونيات الفلاحية حيث توزع هناك. فيما أكد بعض الفلاحين أنه سبق لهم أن اقتنوا أكياسا للأعلاف مكتوبا عليها «ممنوع البيع مدعمة من طرف الدولة» بأثمانها العادية، يقول أحد الفلاحين بمنطقة الكارة. الأمر نفسه أكده بعض الفلاحين بمنطقة البئر الجديد وحد السوالم. وتساءلوا عن الطريقة التي يتم بها توزيع هذه الإعانات، متهمين بعض اللوبيات بأنهم يحولونها إلى ملك خاص يتصرفون فيه بمحض إرادتهم وبما تمليه عليه أنفسهم. بعض المكاتب الفلاحية المحلية نفت ما قاله الفلاحون، حيث أكد بعض المسؤولين بها أن هناك مسطرة خاصة يتم اتباعها في هذا الصدد. يقول السهمي محمد، مدير المكتب الفلاحي البئر الجديد، إن «الفلاح الذي يرغب في الاستفادة من هذه الإعانات يتقدم بطلب في الموضوع يضم معطيات تتعلق بالفلاح، على رأسها اسمه ورؤوس المواشي التي يملكها والجماعة التي ينتمي إليها، وغيرها من المعلومات الخاصة به. هذه الطلبات تعرض على لجنة يترأسها قائد القيادة، وتضم أعضاء من الجماعات المعنية وممثلين عن الفلاحين وممثلي المصالح الفلاحية، وهي التي تقرر البت في قبول طلب الاستفادة أو رفضه. وآنذاك يتسلم الفلاح الوصل من أجل تسلم حصته». المصدر نفسه نفى أن يكون بائعو الأعلاف على صلة بهذه الأعلاف، في الوقت الذي تشبث العديد من الفلاحين بتصريحاتهم، مؤكدين وجود اختلالات بالجملة، حيث أوضحوا أن هناك معايير أخرى هي التي تتحكم في عملية الاستفادة من هذا الدعم. بعض باعة الأعلاف أكدوا أن الإقبال ضعيف نسبيا على الأعلاف، والسبب كما يقولون أن أغلب الفلاحين استعانوا ببعض الأراضي المزروعة مثل الخضر والشعير لرعي مواشيهم عوض اقتناء الأعلاف. بعض الفلاحين بمنطقة البئر الجديد أكدوا أنهم اضطروا فعلا إلى رعي مواشيهم في بعض المزروعات، التي تضررت بفعل تأخر الأمطار بنسبة 100 في المائة كالخضروات، إلا أن هذه المساحات المزروعة، التي تحولت إلى مراع ولم يستفد منها معظم الفلاحين من خلال بيع منتوجها، أشرفت على الانتهاء، حيث سيجد الفلاحون أنفسهم مضطرين لاقتناء الأعلاف، وهو ما يعجزون عنه تماما، مما يتطلب تدخل الدولة لمساعدتهم وتقديم الدعم المالي والمتابعة لهم. وإذا كانت منطقة دكالة والشاوية ورديغة يتوفر فيها أغلب الفلاحين على آبار للمياه يستعينون بها في السقي إن توفرت لهم الإمكانيات، فإن العديد من المناطق في المغرب لا تتوفر على مياه جوفية وتتعدى معاناة فلاحيها وقاطنيها مشكل الأعلاف إلى إشكالية المياه في حال لم تتساقط الأمطار في النصف الثاني من الموسم الفلاحي الحالي، حيث سيكون الفلاحون مطالبين باقتناء مياه الشرب لهم ولمواشيهم، بالإضافة إلى اقتناء الأعلاف. ماذا يربح الفلاح المغربي؟ «الفلاح خاسر في جميع الحالات»، يقول السفري مجيد، مضيفا «نبيع الحليب بثلاثة دراهم للتر الواحد و»السيكاليم» نشتريه بثلاثة دراهم ونصف للكيلو غرام الواحد، إضافة إلى الأعلاف الأخرى. فماذا يربح الفلاح هنا؟». ويستطرد السفري قائلا:»ننتج الحبوب ونبيعها بسعر درهمين ونصف للكيلو غرام من الفرينة، ونقتني من المطاحن نفسها التي بعناها المحصول الزراعي «النخالة» ب»أزيد من ثلاثة دراهم للكيلوغرام الواحد»، مشيرا إلى أن الحليب الذي يباع بثلاثة دراهم في الشاوية لا يتعدى ثمنه درهمين للتر الواحد بمنطقة البئر الجديد، في الوقت الذي ترتفع فيه أسعار الأعلاف. فيما يقول شعوب محمد إن «الفلاحين مضرورين بزاف والأعلاف غالية، وسعر البهايم هابط بزاف»، مؤكدا أن سعر الأبقار تراجع بحوالي 5000 درهم في البقرة الواحدة، فيما تراجع ثمن الخروف بحوالي 1000 درهم، والنعاج بحوالي 1000 درهم أيضا. هذا الوضع جعل الفلاح في «حيص بيص» غير قادر على اقتناء المواشي بسبب غلاء الأعلاف ولا قادر على بيع ما لديه بسبب ما سيتكبده من خسارة فادحة. لذلك فضل أغلبهم بيع بعض المواشي والإبقاء على القليل منها في انتظار أن تزول هذه المحنة، يقول مصطفى. القرض الفلاحي قال طارق سجلماسي، الرئيس المدير العام للقرض الفلاحي، إن المجموعة عبأت مليار درهم لثلاثة تمويلات موجهة إلى الفلاحين و»الكسابة»، كإجراء استعجالي لإنقاذ المحصول الفلاحي والماشية بسبب قلة تساقطات هذا الموسم وكذا ما سببته «الجريحة» من أضرار، بشروط تفضيلية، مثل الإعفاء من مصاريف ملف القرض، ومعدل فائدة تنافسي. وأضاف سجلماسي، الذي كان يتحدث خلال ندوة صحفية أقيمت الأسبوع الماضي لإطلاق هذه الإجراءات، أن القرض الفلاحي سيخصص 300 مليون درهم كسلفات موجهة إلى الفلاحين المتخصصين في الزراعات الربيعية، خصوصا الصغار منهم، بسعر فائدة لا يتجاوز 5 في المائة ولمدة سنة واحدة، مع الإعفاء من مصاريف الملف. وهذا القرض موجه إلى الفلاحين الزبناء وكذا الزبناء المحتملين للقرض الفلاحي، ومنهم أولئك الذين استفادوا من قروض موسم الزراعات الخريفية، التي تضررت من تقلبات أحوال الطقس، مثل الخضروات ودوار الشمس والبطاطس والبطيخ والبطيخ الأحمر..الخ. وبالنسبة إلى البطاطس، فإن هذه التمويلات تأتي مكملة لتدخل الدولة التي تدعم تكلفة البذور ب50 في المائة. أما العرض الثاني، فهو موجه إلى تربية الماشية، أي إلى «الكسابة» الصغار بجميع أصنافهم، إذ خصص لهم مبلغ 400 مليون درهم كقروض ستوزع حسب رغبات «الكسابة»، وبنفس امتيازات العرض السابق، أي بسعر فائدة 5 في المائة ولمدة سنة واحدة و0 درهم لمصاريف الملف. والعرض موجه إلى تمويل تربية المواشي مما يسمح بتلبية حاجيات تغذية المواشي وزراعات الكلأ والعناية البيطرية...الخ. وهو إجراء يأتي مكملا لتدخل الدولة في عملية إنقاذ الماشية. بعض الفلاحين رحبوا بهذا الإجراء، غير أنهم اعتبروه «عبئا» لأن القروض تظل تلاحقهم، وفي بعض الأحيان لا يجني الفلاح أي فائدة أو أربح من خلال هذا القرض والسبب غلاء الأعلاف.
دعم الوزارة أعلن وزير الفلاحة والصيد البحري عزيز أخنوش٬ أول أمس الأربعاء، بالصخيرات٬ أن الحكومة أعدت برنامجا استعجاليا للتقليص من آثار الجفاف الذي يطبع الموسم الفلاحي 2011-2012 بغلاف مالي إجمالي يقدر ب 1,53 مليار درهم. وأكد أخنوش٬ في كلمة بمناسبة انعقاد الاجتماع الثالث لمكتب تدبير مشاريع مخطط المغرب الأخضر٬ أن هذا البرنامج يروم مساعدة المناطق المتضررة بنسبة 75 في المائة من الجفاف من أجل حماية الماشية٬ مشيرا إلى أن الوزارة أعدت مشروع قانون٬ في هذا الإطار٬ في 15 مارس الماضي٬ يهدف إلى الإعفاء من الرسوم الجمركية على استيراد الشعير٬ وبلورة برنامج لحماية الماشية خصص له مبلغ إجمالي بقيمة 1,14 مليار درهم موزع على ثلاث مراحل. وأوضح وزير الفلاحة أن «الأوراش الكبرى التي أطلقتها الحكومة من شأنها تشجيع تطور القطاع الفلاحي٬ لا سيما ترشيد البحث الزراعي وتوسيع تغطية التأمين الفلاحي وتحسين التمويل الفلاحي وتثمين المنتوجات المحلية وتنمية تسويق المنتوجات الفلاحية وكذا النهوض بالصادرات». وأكد مصدر مسؤول من وزارة الفلاحة أن الشطر الأول من برنامج الدعم لتقليص آثار الجفاف، الذي انطلق ببعض المناطق مثل مراكش والجهة الشرقية ومناطق أخرى أكثر تضررا، سيعقبه الشطر الثاني الذي ستستفيد من خلاله مناطق أخرى أقل تضررا هي جهة الدارالبيضاء، والرباط زمور زعير، والغرب بني احساين، وطنجة تطوان. هذا البرنامج لم يثر شهية العديد من الفلاحين، الذين أكدوا أن الاختلالات الكثيرة التي تصاحب مثل هذه العمليات تحول دون توصلهم بأي دعم. يقول أحد الفلاحين :»الفلاح في المغرب مازال يعاني، والسياسة الفلاحية يجب أن تأخذ مسارها الصحيح حتى يتحقق الهدف من مخطط المغرب الأخضر، وهذا لن يتحقق إلا إذا تحققت الشفافية والنزاهة. وتعميم مساعدات الدولة على كافة الفلاحين هو أولوية عوض التلاعب بها وتسخيرها لفئات دون أخرى».
أسعار الأعلاف ملتهبة مازالت أسعار الأعلاف تواصل ارتفاعها في ظل تأخر التساقطات. ويقول مصطفى إن سعر «النخالة» ارتفع بثلاثة دراهم بداية الأسبوع الجاري، حيث إن سعر كيس من «النخالة» من حجم 50 كيلوغراما وصل الآن إلى 118 درهما، في الوقت الذي لم يكن يتجاوز فيما قبل 100 درهم. كما أكد أن ما يزيد هذا الوضع سوءا قلة الأعلاف بالمنطقة، خاصة بالنسبة إلى الشعير و»النخالة». فيما يبلغ سعر «بالة من التبن» حوالي 30 درهما، وهي تحتوي على 14 كيلوغراما من التبن. وبعملية حسابية، فبقرة واحدة قد تستهلك لوحدها هذه الكمية في اليوم الواحد، غير أن الفلاح لم يعد يهتم، حسب مصطفى، بتسمين بهائمه بقدر ما يهتم بإنقاذها من الموت جوعا. غير بعيد عن منطقة الشاوية ورديغة، وبالضبط بمنطقة البئر الجديد يصل سعر «بالة» التبن إلى 35 درهما، وهي قد تكفي لبقرة حلوب واحدة في اليوم الواحد، يقول رشيد العسولي (فلاح بمنطقة البئر الجديد بإقليم الجديدة)، علما أنه من الصعب جدا على أي فلاح صغير أو متوسط توفير هذه الكمية، خاصة إذا كانت لديه ست بقرات أو أكثر، إضافة إلى المواشي. وأضاف رشيد أن بقرة واحدة تحتاج إلى ميزانية يومية تقدر ب60 درهما في اليوم، في الوقت الذي تبيع الأسر القروية لترا واحدا من الحليب ب»درهمين فقط» لبعض التعاونيات الفلاحية. أين هي مساعدة الفلاح هنا؟ يتساءل هذا الفلاح. ويستطرد رشيد كاشفا عن لائحة أسعار الأعلاف التي تلهب جيوب «الكسابة» والفلاحين، مؤكدا أن الكيلوغرام الواحد من «النخالة» يصل إلى 3 دراهم، و»التخليطة»(الصوجا، الفول، النخالة، الشمندر..) هي الأخرى 3 دراهم، والشمندر تجاوز 3 دراهم، و»سيكاليم» 3 دراهم للكيلو غرام... كل هذه الأسعار يعتبرها الفلاحون «جد مرتفعة» لأن بقرة واحدة أو كبشا واحدا يحتاج إلى كمية كبيرة من هذه المواد. وفي ظل الخصاص والفقر الذي يعاني منه 90 في المائة من الفلاحين المغاربة وربما أكثر من هذه النسبة، يقول أحمد(فلاح بمنطقة البئر الجديد) يجب أن تتدخل الدولة بثقلها لوضع برنامج عاجل وواضح تشرف عليه لجنة مختصة لضمان توصل الفلاحين، خاصة الفقراء منهم، بالدعم، سواء تعلق الأمر بالأعلاف أو بالحبوب لأن الفلاح مازال مقبلا على سنة كاملة، وأن الوضع الحالي في حال لم تتساقط الأمطار خلال النصف الثاني من الموسم الفلاحي سيكون في «أحلك أيامه»، مما يستوجب على الدولة مرافقة الفلاحين ودعمهم إلى حين تجاوز هذه الأزمة، لأن ما قد تجهله الوزارة أن عملية توزيع الأعلاف وغيرها من المواد التي توجه للفلاحين لا يتوصل بها أغلبهم.